إصلاحاً للخلل القانوني في المحكمة الشرعية الجعفرية الجزء «1».. في مطلب تطهير الفساد

الشيخ محمد علي الحاج

منذ عدة سنوات أثرنا قضية إصلاح وتطوير المحاكم الشرعية الجعفرية، مع تأكيدنا المبدئي على أننا من دعاة إلغاء هذه المحاكم، وأخواتها، من أساسها؛ ولكن في ظل وجودها واستمرارها فلا مناص من الدعوة لتحديثها.

وقد استجد مؤخراً أمران، جعلانا نضيء مجدداً على واقع المحاكم الجعفرية:

الأمر الأول: فتح دورة لقضاة الشرع، حيث أعلن مجلس القضاء الشرعي الأعلى عن دورة مباراة لملء ثمانية مقاعد شاغرة للقضاة الشيعة.

الأمر الثاني: هو قيام مفتش المحاكم الشرعية الجعفرية بتحريك عدد من الملفات في التفتيش، واتخاذ إجراءات قانونية غير مسبوقة بتاريخ القضاء الشرعي الجعفري.

وهذا ما يجعلنا نعمد للإضاءة الموجزة على عدد من القضايا المتعلقة بالقضاء الشرعي الجعفري، هي أشبه ما تكون بإشارات سريعة، في شتى شؤون القضاء، للإنطلاق منها في مشروع تكوين رؤية معاصرة حول هذه المؤسسة.

فإنه لطالما بقي شأن المحاكم الشرعية خارج نطاق التداول الإعلامي، وكان يقتصر الأمر على بعض المطالب النسوية فيما يخص الحضانة، وما شابه، وبالرغم من أننا نشرنا جملة مقالات منذ عدة سنوات في نفس السياق، لكن عمل القاضي حسن الشامي مفتش المحاكم الشرعية الجعفرية، هو عمل مشكور، وقد وضع الأصبع على الجرح، وحرك ساكناً في واقع المحاكم الراكد، وأعطى زخماً وشرعيةً لمحاولات إصلاح القضاء، نتيجة كونه يتبوأ موقعا رسمياً، وقد تم تعميم العديد من الأخبار حول ما قام به على الوسائل الإعلامية، ما أدى لوضع القضية بمتناول الرأي العام اللبناني، كما أضفى شرعية على كل الحركة المطلبية الداعية للإصلاح في المحاكم..

وعليه، فيجب مواكبة هذا الجهد الإصلاحي، وتعزيزه، علّنا نتمكن من إحداث نقلة نوعية في الجسم القضائي الشرعي، وهنا ينبغي الإشارة لجملة نقاط سريعة تمهيدية، قد نتوسع ببعضها لاحقاً:

أولاً: إنّ المحاكم الشرعية الجعفرية بحاجة للتحديث، وليس من المقبول بقاؤها كما هي، بنسختها التي كانت في القرن الماضي.

ثانيا: تأسست المحكمة الجعفرية على ضفاف المحكمة السنية وما زالت بصبغتها، ولم يضاف عليها الأدبيات والثقافة الشيعية..

ثالثا: كان تأسيس المحاكم الشرعية الجعفرية أسبق زمنا من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ومنذ تأسيسه لم يؤخذ ذلك بعين الاعتبار، أقلها لم يجعل رئيس المجلس الشيعي كعضو طبيعي في مجلس القضاء الشرعي الأعلى، كما هو شأن مفتي الجمهورية اللبنانية!!

رابعاً: ارتفعت في الآونة الأخيرة الكثير من الأصوات الداعية لإصلاح المحاكم الشرعية، تحديداً عقب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وبعدما أضحى بمقدور كل مواطن توثيق وتسجيل وتأريخ كل ما يحصل، فلم تعد الامور تمر مرور الكرام كما كانت في السابق، بل بإمكان أي شخص أن ينشر ما يحصل معه بمنتهى البساطة، ومن دون أي كلفة.. ناهيك عن التسجيلات التي يعمد لها الكثير من الناس.

خامساً: تزايد في المجتمع اللبناني مؤخراً مطلب إلغاء النظام الطائفي، واعتماد نظام مدني، ولعل جزء من الدفع بهذا المطلب ناتج عن شعور الكثيرين بالغبن، وبأن حقوقهم في المحاكم الدينية عموماً مهضومة.

سادساً: إن الاصلاح هو واجب شرعي، كما أن العدالة هي المبتغى من تأسيس المؤسسات القضائية، لذا فإن من أبسط واجباتنا السعي لإحقاق الحق، والمطالبة بذلك تندرج ضمن فريضة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

سابعاً: ان المحاكم الدينية بشكل عام، هي مؤسسات عامة رسمية، ينبغي ان تبقى تحت الاضواء والمساءلة، وواجب كل مواطن السعي لتعزيز مكانتها، كي تسودها الشفافية والمناقبية..

ثامناً: قد لا يكون من وظيفة المفتش البوح بما يقوم به، نتيجة تعقيدات المهام المناطة به؛ لكن ذلك لا يمنع من مواكبة حركته بجو عام، يدعم توجهاته، ويساعده على إكمال مسيرته.

تاسعاً: إننا ندرك حساسية الشأن القضائي، ولسنا بصدد التوسع في طرح المسائل، بقدر ما أننا نهدف لتسليط الضوء على القضايا التي نراها مفيدة، وتشكل مقدمة للإصلاح.

عاشراً: إننا وخلال عدة إثارات محدودة في الفترة الماضية، وردود الفعل عليها، شعرنا بالحاجة الكبيرة لطرح قضايا المحاكم الجعفرية، التي قد يتحرج بعص الأخوة من إثارتها، نتيجة ارتباطات سياسية، أو وظيفية، أو مصلحية، لكننا – وكما في مسيرتنا – فضلنا أن نؤثر المصلحة العامة على مصالحنا الخاصة، كما تجردنا عن أي هدف خاص، ولذلك نتمكن من قول الحقيقة كما هي، وهذا ما سنفعله في سلسلة مقالات (إصلاحا للخلل القانوني في المحكمة الشرعية الجعفرية).

السابق
بعد «إفتراءات» ابي خليل .. مؤتمر ناري لمدير المناقصات في وزارة الطاقة غداً!
التالي
ليلٌ ملتهب جنوباً: إطلاق نار في اسرائيل وسيارات إسعاف على الحدود مع لبنان.. ماذا يحصل؟