«التسيّد» على سيادة الدولة بحجة الفساد والعقوبات!

السيد حسن نصرالله
السيد حسن نصرالله في إطلالته الاخيرة وفي معرض ثنائه على التزام النائب جبران باسيل بالتحالف معه، أكد ان الفساد ليس ذي قيمة امام "الولاء" او التحالف السياسي. كما إستمر في سياسة الفرض وإملاء الاوامر على الشركاء في الوطن من بوابة التفاوض الحدودي غير المباشر مع اسرائيل.

في إطلالته الدورية وكما كان متوقعاً، أثنى السيد حسن نصر الله على مواقف الوزير السابق المدرج إسمه على لائحة العقوبات الأميريكية بتهمة الفساد، بحيث وصفها بالوطنية والشجاعة، وهو بذلك  أراد  لها أن تكون النموذج الذي تبنى عليه الادبيات السياسية اللبنانية لأجل إثبات الصدقية والولاء لنهج يتبع له سيد الكلام.

سماحته حرض بالتمني على العموم التعاطي مع العقوبات كشأن سيادي يجب أن لا يسمح لها بأن تخرق منطق الدويلة التي تحكم الدولة ووجب أن تبقى الفصل في كل شيء والميزان.

الخلط الذي حاول السيد تمريره للرأي العام يخفي حقيقة وفيها أن العقوبات الصادرة بحق المتهمين بالفساد الغاية منها حماية الأمن والاستقرار والمصالح الاميريكية، وهي أي تلك العقوبات تطبق على اراضيها وتشمل حكماً كل ما هو متصل فيها وله علاقة معها، وعليه فإن قوتها لا شك مستمدة من قوة مطلقها بعكس رفضها الذي لا يقوى أصحابه على إبطالها ليس فقط في الكيانات التي ترتبط مع مطلقها بمعاهدات واتفاقات ومصالح تفرض عليهم تطبيقها بل وفي بلاده التي تخضع سياساتها المالية بشكل شبه كامل لها.

إختصار العلاقة مع الشركاء في الوطن بالتوجيه والإرشاد والفرض من دون إجماع سيجعل الحزب في عزلة

من حق السيد تقليب الرأي العام المحلي على القرار، لأنها بالعمق تمسه وتطال وجوده وتقيد نفوذه وتخسره ورقة يعدها رابحة وتدخل في استراتيجية المواجهة التي يخوضها مع صاحبة العقوبات، في الوقت عينه يرى بعض كثير من اللبنانيين الأحرار أنه كان من الأجدى على مطلق الثناء الفصل بين ما هو سياسي يكفله الدستور وبين ما هو فساد يستوجب تحركاً من قبل القضاء للتحقق من مضمونه ومعرفة عما إذا كان المعني بالعقوبة ومن سبقوه متورطين فعلاً في ما وصلت إليه البلاد من مآس ادت إلى الإنهيار والإفلاس.

في السياسة يحق للأفراد والجماعات في لبنان ومن باب الحرص على حماية الحريات المنصوص عنها في القانون التعبير بحرية عن الإنتماء وممارسة المعتقدات وإختيار التحالفات لكن بشرط أن لا تتعارض هذه الخيارات مع حرية الآخرين وسلامتهم وحقهم بالاستقرار والعيش بأمان.

الأمين العام لحزب الله جزم سلفاً وفي نفس الخطاب بسقوط أحد أضلاع صفقة القرن، ولربما كان ذلك كذلك ليقين يمتلكه وحده ويطمئنه إلى أن الخلف المتوقع دخوله إلى البيت الابيض سيكون على نقيض سلفه الخاسر، وهو أمر يمس صراحة  بثوابت الإيمان وصدقية الشعار المرفوع دوماً عبر الازمان عن أن أمريكا جمهورية كانت أم ديمقراطية ستبقى الشيطان الأكبر.

المستغرب هنا يتمثل في القول أن خسارة مرتكب جريمة العصر قاتل القائدين سليماني والمهندس قد لقي ما يستحقه، وهو أمر لا ندري عما إذا ما كان كافياً لكي يكتفي السيد به وبما انجزه الشعب الأمريكي ويعدل عن فكرة الثأر لقتلهم والإنتقام ؟.

مناورة العدو حق لا بد منه، الكل يؤيدها وكثيرون يعتبرونها نقطة تحول في مسار المواجهة معه، لكن الخلاف الحقيقي يقع حول حصره بيد طرف واحد يخضعه لمصالحه ومصالح قوى خارجية يحرص على أن تصب نتائجه في خدمة أهدافها، خيرات البلد و موارده الطبيعة ملك الشعب اللبناني صاحب الفضل الاكبر في دعم وحماية نهج المقاومة وصعودها وصمودها على الساحة الداخلية وأي محاولة لقلب هذه المعادلة بحيث يكون الفضل لطرف على الدولة فيه إجحاف سيؤدي إلى إنقلاب السحر على الساحر.

ومجرد التفكير فيه سيسهم في تعميق الهوة بين اللبنانيين والحزب ببساطة لأنه يهمش دور الدولة ويهشم صورة إدارتها لدى الرأي العام ويصورها على أنها غير قادرة على حماية الحقوق وقاصرة في التعامل مع اي مفاوضات، وهو أمر بدا واضحاً وفاقعاً في خطاب أمين عام الحزب عندما توجه إلى الوفد المفاوض، بالقول ” عليكم ان تعرفوا بأنكم في موقع قوة وليس ضعف وبأن الموافقة على مهمتكم أتت من قبلنا وإن الخلاف الذي سمحنا به لم يكن سوى على ضرورة أن يكون الوفد المشارك في التفاوض من غير السياسيين بل من العسكريين وهو ما تحقق، ومن دون مدنيين إختصاصيين وهو ما حصل وسجلنا عليه إعتراض شكلي حمايةً لنا لكي لا نقع في خطر إعتباره شروع في تطبيع لا نؤيده”.

خلط نصرالله خلال ثنائه على باسيل بين ما هو سياسي يكفله الدستور وبين ما هو فساد يستوجب تحركاً من قبل القضاء

التسيد على السيادة أمر مرفوض، التشكيك في قدرة المؤسسات الرسمية على إنجاز ما هو مطلوب منها مستغرب وغير مقبول، إختصار العلاقة مع الشركاء في الوطن بالتوجيه والإرشاد والفرض من دون حصول إجماع سيجعل الحزب في عزلة أشد وطأة من الحصار.

رحم الله الشهداء ومن بقي في هذا الوطن في عِداد الأحياء، يقول البعض أن لو هذا الخطاب صدر عن المؤسسات الرسمية وتضمن ما يمكن له أن يكمله لناحية متابعة قضايا الفساد وتفعيل دور الرقابة والعمل بمبدأ الثواب والعقاب  للقي ترحيب وثناء وإجماع من قبل الجميع، لهابهه المتفلتون خوفاً من السؤال والحساب.

السابق
وجيه قانصو يكتب لـ«جنوببة»: الكارثة عندما تُفسَّرُ انتصاراً
التالي
توفي ودفن في تركيا..داعي الإسلام الشهال قضى نحبه بـ«كورونا»!