مباراة القضاة الجعفريين.. محاصصة على حساب القانون والدين!

المحكمة الشرعية الجعفرية
ما زال الاعلان عن دورة تعيين قضاة شرعيين جعفريين في لبنان في دائرة الأخذ والرد لجهة عدم القانونية، وهو ما أثاره مدير حوزة الإمام السجاد العلمية العلامة الشيخ محمد علي الحاج العاملي على خلفية قرار تعليق المهل الذي صدر عن المجلس النيابي.

وتعتبر الدعوة للتباري لتعيين قضاة جعفريين في غير وقتها من ناحية القوانين المرعية الإجراء، وفي ذلك مخالفة قانونية واضحة لا تقتضي اللبس في إعلان مجلس القضاء الشرعي الأعلى لفتح باب دورة التباري لدخول السلك القضائي الديني الجعفري تستدعي وقف الدورة فوراً، وفتح بابها مرة أخرى ضمن المهل القانونية.

    من جهة أخرى برزت أسماء ممن تقدموا في ديوان القضاء الجعفري بطلب لخوض الامتحانات الخطية والشفهية، فظهر فيهم مجموعة ممن لم يكملوا دراستهم الحوزوية فيسجل عليهم عدم الكفاءة الفقهية للنهوض بمهام القضاء الجعفري، بل يظهر أن كل المتقدمين لم يُتِمُّوا هذه الدراسة، فلا يوجد فيهم مجتهد ولا فقيه واحد!  

اقرأ أيضاً: القضاء الجعفري.. مباراة لإعلان الناجحين «سلفاً»!

وفي فقه الجعفرية لا بد من بلوغ رتبة الاجتهاد والفقاهة لمن ينبغي له التصدي لمقام القاضي الشرعي الذي هو حاكم شرعي بطبيعة الحال يحكم في القضايا الشرعية بحكمه وطبق فتواه بحسب الأصل، إلا اللهم في صورة قاضي التحكيم التي يستند فيها القاضي في الحكم إلى فتوى غيره، وهذا ما لا تحتمله منازعات المحاكم الشرعية الجعفرية التي تحتاج إلى القاضي الفقيه في أكثر مرافعاتها التي يستدعي الحكم فيها وجود القاضي المجتهد للحكم، وشرط الاجتهاد والفقاهة هذا  ليس متوافراً حالياً في جميع المتصدين لمهمة القضاء الجعفري الرسمي في لبنان ، وإن كان بعضهم من الفضلاء، ولكن عدد الفضلاء من بين المتصدين أيضاً لا يتجاوز عدد أصابع اليد! 

غياب المجتهدين 

 ولا تكفي الفضيلة العلمية للتصدي لمهام القضاء الشرعي في فقه الإمامية ما لم يكن القاضي الشرعي فقيهاً مجتهداً، وهذا من مآسي المحاكم الشرعية الجعفرية الرسمية الحكومية التي فتحت على محاكم المسلمين الشيعة في لبنان هذا الكم من الانتقادات في الإعلام في السنوات الأخيرة، علماً أن الجهاز القضائي الجعفري الرسمي في لبنان كان فيه مجموعة من المجتهدين والفقهاء منذ تأسيسه منذ زمن قيام دولة لبنان الكبير. 

 فقد عُرف من مجتهدي هذا السلك الفقيه الشيخ يوسف الفقيه صاحب كتاب : ” الأحوال الشخصية ” ، وعُرف منهم الفقيه السيد هاشم معروف الحسني صاحب الكتب الفقهية العديدة ، وعُرف منهم الفقيه الشيخ محمد جواد مغنية مؤلف موسوعة : ” فقه الإمام جعفر الصادق عليه السلام ” المعتمد كمادة لمعرفة الفقه الجعفري في مجموعة من الجامعات في العالم ، وعُرف منهم – ولعله كان آخرهم – الفقيه الشيخ عبد الله نعمة رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية الأسبق وصاحب كتاب : ” دليل القضاء الجعفري ” .. 

 أما بقية المتصدين لمهام القضاء الشرعي الجعفري الرسمي فالأعم الأغلب منهم غير متوافر على صفات القاضي الشرعي المقررة في فقه الإمامية ، وهذه إحدى مآسي السلك القضائي الجعفري الرسمي في لبنان تستدعي تدخل المرجعيات الدينية الشيعية العليا لوضع حد لمهزلة الأحكام الشرعية التي تصدر عن بعض القضاة الحكوميين ويُظلم فيها الكثير من أبناء الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان، يُظلمون في أعراضهم وأنسابهم وأموالهم ووصاياهم ومواريثهم وأوقافهم . 

تسلّط السياسيين 

 وهذا الأمر تردد كثيراً في الإعلام اللبناني في العقد الأخير وفيه آلآف الاعتراضات والشكاوى، لأن القضاة الجعفريين الرسميين الحاليين أصبحوا ألعوبة بأيدي السياسيين الفاسدين، ينفذون رغبة السياسي مهما بلغت عواقبها الدنيوية والأخروية في كثير من الدعاوي والملفات القضائية، فبعد أن كان قرار تعيين قضاة الشرع الدينيين بيد المرجعية الدينية في مرحلة ما قبل الإمام القائد المغيب السيد موسى الصدر، وبعد أن صار ذلك بيد الإمام الصدر في وجوده، وبعد غيابه بيد  الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين في حياته، وبيد الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان قبل غلبة مرضه عليه واعتزاله مهامه الفعلية، بعد كل ذلك أصبح تعيين هؤلاء القضاة بيد السياسي حصراً، له فيهم ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين! 

 فقد خلت وصَفَت الآن ساحة القرار للسياسي في هذا الملف، وصار ميزان تعيين القضاة الشرعيين بمقدار ما يُكرِّس ذلك زعامة السياسي في مناصبه وامتيازاته، وهذا لا يطعن بعلمية وفقاهة المنتخبين من قبل الساسة لهذا المنصب فحسب، بل يضر بعدالة هؤلاء المنتخبين التي هي شرط أساسي في صفات القاضي الشرعي الجعفري في الفقه الإمامي إلى جانب شرط بلوغ درجة الفقاهة والاجتهاد ..  

   وفي ظل هذا الواقع المقيت والمُهين والمُذل، وأمام المحاصصة السياسية التي تمنع غير الشيعة من التدخل لمعالجة هذا الواقع، فلا رئيس الحكومة قادر فعلياً على التدخل، ولا مفتي الجمهورية يستطيع التأثير في هذا الواقع، ولا المرجعيات الشيعية العليا لها يد مبسوطة لتعيين قضاة شرع من الفقهاء الشيعة على غرار ما كان يحصل في زمن مرجعية الإمام السيد محسن الطباطبائي الحكيم الذي قام بتعيين الفقيه الشيخ إبراهيم سليمان قاضياً لست سنوات لشيعة الكويت حتى لا يقع منصب القضاء الجعفري في الكويت بيد الهواة من غير الفقهاء. 

 وبالنهاية، في لبنان الحبل ملقىً على غاربه، فالسياسي هو من يُشخص اصحاب الأهلية لتولي منصب القضاء الشرعي الجعفري حسب مصلحته، حتى صارت تضج المواريث والأنساب من أحكام بعض القضاة، وغدا ينتهك بأحكام بعضهم الفرج الحرام والمال الحرام !  

    وبعد كل هذا العرض يتبين بوضوح أن لا حقيقة لدورة القضاة الجعفريين، بل هو وهم جرى عليه العرف في الدوائر الحكومية اللبنانية، فالآمر والناهي في هذا الملف هو من بيدهم السلطة على حصة الشيعة في وظائف الدولة، والقضاة القادمون من رجال الدين الشيعة الأقارب والموالين لهم اصبحت اسماؤهم معروفة، وكل ما عداه شكلي، فلا دورة ولا مباراة خطية ولا مقابلة شفهية ولا من يحزنون !  

السابق
وعد بولاية ثانية لترامب.. بومبيو: باسيل مرتبط بشكل عميق بمنظمة «ارهابية»!
التالي
قرار «المفرد والمجوز» قبل السبت.. وهذه قيمة غرامة مخالفة قرار الاقفال!