17 تشرين «المجيد».. كي لا تكون ثورة «أكلها أبناؤها»!

الثورة اللبنانية

ما أسهل الكتابة عن السلطة ، خاصة إذا كانت سلطة مافياوية مجرمة كما هي السلطة عندنا في لبنان بكل موبقاتها . وما أصعب الكتابة عن الثورة ، خاصة عندما تكون ثورة شعب لا ثورة حزب أو تنظيم أو فئة . في الكتابة عن السلطة تكون متصالحا مع نفسك ، عقلك يتطابق مع قلبك ، تمدك السلطة بقراراتها الخرقاء غالباً وممارساتها الهوجاء دائما بالوقود اللازم لكتاباتك ، كمن يسكب بنزين اللامبالاة على نار غضب المحتاجين فيزيدها إشتعالا ، أما في الكتابة عن الثورة فأنت هنا ممزق ما بين قلبك وعقلك ، ما بين خوفك على الثورة طرية العود من الأعداء المتربصين ، وخوفك عليها من أن ينزلق بها البعض من أبنائها إلى زواريب الفئوية والحزبية والعبثية بعيدا عن الأهداف التي من أجلها قامت . قلبك مع صرخات الناس وألمهم وعفويتهم ومطالبهم المحقة ، وعقلك يتخوف من بعض الممارسات التي قد يلجأ إليها بعض الطفوليين ، ويرفض الأخطاء التي قد يرتكبها بعض المتنطحين للقيادة والتي قد تكون عبئا على الثورة والثوار في بلد كلبنان فيه الكثير من التوجهات والمشارب والمذاهب السياسية منها والإجتماعية .

اقرأ أيضا: «شؤون جنوبية» تعقد ندوتها في صور احتفاءً بالسنوية الأولى لثورة 17 تشرين

السنوية الأولى للانتفاضة

مناسبة هذا الحديث هي الذكرى السنوية الأولى لثورة 17 تشرين أول التي بتنا على أبوابها وهي ذكرى قد تشكل بل يجب أن تكون فرصة للمراجعة والقيام بجردة لحسابات الربح والخسارة ، هذه الحركة التي إنطلقت كبيرة وضمرت للأسف مع الوقت ، بدأت ثورة ثم تحولت إلى شبه إنتفاضة وإنتهت حراكا بعكس منطق الأمور بحيث يكبر الحراك ليصبح إنتفاضة ويتطور إلى ثورة . لا نقول هذا الكلام تبخيسا لحق أو إستهانة بمجهود ، فالناس قامت بما عليها وضحَّت وإندفعت للمشاركة وخاصة في الجنوب حيث القابض على الثورة هناك كالقابض على الجمر وتحملت الناس المظالم ، وسيبقى يوم 17 تشرين يوما من أيام لبنان المجيدة ، بغض النظر عن النتائج التي لم يكن لدينا أوهام كثيرة حولها على أية حال ، ليس لأن الثورة غير مجدية بل لأن هذا النظام المافياوي هو نظام متجذر في المجتمع وليس من السهل إقتلاعه بأيام أو أسابيع أو حتى سنوات خاصة وأنه في الظرف الحالي مدعوم بمنظومة ميليشياوية تمتد مصالحها من لبنان إلى الإقليم مدعومة بمحور شديد التطرف والقسوة في مواجهة خصومه .

شرارة 17 تشرين


بدأت الثورة في 17 تشرين كما هو معروف كرد فعل على فرض ضريبة على الواتس اب من قبل الحكومة برئاسة سعد الحريري ، نزلت الناس إلى الشوارع ورفعت شعار كلن يعني كلن في إستعادة لشعارات حراك 2015 حين نزلت الناس بسبب أزمة النفايات . تدحرجت كرة النار وأستقال سعد الحريري بالرغم من معارضة شركائه في السلطة الذين أعلنوها صراحة بأن إسقاط الحكومة خط أحمر ، وبدأت المساومات والضغوطات والبهلوانيات لتسمية رئيس جديد للحكومة ، حافظت الثورة على زخمها إلى حين طرح إسم حسان دياب والإتفاق عليه من قبل الأغلبية النيابية التي هي من لون واحد ، وبتواطؤ من الأقلية التي أمنت النصاب في جلسة الثقة ، مرت التسمية والتكليف ومن ثم التأليف على وقع بعض التحركات ولكن كان واضحا أن الأمور سائرة بإتجاه تثبيت هذه الحكومة وبأن السلطة نجحت في زرع التباينات بين مجموعات الثورة، فبات البعض يصوب فقط على ما أسموه ” الحريرية السياسية ” ومشروعها الإقتصادي، والبعض الآخر يصوب بإتجاه سلاح حزب الله فقط بإعتباره السبب الرئيس لما يعانيه البلد من مشاكل وأزمات، وآخر توجه صوب المصارف وما يسميه “حكم المصرف” وحاكم المصرف رياض سلامة بإعتباره الأساس فيما يعانيه الناس من ضيق إقتصادي وحجز للأموال وإنهيار سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي .

وهكذا تشتت الجهد وخفتت صرخات الثورة والثوار وطغت العشوائية وعدم التنسيق على التحركات، تزامن ذلك أيضاً مع بدء أزمة كورونا التي إستغلتها السلطة وإتخذت منها ذريعة لفض الإعتصامات ، وكذلك إزدادت الإعتداءات الممنهجة التي طالت الثوار من زبانية السلطة خاصة أنصار الثنائي الشيعي الحاكم بطرفيه الشعبي المتمثل بالأنصار والرسمي المتمثل بشرطة مجلس النواب ، فكان أن خمدت الثورة ولو أن النار تبقى تحت الرماد، حتى كارثة إنفجار المرفأ والتي كان من المفروض أن تعيد الوهج للثورة لم تحرك سوى مجموعات قليلة للإحتحاج ، وسقوط حكومة حسان دياب لم يكن نتيجة تحركات الثورة بل سقطت نتيجة التجاذبات الداخلية بين مكوناتها وأتت كـ ” تنفيسة ” للوضع بعد إعصار النار الذي ضرب المرفأ ، وحتى المبادرة الفرنسية لم يكن للثورة أي دور أو رأي موحد تجاهها لا سلبا ولا إيجابا، وحتى عندما بدأ ترجمتها عبر تسمية مصطفى أديب لرئاسة الحكومة وبدا أنه مصمم على تشكيل حكومة قد تكون الأقرب إلى نبض الناس والشارع، وتمت عرقلتها بداعي الميثاقية وعبر إحتكار وزارة المالية لطائفة محددة ، لم يكن للثورة رأي أو صوت أو تحرك ضد هذه الممارسات من طرف الثنائي الشيعي ما يطرح علامات إستفهام كبرى حول الموضوع .

اليوم هل يصح بثورة 17 تشرين القول بأنها الثورة التي أكلها أبناؤها ؟

نقول هذا ونؤكد مرة أخرى أن كلامنا هذا ليس موجها للناس العاديين الذين قاموا بواجبهم على أتم وجه وخاصة الشباب والشابات منهم الذين كانوا دائما في طليعة الجموع ، ولكن كلامنا موجه وبكل محبة إلى الذين يُسَمون نخبة وقادة رأي ، من ناشطين وناشطات إلى هيئات ومنظمات وأفراد ونسأل هل يعقل أنه وبعد عام على إندلاع هذه الثورة المباركة أن لا يكون هناك برنامج موحد ورؤية شاملة لما هو مطلوب ؟ هل يعقل أنه وبعد سنة لا يوجد إطار موحد للمجموعات المشاركة ولا قيادة موحدة بحجة أن الثورة لا تحتاج لقيادة ؟ وهل من المنطقي أن الثورة التي إندلعت بسبب زيادة ست دولارات شهريا على مكالمات الواتس اب تخمد اليوم والدولار يطرق باب ال9 ألآف ليرة لبنانية بعد أن كان 1500 ليرة والودائع محتجزة ومع ذلك تعجز أطراف الثورة عن الإتفاق على خطة عمل ؟ إن الوضع الذي وصلنا إليه اليوم بات موازيا أو مشابها – كي لا نكون قساة في التعبير – للسلطة بكل تناقضاتها وممارساتها وبتنا نخاف أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه شعار كلن يعني كلن يطلق ضد هذه الأطراف أسوة بمن هم في السلطة ، لذلك المطلوب أن تكون الذكرى السنوية الأولى لهذه الثورة التي تعمدت بالدم وقدمت الشهداء دافعاً لكل مخلص ثائر حقيقي للتلاقي على برنامج عمل موحد للمرحلة القادمة ، فالمعركة طويلة وصعبة مع هذا النظام وهذه العصابة الحاكمة وأقل ما يمكن فعله في هذه الظروف هي وحدة أطراف الثورة ولو على الحد الأدنى من المطالب وإذا كانت الطريق صعبة وطويلة في ظل الوحدة فكيف بالحري سيكون المصير في ظل التشتت والتشرذم في وقت يبشرنا به رأس العهد وبملء الثقة ودون رفة جفن بأننا ماضون إلى جهنم .


قديما قيل في الثورات بعد نجاحها وبدء التصفيات بين قادتها بأن الثورة تأكل أبناءها ، اليوم هل يصح بثورة 17 تشرين القول بأنها الثورة التي أكلها أبناؤها ؟ سؤال بريء برسم المعنيين من قيادات المجموعات والثوار ، فهل من جواب ؟ .

السابق
«كورونا» يخرج عن السيطرة.. لبنان يتجه نحو سيناريو اسوأ من السيناريو الايطالي!
التالي
نصر الله مكشوف اسرائيليا.. ضابط اسرائيلي: لو اردنا قتله لقتلناه!