سنة «حلوة ومرة» على17 تشرين.. أكاديميون ومثقفون وناشطون يستعيدون شعلة الثورة وما لها وعليها!

الاحتجاجات في لبنان
لا تكمن أهمية ثورة 17 تشرين 2019 التي ولدت من رحم المعاناة المعيشية للبنانيين (بدأت ملامحها بالظهور منذ العام 2016)، في قدرتها على كسر حاجز الاصطفافات المذهبية والسياسية والطائفية التي زاد سعير نارها بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري، ونزول اللبنانيين للمطالبة ببديهيات العيش الكريم من غذاء ودواء وتعليم وفرص عمل، بل في تمردها على "العنف الرمزي" الذي مارسه أهل السلطة على الشعب اللبناني منذ توقيع إتفاق الطائف من خلال إمتلاكهم وحدهم القدرة على تأويل الوقائع والأحداث على غير حقيقتها سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي للحفاظ على مكتسباتهم الشخصية مطبقين المثل الشعبي القائل "كيفما أراد الفاخوري بيركب أذن الجرة".

طوال ثلاثين عاما إستطاعت هذه القوى وأحزابها وزعمائها شرْعنة وجودها وسياساتها في نظر محازبيها ومؤيديها وإقناعاهم بأشكال وطرق عدة بصوابية أداءها السياسي والاقتصادي مرة لحفظ حقوق الطائفة ومرة أخرى لحفظ حقوق الحزب وجمهوره، وظلّ هذا الاداء يتوالد ويتناسل إلى أن جاء يوم 17 تشرين حينها أدخل الاحتجاج الشعبي على زيادة “بضع سنتات على فاتوة الواتس آب” النظامَ اللبناني بكامله في أزمة فعلية بعدما أسقطت شرائح واسعة من الشعب اللبناني “شرعيته الرمزية” التي بناها على مدى ثلاثة عقود، وبات الحديث عن فساد هذه الطبقة وتسويفها ونهبها للخير العام وتهديمها لهيكل الدولة من المسلمات والبديهيات على ألسنة كل الشعب اللبناني بعد أن كان من المحرمات (وإن كانت هناك فئات لا تزال تستثني زعمائها من هذه التهم).

إذا عرّت ثورة 17 تشرين القوى السياسية أمام جماهيرها حتى من ورقة التوت، وتيقن الشعب اللبناني بأن نظام الطائفية السياسية لا يمكن أن ينتج مساواة في ممارسة الحكم بين أطراف السلطة لأن كل مكسب لطرف هو بالضرورة خسارة للأطراف الأخرى، ولمس ذلك بوضوح مع بداية عهد الرئيس ميشال عون عام 2016، المنتخب من كتل سياسية طائفية وازنة، وزادت قناعتهم بعد تشكيل حكومة “الوحدة الوطنية” بداية عام 2019  إذ تبيّن لجمهور الطوائف بعد هذه التطورات كلها، الفشل الذريع للقوى السياسية والطائفية في لبنان في تأمين العيش الكريم لجمهورها وحل مشاكل أبناء طوائفها على ما كان يُصوَّر لهم دائماً في خضم الصراعات سعياً إلى الشراكة الطائفية  في الحكم.

 بمعنى آخر كسرت ثورة 17 تشرين إلى الابد “صورة الزعيم المخلّص” وترسخ لدى الشعب اللبناني حقيقة أن زعماء طوائفهم عاجزون عن إدراة الخدمات العامة والخاصة وعن إدارة اقتصاد منتج وعادل يؤمن فرص العمل والنمو الفعلي للثروة الوطنية، كما تيقنوا أيضا من تورط رموز السلطة وعلى المستويات كلها التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدولة والإدارة العامة في الفساد ونهب الأموال والأملاك العامة والتربُّح من طريق استخدام النفوذ السياسي، ولذلك لاقى شعار 17 تشرين “كلن يعني كلن” صدى كبير في الساحات العامة في كل المحافظات اللبنانية منذ بداية الثورة.

ما قامت به الثورة أيضا هو فتح نقاش جماعي حول مجموعة قيم وطنية داستها الطبقة السياسية وطحنتها بفسادها ومنها نُبل النضال للخير العام وأهمية قِيَم الجدارة والنزاهة والضمير والمحاسبة وطبيعة الاقتصاد اللبناني الذي يؤمن الحياة الكريمة للبنانيين وما يجب أن يكون عليه هذا الاقتصادخلال المئة عام المقبلة، وهذا تحول ينم عن كسر حاجز الخوف من بطش الاحزاب وإنهيار هالة الزعيم الذي لا يُناقش. 

بعد مرور عام على الثورة وبعد كل القيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حملت لواءها، وسألت عن شعلة الثورة و أين أخطأت  وأين أصابت، وكيف نقنع اللبنانيين بأن شراينها لا تزال تنبض بالحياة بعد كل التحديات التي واجهتها على مدار عام، وما هي  الخطوات التي عليها إتخاذها في المرحلة المقبلة لضمان إستمراريتها .

موقع جنوبية جال بهذه الاسئلة على نخبة من المفكرين والمراقبين والناشطين فكانت قراءات مختلفة لإنجازات الثورة و “إخفاقاتها” والتحديات التي تواجهها، فكانت الحصيلة بيدر سنابل ُمثقل بالافكار والاقتراحات.

حارث سليمان: قيم جديدة رسختها الثورة 

يحمل الناشط السياسي الدكتور حارث سليمان مبضعه مشرحا المحطات السياسية والشعبية التي مرّت بها ثورة 17 تشرين على مدى عام، ويقول ل “جنوبية” “أن ثورة 17 تشرين أصابت في كثير من الخطوات التي قامت بها وهناك العديد الانجازات التي حققتها وأولها فضح التحالف القائم في السلطة ووضعه في موضع الاتهام وجعله في موقع الادانة داخليا  وخارجيا”، لافتا إلى أن “هذه السلطة التي كانت تتمتع في العام 2018 بولاء شعبي كبير حصده في الانتخابات النيابية الاخيرة، تغير وضعها اليوم بمعنى أن الناس يتهمون السلطة وأهلها عن مسؤوليتهم عن الكارثة المالية والاقتصادية وإستمرار الفساد وتحويله إلى نمط عيش”.

حارث سليمان: الثورة نجحت بزج السلطة في قفص الاتهام والإدانة

ويشير إلى أن “الناس أصبحوا بشكل عام في المجالات الاعلامية والسياسية والفكرية يتوجهون بالادانة للسلطة، وحتى أطراف السلطة أنفسهم باتوا يتقاذفون التهم في ما بينهم، بمعنى أن السلطة إعترفت بجريمتها وسعى كل طرف منها للتخلص من مسؤوليته في هذه الجريمة وهنا يمكننا القول أن الثورة نجحت نجاحا كبيرا في وضع السلطة في قفص الاتهام والادانة”.

 يضيف:”الانجاز الثاني الذي حققته الثورة هو حملها لقيم جديدة ، ففي العام 2018 كانت القيم التي تسود في لبنان ترتكز على الولاء للزعيم والانتماء الطائفي ومحاولة الاستفادة من الدولة والمشاركة في كعكة الفساد ومقايضة الولاء للزعيم مقابل الخدمات الاساسية للمواطن من وظيفة وتعليم والطبابة والزفت، وكان اللبناني يظهر الولاء للزعيم حتى يحصل حقوقه الطبيعية بالعيش الكريم”، مشيرا إلى أن “الثورة جاءت ووضعت معها قيم جديدة نبذت الطائفية  وشددت على المواطنة بإتجاه بناء دولة مدنية وقانون المؤسسات وأدانت الجريمة وطالبت بإستعادة الاموال المنهوبة وأدانت العنف وإلتزمت بالثورة السلمية وأعلنت الخروج من  ثورة الزعيم، (بالرغم من وجود فئة حافظت على ولائها لزعيمها وأخرى وضعت نفسها بمنزلة بين المنزلتين) لكن الخطاب الاساسي كان هو الخروج من عباءة الزعيم وأحزاب السلطة، وهذه قيم جديدة لا يمكن التراجع عنها وباتت راسخة في وعي الناس”.

يشير سليمان إلى أن “الثورة وجهت من خلال فعالياتها ومبادراتها الضوء على مكامن الفساد في الدولة كالكهرباء والاتصالات والطاقة والضمان الاجتماعي وكانت فعاليات الانتفاضة تنتقل من موقع إلى آخر وتسمي الفاسدين بالأسم وإستطاعت أن تحتل الفضاء الاعلامي”، لافتا إلى أن “السياسيين باتوا إما في موقع الدفاع أو الإدانة و المطاردة ولم يعودوا يتمكنون من التجوال بحرية والمشاركة في الحياة العامة، بعدما كانت الحياة السياسية تدور حولهم  وبات الفضاء العام موجها حول حقوق الناس في التعليم والطبابة والعيش الكريم وتغيرت القضايا، فقبل الثورة كان الاهتمام يصب حقوق المسيحيين التي يحاول جبران باسيل إسترجاعها و حقوق الشيعة التي يحاول نبيه بري حفظها، اليوم الامور تغيرت وصار المواطن هو محور الحياة السياسية و ليس إنجازات الزعيم”.

يضيف:”الثورة إستطاعت أن توجد مكان في صفوفها الامامية للمرأة والشباب وهناك قطاعت واسعة من الناس لم يكونوا يهتمون بالوضع السياسي، إنخرطوا بعد الثورة بالعمل السياسي وباتوا في مقدمة الصفوف في الثورة، كما تحول الفساد إلى إتهام وإدانة بعد أن كان نوعا من الشطارة”.

في المقابل يتطرق سليمان إلى أخطاء الثورة فيقول:”أولا قسم من هذه الثورة كان يعتقد أن التغيير في لبنان أمر سهل وان أهل السلطة المتواجدون في مواقعهم سيسهل إقتلاعهم, هذا كان وهم وأثبتت الاحداث أن هذه الطبقة ستظل تقاتل حتى آخر رمق في عروقها، هناك قسم آخر كان يعرف أن مشوار الثورة طويل ولا يمكن وضع هذا الامر بخانة الخطأ بل بخانة الاختلاف في تقدير الموقف لبعض الشرائح “.

يضيف:”الخطأ الثاني هو أنها لم تتحول إلى أداة سياسية تبغي التغيير، داخل الثورة حصل تردد بين الطلب من هذه السلطة تحقيق مطالب الشعب اللبناني أو أن ننجز أداة بديلة لها وتسقطها والى الان الثورة لم تحسم أمرها بين هذين الخيارين، وبرأيي علينا أن لا نطلب من هذه السلطة شيء سوى أن ترحل لأنها غير صالحة لإدارة البلد والدليل هو إنفجار مرفأ بيروت الذي أعلن فشلها بشكل قاطع إضافة إلى فشلها في القطاعات الاخرى”، معتبرا أن  “الحل هو تحويل رموز هذه السلطة الى السجن والمحاكمة وعلى الثورة أن تبني الاداة التي تمكّنها من إنجاز هذه المهمة وهذا الامر كان يجب أن ينفذ منذ إنطلاقها ولا يزال الوقت متاحا للقيام به في المرحلة المقبلة، لأن الثورة لا يجب أن تكون فقط لإعلان الغضب من الفساد والمطالبة بسلسلة من المطالب بل أن تكون الثورة تبني سلطة بديلة” .

حارث سليمان
سليمان

يعتبر سليمان أن “السلطة البديلة تكون عبر الانتخابات النيابية ولذلك أصر أهل السلطة على رفض هذا المطلب وعلى رأسها حزب الله وحركة أمل في المبادرة الفرنسية كونهم هم من يدير السلطة في لبنان، لأن الانتخابات يمكن أن تنشئ أداة بديلة عنهم”، مشيرا إلى أن “الصراع يتم في هذه النقطة وهو كيف يمكن أن ننتج أداة بديلة نصل فيها للإنتخابات أو أن نهيئها حتى تكون جاهزة مع موعد الانتخابات النيابية القادمة والتحدي الاول للثورة هو تحولها إلى أداة لتغيير السلطة وتكوين سلطة بديلة منذ الان وتكون الانتخابات المقبلة تتويج لعملية التغيير”. 

 يضيف:”النقطة الثانية التي لا تزال ملتبسة وتحتاج إلى حل هي علاقة الثورة بالقضاء والجيش، القضاء حتى الان لم يتحول إلى قضاء يطبق القانون فقط ولا يطبق تعليمات أهل السلطة، ومن المفترض بالقضاء في ظل عملية تغييرية أن ينفذ القانون وليس رغبات السلطة”، لافتا إلى أن “القضاء لم يتصدى لأي حالة فساد بالرغم من الكلام عن حجم الاموال المهدورة والسرقات أو يحاسب أي مرتكب بل على العكس قام إعتقال نحو 600 ناشط سياسي ليحاكمهم على آرائهم وتحركاتهم تجاه السلطة”. 

ويختم:”لم تستطع الثورة حل مشكلة علاقتها مع الجيش، المؤسسة العسكرية هي مؤسسة  وطنية مهمتها الدفاع عن الوطن وحماية النظام الديمقراطي وممتلكات المواطنين وليس الدفاع عن أهل السلطة وعدم الانحيازلأي طرف ولكن حتى الان دور الجيش ملتبس، ومشكلة السلطة انها كانت لديها نوعين من الممارسات العنفية ضد الثوار وكانت تدفع بالجيش لقمع المتظاهرين وكانت أيضا تستعمل الميليشيات لمواجهتهم وهذا ما شاهدناه من خلال الهجوم على خيم المتظاهرين وحرقها” .

مكرم رباح: الثورة لا تستطيع التغيير لوحدها 

يقارب الناشط السياسي الدكتور مكرم رباح ثورة 17 تشرين من زاوية بعيدة عن تقييمها لجهة أين أخطأت وأين أصابت، لافتا لـ”جنوبية” إلى أن “ثورة 17 تشرين كانت إنتفاضة شعبية على هذا النظام المجرم والسيء وهذا أمر لم يتغير، أما المراهنة على أن الثورة قادرة ولوحدها على تدمير هذا النظام فهو حلم منقوص”، معتبرا أن “المطلوب ليس فقط ثورة واحدة بل عدة ثورات وأعتقد أن الشعب اللبناني لا يزال يخاف من سلاح حزب الله والاهم أنه يخاف من فساد هذه الطبقة السياسية وإمكانية الانتقام منهم، لاسيما أن السلطة السياسية وحتى حزب الله يستعمل سلاح الجوع من أجل إخضاع الشعب اللبناني وفي موضوع الكورونا قد أثبتت هذه السلطة أنها مستعدة ان تستعمل هذا السلاح ضد الشعب”.

ويؤكد أن “الثورة أصابت عندما طالبت برحيل هذا النظام، قد تكون أخطأت عندما إعتقدت أن هناك قسم من هذه الطبقة السياسية قابل للإصلاح وحاولوا تحييد بعض الاشخاص كما أخطأت بشكل كبير عندما ركزت صلب تحركاتها في بيروت في حين أن لامركزية هذه الثورة كانت ناجحة والاهم من ذلك أن رأس هذا النظام موجود في بعبدا وهو المشكلة وعلى الثورة أن تتوجه إلى هناك”.

مكرم رباح: الخلاص  بإستمرار الثورة وتقبل الظروف الدولية 

يضيف: “ليس الموضوع بإقناع الشعب اللبناني بأن الثورة لا تزال حية، لأن وجودها هدفه النهوض بلبنان جديد قادر على حماية شعبه وتأمين مداخيل لهم، ونحن لا نريد إقناع أحد بالثورة لأن الكل مقتنع بأن هذا النظام غير قابل للإصلاح”، مشيرا إلى أن ” على كل الشعب اللبناني أن يعي بأن الحل والخلاص لن يأتي من الخارج على عكس إعتقاد العديد بل عليه أن يكون نتيجة إستمرار لهذه الثورة على الارض وفي النفوس لكي تتحول الظروف الاقليمية والدولية ملائمة لهذا التغيير”.

 ويختم:”الخطوات التي على الشعب اللبناني إتخاذها هي أن لا يكتفي بالمطالب الشعبوية  بل أن يطالب بشيء أساسي ووحيد وبالنسبة لي هو إستعادة سيادة الدولة، لأنه لا يمكن تحقيق أي إصلاح إقتصادي من دون حوكمة، وأن يقتنع بأن هذه الدولة مختطفة بسلاح حزب الله وبسلاح هذه الطبقة السياسية ويجب العودة إلى أساس الثورة وهي السيادة المطلقة عندها نستطيع الكلام عن إعادة بناء لبنان وطن أفضل صيغة 1943″.

مكرم رباح
رباح

لقمان سليم: همةٌ عفويةٌ نبضها ما توجّعهُ اللبنانيون

يعبر الناشط السياسي لقمان سليم عن مخالفته لمبنى السؤال “أين أصابت و أين أخطأت ثورة 17 تشرين”، ويقول لـ”جنوبية”:”من أسهل الأمور أن نضفي صفةً بشرية على حَراكٍ اجتماعيٍ متعدد الأسباب ومعقد البنية، البشر، أنا وأنت وهو، ينطلي عليهم الصواب والخطأ وحتى…أما الحراكات الاجتماعية فلا يجوزُ على أي نحوٍ أن تُزانَ بميزان البشر وأفعالهم”.

يضيف:”على هذا، اذا سلمنا ان ثورة “17 تشرين” قد ارتكبت أخطاءً، فلا أملكُ إلا أن أُعلق: ونعم الأخطاء، بل يا حبذا أن ترتكب المزيدَ من الأخطاءِ لا بل من الخطايا”، معتبرا أن “ما يسميه بعضُ الناس “أخطاء ثورة 17 تشرين” إنما هي الدليل القاطع والبرهان القطعي على أن هذه الهمّة المجتمعية العابرة للطوائفِ والمذاهبِ والمناطقِ هي همةٌ عفويةٌ نبضها ما توجعهُ اللبنانيون عشياتِ اندلاعها وما يتوجعونهُ اليوم”.

لقمان سليم: الثورة ارست حلا سياسيًا من خلال تغييرٍ جذريٍ عميق

ويرى أن “هذه العفوية لا تكذبُ فقط أولئك الذين نسبوا “ثورة 17 تشرين” إلى مؤامرةٍ تدبرُ وراء أبوابٍ مغلقة في ظلماتٍ داجية وإنما تبشرُ أيضًا بأنه لا حلَّ سياسيًا إلا من خلال تغييرٍ جذريٍ عميقٍ يشعرُ اللبنانيين واللبنانيات بأنهم وبأنهن مرحبٌ بهم وبهن في بلدهم، وأسوأ الأسوأ أن تُعاملَ هذه الهمّة المجتمعية معاملة القاصر الذي يحتاجُ إلى وصايةِ وصيٍ وإلى أن تسدى له النصائح”.

 ويختم:”لا أعرفُ ولا أريدُ أن أعرف إلى من سوفَ تؤول هذه الهمة المجتمعية ولكن كلي ثقة بأن العودة إلى ما قبل 17 تشرين الأول 2019 بات في حكمِ المستحيل، وأن كل محاولات ترميم السلطة باتت في خبر كانَ وهذا وذاك خبرانِ سارانِ يستحقانِ أن يحتفل بهما عاليًا”!

لقمان سليم
سليم

سامي نادر: الثورة سيئة الحظ

يشرح مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر لـ”جنوبية “أن “ثورة 17 تشرين لم تخطئ بل كانت قليلة الخبرة بسبب إندلاعها بشكل عفوي وطبيعي ولم تستطع أن تنظم صفوفها بالقدر الكافي، وهذا أمر ليس سهلا بالمناسبة لأننا في بلد يتميز بتعددية طائفية ومذهبية وثقافية وثقافية، وأيضا بسبب إرتداد قسم منها على المربع المذهبي أو الطائفي لأنه خاف وهذا أمر مشروع “.

ويرى أن “إن نقاط النجاح التي سجلتها هذه الثورة كثيرة، أولها أنها طوت صفحة الحرب وجسدت المشهد الاول للخروج من الحرب الاهلية حينما جمعت كل أطياف الشعب اللبناني الذين تخطوا الحواجز الطائفية والمناطقية والمذهبية في لحظة تاريخية صعبة جدا، حيث كان الشعور المذهبي في الاقليم المحيط في لبنان قد بلغ ذروته”، لافتا إلى أن “صحيح ان هذه الثورة لم تصل إلى الحكم لكنها تمكنت من أن تشكل فيتو وقدرة على التعطيل والرفض وتمكنت من إسقاط حكومتين ووضعت معايير جديدة لتشكيل الحكومات في لبنان، وصحيح أن أهل السلطة إلتفوا على المعايير وحاولوا خداع أهل الثورة ونجحوا بذلك، لكنهم لم يعودوا يستطيعوا تأليف حكومات الوحدة الوطنية وفقا لنظام المحاصصة كما كان يجري سابقا والثورة وضعت حد له سياسيا وفكريا، بالرغم من محاولات أهل السلطة لشله بطرق ملغومة وملتوية كما انها نجحت أيضا في فضح نظام المحاصصة “. 

نادر: الثورة شكلت فيتو ووضعت معايير جديدة لتشكيل الحكومات في لبنان

يضيف:” في المقابل لا أريد أن أقول أن هذه الثورة أخطأت بل كانت سيئة الحظ بسبب تفشي وباء الكورونا والازمة الاقتصادية التي دفعت الناس للسعي لتحصيل لقمة عيشها”، معتبرا أن “الثورة هي الخيار الوحيد اللبنانيين ولأن الرهان على الخارج أمر خاطئ لأن الخارج يريد تأمين مصالحه والرهان على أهل السلطة خاطئ أيضا لأن كل القوى السياسية لم تستطع أن تبني إلا نظام ينخره الفساد وكل القوى شريكة حالة الانهيار التي وصلنا إليها”.

ويختم:”على هذه الثورة أن تستمر وان تعطي الفرصة للقيادات الجديدة والشابة وعلى الجيل القديم في الثورة أن يتواضع ويترك دفة القيادة للأجيال الشابة لأنها متحررة من ماضيها في حين أن الأجيال القديمة لا تزال أسيرة قيود تاريخه وماضيه”.

نادر

إبراهيم منيمنة: الثورة حركة شعبية عفوية

يعتبر الناشط إبراهيم منيمنة أن ثورة 17 تشرين ليست الثورة تقليدية بمعنى أنها حراك شعبي وعلى رأسه قيادات ولم يكن لها أهداف محددة، لافتا لـ”جنوبية” إلى أنها “إنطلقت بحركة شعبية عفوية  وكانت حالة رفضية لممارسات السلطة وتماديها في ظلم الناس وبعد أن لاحظ الشعب اللبناني الضائقة الاقتصادية  تتصاعد و إستهتار السلطة في أداء واجباتها و التوجه إلى وضع ضرائب جديدة”، مشيرا إلى أنه “في هذه الظروف إنفجرت الثورة وكان من المجموعات التغييرية أن تواكب هذا الحراك وكان هناك مساران، مسار الحراك الشعبي العفوي ونزول الناس إلى الشارع للتعبيرعن رأيها بعد إنقطاع طويل، ومن جهة أخرى كان هناك المجموعات التغييرية التي تواكب هذا الحراك من خلال وضع خارطة طريق للمطالب والتغيير عبر الشعارات والدعوات للتحركات الميدانية”.

منيمنة: الحراك أخفق في الالتقاء بين الحراك الشعبي وبين المجموعات التغييرية  

يضيف:”هاذان المكونان كانا منفصلين تقريبا ومن هنا يمكن القول أن الحراك ككل أخفق في الالتقاء بين الحراك الشعبي وبين المجموعات التغييرية وهذا  الاخفاق الاكبر برأيي”، لافتا إلى “أننا لم نستطع بلورة خارطة طريق سياسية متفق عليها وتتوحد حولها الجهود ونستطيع من خلالها فرض واقع  على هذه السلطة و مطالبتها بمطالب محددة  توصل إلى تغيير حقيقي” .

ويرى أن “الانجاز الاهم هو أن ثورة 17 تشرين هي في خلقها للحظة تأسيسية، فاللمرة الاولى يشهد لبنان تحرك وطني عابر للطوائف والمناطق والفئات المجتمعية أظهر أن الشعب اللبناني بأغلبه إنتفض على هذه السلطة”، لافتا إلى أنه “كان هناك مطالب ولو لم تكن  واضحة ولكن كان هناك حالة رفضية لمنطق السلطة وقيمها التي تتناقض مع فكرة الدولة ، والناس نزلت ( كل من منطلقه ) رفضا لقيم هذه السلطة ولكن المشكلة هي أننا لم نستطع أن نوحّد و نبتكر أرضية مشتركة  لهذه الفئة التي إجتمعت رفضا لقيم السلطة و ممارستها للشأن العام” .

 ويعتبر أنه “لا نستطيع إقناع الناس بأن الثورة لا تزال حية وفاعلة لأن الثورة  هي حالة تعبيرية عن رغبة بالتغيير و حالة رفض لهذه المنظومة السياسية، وفقا لهذا التعريف والشكل الثورة إنتهت، ولكن تبقى روح الثورة المتأصلة في الشعب اللبناني والحالة الرفضية  والنقمة والرغبة بالتغيير لا تزال موجودة ضد هذه السلطة بسب فشلها وإرتهانها للخارج وإهانتها لعقول وحقوق اللبنانيين ولو أنه لا يتم التعبير عنها بالساحات”، مشددا على أنه ” من الواضح أن السلطة السياسية أخذت القرار بضرب أي تحرك في الشارع وقمعهم وأصبح الميدان ليس الملعب الرابح للثوار ويبقى علينا ان نجد ساحات إشتباك أخرى وجديدة مع هذه السلطة   للدفع باتجاه التغيير، الثورة لا تزال حية و السلطة لا تزال على أداءها و لم يتغير شيء”. 

ابراهيم منيمنة
منيمنة

 ويرى أن “الناس إنكفأت عن الذهاب إلى الميدان لأسباب عدة أهمها هو ضياع البوصلة السياسية في عدة مراحل من مراحل الثورة وعدم ظهور فعالية التحركات الميدانية للوصول إلى التغيير المطلوب ونزول الناس إلى الشارع لم يحرك ساكنا لدى قوى السلطة التي لا تزال مكملة في حالة الاستئثار والتعنت”، مشيرا إلى أن “هذه السلطة إستعملت أدوات عدة لفرط عقد المتظاهرين من خلال غارات شبيحة السلطة على المتظاهرين ومحاولة الاختراق ميدانيا وحرق الخيم وإستعمال القوى الامنية للعنف المفرط مع المتظاهرين وبث الخطاب الطائفي بهدف تنفيس هذا التحرك وإظهاره للشعب اللبناني بأنه غير فاعل وأعتقد أنها نجحت في هذا المكان “.

 يضيف:”إنطلاقا من القراءة والتقييم للخطوات السابقة، أي خطوات مقبلة يجب معالجة الثغرات التي وقعنا فيها خلال السنة الماضية و بالدرجة الاولى يجب أن يكون هناك خطاب سياسي واضح وفرز سياسي واضح وان يكون الناس متقبلين لهذا الخطاب السياسي ويتماهون معه”، موضحا أن “أحد المشاكل التي واجهناها في الثورة هي عدم الوضوح السياسي وبوصلة “كلن يعني كلن” على أهميتها وإلتفاف الناس حولها إلا أن قوى السلطة حاولت التلاعب فيها في كثير من الاحيان”، ويلفت إلى أن “هذه الحالة الرفضية التي تبنت الشعار يجب أن تتبلور إلى مشروع سياسي يخلق فرز حقيقي في الشارع ويخلق هوية جديدة للحالة التغييرية ويكون لديه مشروع سياسي واضح المعالم”، معتبرا أن “دور هذا المشروع و مطالبه وعناصره في رفع حالة الغبن التي يرزح تحتها الشعب اللبناني من قبل قوى السلطة و المطلوب هو بلورة خطاب سياسي واضح يستطيع ان يجمع كافة المكونات ولا يفرقها ضمن هوية واضحة وجامعة حتى يخلق حالة توازن مع قوى السلطة ويفرض مشروعه السياسي ومطالبه وتنفيذها”.

 ويرى أنه “بعد ذلك نستطيع الحديث عن إطار يجمع القوى التغييرية بشكل واضح ومنظم وتستطيع عندها هذه القوى ان يكون لها مشروعية تتكلم بصفة القائد لهذا الحراك المقبل،  ومنه يمكن القول أن الرصيد السياسي الذي ينتج عن أي إنتصار بعد الاشتباك مع السلطة يستطيع أن يجير لهذه القوى ويمكن حينها خلق حلة جديدة في البلد تكون المدخل ظهور اللاعب الجديد على الساحة السياسية الذي بدأ في 17 تشرين، و يستطيع فرض نفسه كلاعب سياسي ويفرض مطالبه وعندها سيكبر أمل الناس وستكثر الاعداد المشاركة وتتحول إلى حالة شعبية كبيرة جدا “.

ويختم:” هذه الخريطة للمرحلة المقبلة ولكن علينا الصبر في هذه المرحلة، لأن حالة اليأس الموجودة لدى الناس بعد إمعان السلطة في فسادها وإمتهان كراماتهم وبعد إنفجار بيروت الاجرامي، بأن هناك حالة إنكفاء وهذا أمر طبيعي ويجب أن نتقبله ولكن علينا العمل على الخطاب السياسي للمرحلة المقبلة حتى نستطيع خلق حالة سياسية قبلة يمكن أن تترجم في عدة محطات مقبلة في بلورة هذا اللاعب الجديد على الساحة السياسية”.

ناصر ياسين: على الثورة إقتلاع السلطة السياسية 

يتناول مدير الابحاث في معهد عصام فارس الدكتور ناصر ياسين المراحل التي مرت بها ثورة 17 تشرين من باب الانتقاد البناء، ويقول لـ”جنوبية” أن “من أهم نقاط التقصير التي سجلت على مجموعات ثورة 17 تشرين هو التوقف عند إستقالة الحكومة مرتين، الاولى بعد إستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري والثانية بعد إستقالة حكومة حسان دياب”، مشيرا إلى أنه دائما هناك من يأتي لتنفيس زخم هذه الثورة ويسجل للسلطة أنها ماهرة في هذا الامر ، ولذلك على الثورة أن تكمل لإقتلاع كل هذه المنظومة الموجودة  التي تتضامن  في ما بينها للصمود أكثر أمام تحركات الثورة، و لكن عدم حصول هذا الامر أدى إلى خفوت وهجها”. 

ياسين: مجموعات الثورة تفكر بالانتخابات وجودها لتشكيل جبهة معارضة 

 يضيف:” النقطة الثانية التي تسجل على الثورة هي عدم تطوير أدوات الاحتجاج  التي أستخدمتها، بداية كان إقفال الساحات وتنظيم التظاهرات وهذا أمر لا يمكن إستخدامه دائما لأنه قابل للإستيعاب من قبل السلطة إما عبر العنف او تنفيسه بشكل أو بآخر، وهذه الادوات لم تتطور مما أدى إلى فقدات تأثيرها ولذلك على قيادات الثورة التفكير بأدوات جديدة و جاذبة للجمهور اللبناني”، لافتا إلى أن النقطة الثالثة هي عدم إكمال معركة تحرير القضاء من الفساد حتى النهاية وهذه أهم نقطة لأن تحرير القضاء من سطوة السلطة السياسية يعني الطريق الموصل إلى التحقيق الجنائي بالاموال المنهوبة والقضاء على الفساد والتحقيق بإنفجار المرفأ”.

في المقابل يعدد ياسين النقاط الايجابية التي سجلتها الثورة وهي برأيه أن”مجموعات الحراك وصلت إلى حالة نضوج جيدة مما سمح لها بتشكيل إئتلافات بين بعضها البعض وباتت تفكر بخطابها وطريقة تأثيرها على الرأي العام وتغذيته أكثر بأفكارها”، مشيرا إلى أن “نقطة ثانية إيجابية هي أن بعض هذه المجموعات تفكر بالانتخابات النيابية  وأهمية خوضها مع الانتخابات البلدية والنقابية وبات لها حضورها في النقابات لتشكيل جبهة معارضة في المؤسسات الرسمية للمحافظة على هيكلية الدولة والمؤسسات بعد خروج هذه الطبقة الفاسدة”.

ويختم:”المجموعات الثورة باتت تتعاطى مع القوى الدولية هو جزء من النضوج  والوضوح في الرؤيا، للتعبير عن رأيهم بشفافية ووضوح بعيدا عن التحالفات التي تقوم بها  قوى السلطة لصالح هذه الدولة أو تلك و هذه نقطة إيجابية تحسب للثورة” .

ناصر ياسين
ياسين

جوليان كورسون :لائحة جديدة للأولويات 

يرى المدير التنفيذي في جمعية “لافساد” جوليان كورسون لـ”جنوبية” أن “القيمة المضافة لثورة 17 تشرين أنها وضعت ملف مكافحة الفساد والمحاسبة على طاولة البحث وبات هذا المطلب مطلبا عاما لكافة الشعب اللبناني ومن أولوياته سواء على الصعيد السياسي أو المطلبي و هذا أمر جيد ومثمر لأنه أتى ليتوج سنوات من النضال لكثير من الاطراف و المنظمات التي كانت تعمل لتحقيق مكافحة الفساد”. 

 يضيف:”التحدي امام الثورة هو وضع لائحة من الاولويات، الفساد ليس نتيجة كارثة طبيعية بل نتيجة أعمال بشرية ومنظومة عمرها سنوات، ولذلك علينا وضع أولويات لمكافحة الفساد ولنحاسب المرتكبين”، مشيرا إلى أنه ” من الصعب جدا وحسب التجارب الدولية الانتقال بشكل سريع من بيئة تستشري فيها الفساد إلى بيئة شبه سليمة، لأن منظومة الفساد معقدة  ومن هنا أهمية وضع أوليات لمكافحة الفساد، بالاضافة إلى المحاسبة والعمل السياسي الذي تقوم به الثورة  لأن هذا الامر  يسهل مكافحة الفساد ويمنحها طابع عملي أكثر”.

كورسون: المحاسبة والعمل السياسي للثورة يسهل مكافحة الفساد 

 ويشدد على أن “الفساد ليس نتيجة منظومة محلية بل يرتبط أيضا بتشابك دولي وبالتالي مكافحة الفساد مسار معقد وتراكمي ويستغرق وقتا ولا خيار أمام الشعب اللبناني إلا أن يكمل بهذا المسار ويجب العمل أيضا على المحاسبة وما نراه اليوم هو فقط محاسبة معنوية “، لافتا إلى أن “عملية المحاسبة تتم عبر الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية والطلابية، ولذلك يجب أن يكون الضغط بإجراء الانتخابات النيابية بموعدها وان تكون نزيهة و ديمقراطية و هذا أمر مهم لأنها يمكن أن تكون إطار عملي للمساهمة في ترسيخ ثقافة المحاسبة “.

ويعتبرأن “الثورة باتت تتمتع بمشروعية شعبية بشكل أو بآخر، صحيح أن ليس كل الشعب اللبناني مع الثورة و لكنهم جميعا مع مطالب الثورة و لذلك فهي تحتاج إلى مشروعية سياسية  تكتسبها عبر الانتخابات” .

 ويختم:”الوضع الاقتصادي والمالي صعب جدا ولذلك لا يجب أن نفترض أن المسار السياسي للقوى السياسية قارب على الانتهاء فهذا ليس صحيحا، وعلى الثورة تقييم أداءها في الفترة السابقة وأن تستخلص العبر وتطوير أداءها في المرحلة المقبلة والمحافظة على الروحية النضالية لأننا لا نملك أي خيار آخر، وعلى الصعيد العملي علينا التركيز ليس فقط على إسترداد الاموال المنهوبة بل العمل ايضا على مقاربة وقائية لمتابعة ما قضايا الفساد الداخلية”.

جوليان كورسون
كورسون
السابق
مُطاردة المهربين تابع.. الجيش يُحبط تهريب كمية كبير من البنزين!
التالي
أفضل طريقة للإستيقاظ بسهولة دون منبه!