ماذا لو طُرح التفاوض مع إسرائيل من خارج الجبهة المُمانعة!

هل ينجح ترسيم الحدود البحرية ؟
كان من الطبيعي صدور المواقف والتعليقات الشامتة والساخرة تجاه الممانعين، بعد إعلان الرئيس نبيه بري عن موعد بدء المفاوضات بين لبنان وإسرائيل. فلو صدر هذا الكلام عن أي فرد من الضفة الأخرى ،فإن ردات فعل أبواق الممانعة كانت بتوجيه تهم الخيانة وكيل السباب لمن تجرأ على هذه الجريمة. كلام الرئيس بري والذي بدون أدنى شك حظي بموافقة حلفائه وضع حدا (لتهويشات )وفجور اقلام محاكم التفتيش فخرست عن الكلام المباح.

إلا أن الشماتة المشروعة ليست موقفا  انما المطلوب هو موقف من مبدأ المفاوضات حول الخط الفاصل بين لبنان وإسرائيل. واقول إسرائيل وليس فلسطين المحتلة، لكانت المفاوضات مع فلسطين المحتلة لتوجب أن تكون المفاوضات مع وفد فلسطيني وليس إسرائيلي.

اذا اللعب على الكلام سواء بذكر كلمة العدو الإسرائيلي أو فلسطين المحتلة لا تقدم ولا تؤخر، الا انها تموه الفعل وهو المفاوضات مع عدو كنا نرفض أي  مفاوضات مباشرة معه. وهذا التمويه ما زال مستمرا  وبسخافة عبر القول أننا نرفض التحيات مع العدو وكأننا بذلك نحقق نصرا يعوض حقيقة أننا نجلس مع عدونا على ذات الطاولة في أسوأ مناخ ممكن لبنانيا وعربيا، وأننا نقدم خدمة مجانية للرئيس الأميركي على أبواب الانتخابات الاميركية.المفاوضات بين الاعداء، سواءا كانت مباشرة أو غير مباشرة هي إجراء طبيعي، وخاصة بعدما جردتنا  طبقتنا السياسية الفاسدة من أي إمكانية للمناورة، وبات الموضوع الفعلي هو حول مدى تمسك هذه السلطة بحقوق لبنان السيادية في البحر كما في البر.

غالبا ما حمل لبنان أكثر من طاقته نتيجة لتأثير هذا الانحياز على علاقاته الخارجية كما على وحدته الداخلية

وسنكون أمام خطرين اثنين متناقضين. خطر التفريط بالحقوق اللبنانية تجنبا لعقوبات تطال المصالح الخاصة لارباب  النظام أو مقومات استمرار النظام بحد ذاته، وخطر التصلب غير المشروع لاعاقة  أي حل، بهدف الاستمرار في استخدام لبنان كساحة ضغط في لعبة الصراع الإقليمي.وهذا يفتح النقاش على موضوع أشد حساسية، وهو مطلب حياد لبنان. إن تجارب لبنان في الانحياز لم تكن يوما مشجعة سواء اكان هذا الانحياز إقليميا أو دوليا. وغالبا ما حمل لبنان أكثر من طاقته نتيجة لتأثير هذا الانحياز على علاقاته الخارجية كما على وحدته الداخلية.

ولذلك فإن من مصلحة لبنان الحياد وسط الصراعات الإقليمية والعربية المتداخلة.   إلا أن هذا الحياد يجب أن لا يتضمن الحياد تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. فلا يمكن تصور حياد لبنان في الصراع حول حقوق الشعب الفلسطيني، أو حق سوريا بالجولان. نحن منحازون لحقوقنا العربية وبكل وضوح. إلا أن الانحياز المبدئي شيء واستخدام لبنان كساحة صراع عسكري لمشاريع إقليمية شيء آخر. التخلص من قبضة الممانعة وأهدافها لا يكون بالحياد، وإنما ببناء الدولة بكامل أجهزتها، وهذه الدولة هي التي تحدد التزاماتها ومصالحها.

الاستمرار في استخدام لبنان كساحة وربطه بملفات إقليمية يشجع قوى لبنانية أخرى لطلب الحياد

وعلاقتنا بالعدو الصهيوني هي الهدنة وليست الحرب ولا السلم. والسلم مع العدو الصهيوني أكثر كلفة من الحرب.الحياد عدا عن كونه أحد اوجه التخلي عن الحقوق الفلسطينية له مترتباته القانونية والإعلامية والعملية المكلفة على مستقبل لبنان. 

أن الاستمرار في استخدام لبنان كساحة وربطه بملفات إقليمية يشجع قوى لبنانية أخرى لطلب الحياد. كما أن إحكام القبضة لفئة على السلطة اللبنانية واستخدام هذه السلطة بطريقة فجة  وفوقية بقوة القوة سيعزز مطالب الانقسام واللامركزية. فلكل فعل ردة فعل تتناسب مع حجم الفعل ويخطيء من لا يفهم هذه المعادلة أو يتأخر في استيعابها والعمل بموجبها.

السابق
نصر الله يظلم الشيعة و«يتباكى» على مظلومية الحسين!
التالي
وزيرة الدفاع عن «ترسيم الحدود»: هناك معطيات ستساعدنا على تبيان حقوقنا