بطاقة «الدعم»..لا إحصاءات ولا من يستفيدون!

بطاقة دعم غذائية
حين يبدأ الحديث في ساحات إحدى القرى الجنوبية عما ستحمله بطاقة الدعم للمواد الاساسية الموعودة إلى اللبنانيين،لا يتوانى الحاج جميل غصين عن وصفها بلهجته القروية بأنها ستكون "كمن يذهب إلى البحر لصيد السمك بقضيب "الدبق" فلا البطون ستشبع ولا الأسعار ستتوقف عن الارتفاع، بل ستزيد الصراعات بين أزلام الاحزاب والقوى السياسية لنهش أكبر عدد منها وتبقى "العترة" على بطن الفقير التي ستبقى خاوية إلا من قرقعة الجوع".

كلام الحاج جميل لا يأتي من فراغ أو بهدف التجني على الاحزاب والقوى السياسية، بل بات لسان حال معظم اللبنانيين منذ أن أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ نحو أسبوعين أن “المصرف يعمل على أن تكون هناك بطاقة لكلّ لبناني للشراء بقيمة 1515 للدولار بهدف دعم المواطن، وقد تم الطلب من وزارة الطاقة تحديد حاجات البلد من فيول وغيره وعلى أيّ شركات يجب أن توزّع من أجل تلبية حاجات المواطن إلى أن تصبح هناك خطة واضحة”.

لكن ما خبره اللبنانيون في هذا المجال بات أكبر برهان على حق اللبنانيين من “التوجس من وصول البطاقة لغير مستحقيها”، والامثلة كثيرة فمن لا يذكر إيقاف الجيش للمساعدات التي أقرتها حكومة الرئيس حسان دياب في بداية جائحة كورونا للمواطنين المحدودي الدخل، بسبب تضمن لوائح هذه المساعدات أسماء لأصحاب قصور وتجار مخدرات ومحازبي قوى سياسية وليس لمواطنين يعانون العوز والفقر، ما أدى إلى إيقافها لإعادة النظر فيها؟

وبالتالي ما هي الضمانات لعدم تكرار السيناريو نفسه طالما أن لا شيء تغير على صعيد مكافحة الفساد؟

غياب الإحصاءات والبيانات

هذا على أرض الواقع أما على الصعيد الاحصائي وآليات العمل لإيصال بطاقة الدعم إلى مستحقيها فهناك ثغرة لا يمكن تجاوزها بسهولة، بل يلزمها عمل دؤوب لشهور عدة من قبل فريق وزارة الشؤون الاجتماعية.

هذه الثغرة تتمثل في غياب الاحصاءات اللازمة التي تظهر عدد اللبنانيين الذين باتوا تحت خط الفقر بعد إندلاع الازمة السياسية والاقتصادية في 17 تشرين الاول 2019 ، خصوصا أن آخر دراسة لمنظمة الاسكوا في هذا الاطار تفيد بأن نحو نصف الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر ويحتاج إلى مساعدة، في حين أن الاحصاءات الموجودة في وزارة الشؤون تعود للعام 2017 .

لبنان ليس جاهزاً لبطاقات الدعم!

ويوافق المشرف العام على خطة لبنان للإستجابة للأزمة الدكتور عاصم أبي علي على أن “لبنان ليس جاهزا بعد للتعامل مع بطاقات الدعم لأسباب عدة يشرحها لـ”جنوبية” قائلاً: “وزارة الشؤون الإجتماعية لا تملك قاعدة البيانات التي يمكّن لمصرف لبنان والحاكم سلامة من أن يعملوا على أساسها لتوزيع الدعم المطلوب، ولم يتم التواصل معنا من أجل هذا الموضوع، لكن الوزارة تملك مشروعا لدعم الاسر الاكثر فقرا والذي يضم 132 ألف عائلة لكنه  يحتاج إلى تحديث و تدقيق، كون القوائم وضعت منذ عدة سنوات ويلزمها إعادة نظر”، لافتا إلى أن “وزارة الشؤون اليوم في صدد إجراء تحديث شامل لهذه القوائم وتوحيد لقاعدة البيانات الموجودة عند الاسر الاضعف والاكثر فقرا في لبنان، ويوم الاربعاء الماضي أجرينا إجتماعات مطولة مع الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي ومنظمة الغذاء العالمي للوصول إلى صيغة مشتركة، لتوحيد قاعدة البيانات للأسر المحتاجة والاسر الفقيرة في كل لبنان حتى نصل إلى قاعدة بيانات شاملة”. 

أبي علي لـ “جنوبية”: “الشؤون”  تحتاج لشهور لإنجاز الاحصاءات وإصدار بطاقة الدعم 

ويشدد أبي علي على أن”فريق عمل الوزارة يحتاج إلى شهور كي ينجز البيانات والاحصاءات اللازمة التي تمكّن من إصدار بطاقة دعم تعطى للاسر المحتاجة من أجل تخفيض الاسعار على المواد الاساسية بدعم من مصرف لبنان”، شارحا أن “هذه البيانات تحتاج إلى التثبت وزيارات ميدانية من قبل مندوبي الوزارة  وتعبئة إستمارات إجتماعية تعكس الواقع المعيشي بطريقة علمية ووفق معايير ثابتة وموحدة وأيضا إلكترونية من دون تدخل بشري”.

الدكتور عاصم أبي علي
الدكتور عاصم أبي علي

ويوضح أن “لدى وزارة الشؤون اليوم 15 ألف مستفيد من برنامج الاسر الاكثر فقرا ولدينا النية لأن يزداد الرقم إلى 55 ألف عائلة بالتعاون مع الجهات المانحة والشركاء وفي المستقبل يجب أن يصل الرقم إلى200 ألف مستفيد ضمن هذه البيانات المحددة والشاملة لكل اللبنانيين”.

إقرأ أيضاً: زجر أميركي وتحجيم فرنسي..باسيل يتلطى خلف عون حتى هدوء العاصفة!

ماذا عن المعلومات التي جمعتها البلديات لمساعدة الاسر المحتاجة في بداية إنتشار جائحة كورونا، هل يمكن الاستفادة منها؟

 يجيب أبي علي :”ما نملكه الآن هو المنصة الالكترونية التي تم تعبئتها من قبل البلديات لمنح اللبنانيين المحتاجين 400 ألف ليرة  ضمن برنامج “impact” ولدينا 467 ألف عائلة تعتمد على هذه المنصة الالكترونية، والذين تم جمع معلومات عنهم عبر البلديات والمخاتير والقائمقاميات وهذه البيانات سيتم أيضا العمل على التدقيق فيها وفقا للمعيار الذي سبق أن ذكرته والموحد أي الزيارات المنزلية للعمال الاجتماعيين والقيام بالفحص الاجتماعي الدقيق عبر تعبئة الاستمارة تعكس الواقع المعيشي، وتضم ما بين 45 و55 سؤال يجيب عليها المواطن وتدخل إلى نظام الكومبيوتر عبر score  معين ومن خلالها ينتج لائحة بالمستفيدين”.

يطمئن أبي علي إلى أن “وزارة الشؤون لديها 500 عامل إجتماعي يمكن أن يساهموا في هذا الموضوع إلى جانب إستعدادها للتعاون مع منظمات المجتمع المدني والدولي، بشرط أن تبقى المعايير والاستمارات موحدة ضمن آلية علمية ثابتة وشاملة وتنطبق على الجميع، ويدنا ممدودة للجميع”.

دور الجيش

الاستفادة من تجربة المنصة الالكترونية التي تم إعتمادها لتوزيع المساعدات للمواطنين بعد جائحة كورونا يقود للبحث عما إذا كان يمكن للجيش أن يشارك أيضا في الاشراف على هذه المساعدات كما فعل مع مساعدات “الكورونا”، وفي هذا الاطار يقول مصدرعسكري لـ”جنوبية” “قانونيا نحن في حالة طوارئ إستنادا إلى قرار مجلس الوزراء المبني على إقتراح المجلس الاعلى للدفاع وكلّف الجيش بحالة الطوارئ، عندها يحق للجيش التصرف وفقا لمقتضيات المصلحة العامة ومنها مثلا مصادرة آليات والممتلكات لإستعمالها في إنقاذ حياة المواطنين وتوقيف الاشخاص ووضع تحت أمرته بقية الاجهزة، ومن هذا الباب إعتبرت الحكومة اللبنانية أن كل المساعدات التي تأتي إلى لبنان  توضع تحت سيطرة الجيش أيضا”. 

ويلفت المصدر إلى أن “لا دخل للجيش ببطاقات الدعم الموعودة فالمشكلة في لبنان هي أن القانون وجهة نظر، والمطلوب تخفيف المهام الاجتماعية عن كاهل الجيش ليترك له المهام العسكرية وإن كان يحق  للحكومة إستعمال الجيش في الاعمال الانمائية وفقا لقانون الدفاع الاعلى،  لكن حين نكلفه بالأمور الانمائية عندها نعرض هيبة الجيش للخدش في الوقت أن وزارة الشؤون الاجتماعية موجودة وكذلك الهيئة العليا للإغاثة والسؤال هو لماذا تحييد قوى الامن الداخلي عن هذه المهمات وهي تضم (25 ألف عسكري)”.

 إيجابيات البطاقة مقابل هذه الثغرات

هناك إيجابيات لإطلاق البطاقة يعددها الخبراء الاقتصاديون إنطلاقا من أن الاستمرار بسياسة الدعم الحالية أي دعم السلع الأساسية يعني أن مصرف لبنان لن يتمكّن من تغطية الدعم لأكثر من شهرين بسبب الوصول الى الحد الذي يمس بودائع اللبنانيين (17 مليار دولار) وبالتالي سنصل الى مكان صعب جداً هو الافلاس، وبالتالي فتعديل آلية الدعم هدفها إطالة أمد برنامج الدعم لأكثر فترة ممكنة “. ويلفت الخبراء إلى أن دعم السلع شمل طيلة الفترة الماضية الأجانب في لبنان، والدولة اللبنانية اليوم لم تعد تملك القدرة على دعمهم وعلى المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤولياته في هذا السياق، كما أنه بموجب مبدأ البطاقات يصبح المواطن هو المستفيد الأول من الدعم لا التاجر كما يحصل اليوم.

السابق
زجر أميركي وتحجيم فرنسي..باسيل يتلطى خلف عون حتى هدوء العاصفة!
التالي
أبو العبد الغزاوي في بيروت..التطبيع يغلب التطبع!