«المحاصصة» تطل برأسها على شكل الحكومة العتيدة.. فهل يقبل بها المجتمع المدني؟

الحكومة اللبنانية

لم تصل فرحة المتفائلين بسرعة إنجاز الرئيس المكلف مصطفى أديب لتشكيلته الحكومية إلى “قرعتهم” بعدما سمعوا القوى السياسية تتبارى في مما بينها (خلال الاستشارات النيابية غير الملزمة) وتطلق الوعود بأنها ستسهل على الرئيس أديب مهمته،حتى فاحت رائحة المحاصصة والمطالب التي ستضعها القوى السياسية ضمن مكونات الطبخة الحكومية التي يشمّر الرئيس المكلف عن ساعديه لتحضيرها وإنضاجها على نار سريعة تلبية لمطالب المجتمع الدولي.

اقرا أيضاً: الثورة لا تثق لا بحكومة أديب 1 أو دياب 2!


فالملاحظة الخاطفة و”المقصودة” لعضو كتلة التنمية والتحرير النائب أيوب حميد يوم الاستشارات في عين التينة، بأن “الطائفة الشيعية حريصة على ضمان توقيع وزير المال الشيعي إلى جانب توقيعي رئيسي الجمهورية المسيحي والحكومة السني” لم تأت صدفة، بل تطبيقا لأحد الأمثال التي يبرع رئيس مجلس النواب نبيه بري في إطلاقها وهي “عم بحكيكي يا جارة لتسمعي يا كنة”، فالثنائي الشيعي الذي أبدى كل تعاون وإنفتاح أمام رئيس الحكومة المكلف، سرعان ما بعث رسالة في اليوم نفسه وعبر الاعلام بأنه لن يتخلى عن حصته في وزارة المال ما يفتح الباب لباقي الطوائف والقوى للمطالبة بحصصها أيضا، وهذا يعني أيضا أن طبخة الرئيس الحكومة مرشحة للإحتراق بنار صراعات القوى السياسية على الوزرات والمكاسب وأن كان الراعي الفرنسي والمجتمع الدولي يضع ثقله وضغطه السياسي لإخراجها إلى النور سالمة.


صحيح أن الرئيس أديب أعلن من بعبدا اليوم أن “قناعته هي تشكيل فريق عمل متجانس وحكومة أخصائيين تسعى للعمل بسرعة من أجل وضع الاصلاحات موضع التنفيذ”، إلا أن هذه القناعة لا تعني أن القوى السياسية لن تحاول الحفاظ على مكتسبات رسختها على مدى ثلاثين عاما، أو أن المجتمع المدني (بمعظمه) سينكفئ من الشارع و يفتح ذراعيه للمشاركة في التركيبة الحكومية. ما يجري اليوم في الموضوع الحكومي هو مشهد سوريالي يحاول الرئيس أديب رسمه بألوان الرعاية الفرنسية والدولية على قماش منسوج من القوى السياسية اللبنانية ومزين بإطار مشاركة المجتمع المدني لتكون النتيجة التي يريدها الفرنسيون “حكومة جامعة لكل الطيف اللبناني” فهل يقبل المجتمع المدني بأن يكون مجرد “برواز” يحمل الصورة التي تريدها الوصاية الدولية الجديدة و يرحب بها السياسيون اللبنانيون؟

آمال الشريف
آمال الشريف


قراءة ما بين سطور التسوية

إلى الآن يبدو أن المجتمع المدني يبرع في قراءة ما بين سطور هذه التسوية الحكومية ومداها الطائفي والسياسي، ولذلك فهو يعلن أنه لن يكون شريكا فيها أو جزءا منها حتى لو رفع الرئيس أديب شعار “حكومة الاختصاصيين”، إذ تلفت الناشطة الحقوقية في مجال الاعاقة آمال شريف لـ”جنوبية” أنها “كمراقبة وكمرشحة سابقة للإنتخابات البلدية لمدينة بيروت، لا أعتقد أن الطبقة السياسية ستعمد إلى إحداث فرق في الوضع اللبناني المأزوم، وبالتالي لا أشجع المجتمع المدني أن يكون متعاونا مع هذه الطبقة”، معتبرة أن”أي مبادرة في الانخراط في الوقت الحاضر مع الحكومة التي ستتشكل سيكون بابا لتحميلنا المسؤولية على أداء وإخفاقات لا يد لنا فيها، وبالتالي الانقاذ يكون بتنحي كل هذه الطبقة عن الحكم والسماح لآخرين بمحاولة الانقاذ وحدهم”.

شريف لـ«جنوبية»: بوجود هذا العهد لا أعتقد أنه من الممكن تشكيل حكومة مستقلة.


تشدد شريف على أن “إعطاء المجتمع المدني حصة في الحكومة لمحاولة إرضائنا وإدخالنا ضمن نظام المحاصصة ليس مفيدا، والطبقة السياسية ماهرة في إعادة إنتاج نفسها من خلال إدخال شركاء لها في الحكم ليتمكنوا من الاستمرار”، معتبرة أن “الانخراط مع هذه الطبقة حاليا يكون مشاركا في في المحاصصة، أما إذا كانت حكومة مستقلين تماما عندها لا مانع من مشاركة المجتمع المدني فيها، ولكني صراحة بوجود هذا العهد لا أعتقد أنه من الممكن تشكيل حكومة مستقلة”.

المحامي واصف الحركة
المحامي واصف الحركة

حكومة أقنعة

يوافق الناشط في حركة “بدنا نحاسب” واصف الحركة على توصيف شريف، ويقول لـ”جنوبية”:”هذه الحكومة لا تحمل أي جديد بل هي محاولة من السلطة السياسية (بضغط خارجي) لتأليف حكومة أقنعة تمديدا لعمر للصفقة. فهذه الحكومة منبثقة من نفس العقلية التي إنبثقت عنها حكومة حسان دياب والجديد فيها أنها أتت بضغط خارجي ولا يمكن للفئة التي خربت البلد أن تكون أداة حتى لإصلاح وليس تغيير”، مشددا على أن “البلد يحتاج إلى تغيير في العقلية الحاكمة وبالنسبة لنا كل ما هو بعد 17 تشرين ولا ينتج عن المشروعية الشعبية التي أعلنتها لسنا معها ولا نؤيدها، فما نوافق عليه هو حكومة من خارج المنظومة الطائفية وغير متورطة بالفساد وتقوم ب 3 ادوار هي الانقاذ الاقتصادي وإسترداد الاموال المنهوبة وقانون إنتخابي مع صلاحيات تشريعية محددة وغير ذلك لن يحصل تغيير”.

الحركة لـ«جنوبية»:لا يمكن للفئة التي خربت البلد أن تكون أداة حتى لإصلاح وليس تغيير  

ويختم:”لن نشارك في أي حكومة ومشاركتنا هو خيانة لهذه القناعات وسنكمل في الشارع لأنها هي المواجهة الوحيدة المتاحة مع هذه السلطة، التي ترضخ للإملاءات الخارجية ولا تسمع صوت الشعب”.

تنازل السلطة

يشرح عضو هيئة التنسيق النقابية محمد قاسم لـ”جنوبية “محمد قاسم وجهة نظر المجتمع المدني الرافض للإنخراط في أي تسوية مع السلطة الحالية ، فيقول:”الدور الفرنسي المستجد والمحاولة للملمة الوضع الخاص بفرنسا أولا والدخول على الازمة اللبنانية من باب الصراع الفرنسي التركي على مواقع النفوذ في المنطقة، فرض على فرنسا التدخل وكأننا عدنا إلى شكل من أشكال الانتداب والوصاية السياسية التي نأمل أن تخرج البلاد إذا إستطاعت من الازمة الاقتصادية السياسية المالية”، مشددا على أن “رهاننا غير كبير ولكن نأمل من السلطة السياسية التنازل عن بعض مكتسابتها التي تناتشها في ما بينها ولا تغرق في توزيع المغانم او التمسك ببعض الحقائب”.

قاسم لـ«جنوبية»: ثورة تشرين لم تنته وأسست لمرحلة تغيير شكل المنظومة السياسية 


يضيف:”الازمة الاساسية هي كيفية إنقاذ الوضع النقدي من براثن حاكم مصرف لبنان والمصارف اللبنانية والتي أغرقت البلاد ب100 مليار دولار، وليس هناك من سبيل في المرحلة الحالية إلا أن تضع الدولة اللبنانية يدها على هذه الازمة وتعيد الاموال إلى لبنان و إجتراح قانون إنتخابي يمكّن من الوصول إلى تمثيل فعلي وحقيقي للشعب اللبناني وأن تؤسس لبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تساوي بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات، وحل الازمات المستعصية في الكهرباء أو الخدمات وتداعيات إنفجار 4 آب”.


يرفض قاسم بشكل قاطع مشاركة المجتمع المدني في الحكومة المقبلة ويقول:”بأي وجه يمكن أن نواجه الشعب اللبناني في ظل كل هذه الازمات والموبقات التي إرتكبتها السلطة وعلى مدى سنوات، عليها هي ببساطة إجتراح الحلول وسنضغط عليها حتى تفعل ذلك او أن تعتكف إلى أن تتشكل سلطة سياسية قادرة على المعالجة و إلى الان لا مؤشر إيجابي لذلك”.

ويختم: “ثورة 17 تشرين لم تنتهي، صحيح انها لم تنتج قيادة موحدة لها لكنها أسست للمرحلة القادمة وستتمكن من أن تغير شكل المنظومة السياسية وتتخلص منها ولو بعد حين، لأننا ما نريده هو بناء دولة مدنية والسلطة لا تستطيع ذلك والدليل أنها اوصلتنا إلى الازمات التي نعيشها”.

السابق
حالتا وفاة بـ «كورونا» في لبنان.. ماذا عن عدد الاصابات اليوم؟
التالي
بالفيديو: رعب في بعلبك.. اشتباكات عنيفة بالرشاشات والقذائف الصاروخية بين آل زعيتر وآل جعفر!