الخدمة الوحيدة لحسّان دياب

رئيس الحكومة حسان دياب
مؤسف أن حسان دياب الذي لم تقدم حكومته على أي خطوة من أيّ نوع لا في سياق الإصلاح ولا في سياق الخروج من الأزمة الاقتصادية يحاول تغطية عجزه عن طريق ملاحظات عامة.

بوجود حكومة “حزب الله” برئاسة حسّان دياب، يبدو أكثر من طبيعي وصول لبنان إلى الكارثة التي غرق فيها في ظلّ رئيس للجمهورية وصل إلى قصر بعبدا بصفة كونه مرشّح “حزب الله” ولا شيء آخر غير ذلك.

تبدو مشكلة رئيس مجلس الوزراء في لبنان في غاية البساطة. يعتقد نفسه ذكيّا وأن كلامه يمرّ على اللبنانيين، بما في ذلك أن حكومته ليست “حكومة حزب الله”. لو لم يكن الأمر كذلك، هل كان عليه التحدّث عن حوار وطني في شأن “حياد” لبنان، مباشرة بعد لقائه البطريرك الماروني بشّارة الراعي؟ من يدعو إلى حوار وطني في ما يخصّ “الحياد” لا يعرف أن لبنان قام على فكرة “الحياد” ودخل جامعة الدول العربية من منطلق “الحياد” مع ما يعنيه من رفض للدخول في أيّ محاور. الأكيد أن لبنان ليس محايدا في الموضوع المتعلّق بإسرائيل. إنّه بكل بساطة ملتزم الإجماع العربي في هذا المجال. وعندما قاطع العرب، بأكثريتهم مصر بسبب توقيعها اتفاق سلام مع إسرائيل، قاطع مصر معهم. وعندما عاد العرب إلى مصر، عاد معهم.

اقرأ أيضاً: «حزب الله» صادر «المقاومة» وحولها «إرهابا»

حدث ذلك بعدما وُجد من يتاجر بلبنان واللبنانيين طويلا ومن يحصر الصراع العسكري مع إسرائيل في مرحلة ما بعد حرب 1967 بجبهة اسمها جنوب لبنان. استخدم الفلسطينيون هذه الجبهة طويلا وما لبث أن استخدمها النظام السوري بالتفاهم مع إيران، بعد العام 1982… وصولا إلى الوضع الراهن الذي أصبح فيه كلّ لبنان تحت الوصاية الإيرانية. هذا حصل على مراحل ابتداء من العام 2005 عندما اضطر الجيش السوري إلى الخروج من لبنان. توجت السيطرة الإيرانية على لبنان بالوصول إلى ميزان محدّد للقوى داخليا. بموجب هذا الميزان الجديد للقوى، صار “حزب الله” يقرّر بسلاحه، وليس بأيّ شيء آخر، من هو رئيس الجمهورية المسيحي ومن هو رئيس مجلس الوزراء السنّي. هذا ما يفسّر كلام حسّان دياب من المقرّ الصيفي للبطريرك في الديمان عن أنه لن يستقيل لأنّ لا بديل منه. نعم، لا بديل منه لأنّ “حزب الله” لا يريده أن يستقيل. كلّ ما تبقّى تفاصيل وإضاعة للوقت. الكلّ في لبنان وخارج لبنان يعرف ذلك، بما في ذلك “حزب الله” نفسه. وحده حسّان دياب يرفض الاعتراف بهذه الحقيقة علما أنّه يعرفها قبل غيره…

لو كان حسّان دياب شخصية مستقلّة، لكان “الحياد” اللبناني بالنسبة إليه أمرا طبيعيا ومنطقيا. لا يحتاج “الحياد” إلى أيّ حوار وطني من أيّ نوع. لو كان حسّان دياب مستقلّا ويمتلك حرية قراره لكان تساءل لماذا لا يحتاج تدخّل “حزب الله” في سوريا إلى حوار وطني. هل من مسؤول عاقل في لبنان لا يستوعب كلفة مشاركة “حزب الله” في الحرب التي يشنّها نظام أقلّوي على شعبه منذ ما يزيد على تسع سنوات؟ هل من مسؤول يمتلك حدّا أدنى من المنطق لا يدرك أنّ “حزب الله” موضوع انقسام عميق في لبنان وأن لا إجماع على سلاحه غير الشرعي الذي ليس سوى تعبير عن رغبة أطراف إقليمية في بقاء لبنان محكوما من الدويلة التي أقامتها إيران فيه؟

قليل من التواضع ضروري. يعني التواضع التوقف عند رسالة بعث بها الرئيس عبدالفتّاح السيسي إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ونقلها السفير المصري في بيروت ياسر علوي. ما جاء في الرسالة، استنادا إلى مصدر أكيد، أن السيسي الذي كان يردّ على رسالة للرئيس اللبناني بعث بها إليه في أيّار – مايو الماضي توقّف عند ثلاث نقاط: على لبنان القيام بإصلاحات أوّلا، عليه اللجوء إلى صندوق النقد الدولي ثانيا، عليه الابتعاد عن التجاذبات الإقليمية ثالثا. خلاصة الرسالة أن على لبنان الدفاع عن مصالحه بدل الانغماس في “تجاذبات” تشهدها المنطقة والعالم، وهي “تجاذبات” لا يستطيع التأثير فيها، إلّا من زاوية الدور العسكري الذي يستطيع “حزب الله” لعبه كأداة إيرانية في سوريا وغير سوريا، على سبيل المثال وليس الحصر.

يُفترض في لبنان، باختصار، الابتعاد عن كلّ ما من شأنه سدّ كلّ المنافذ التي يمكن أن تخرجه من أزمته الاقتصادية المستعصية.

مؤسف أن حسان دياب، الذي لم تقدم حكومته على أي خطوة من أيّ نوع لا في سياق الإصلاح ولا في سياق الخروج من الأزمة الاقتصادية، يحاول تغطية عجزه عن طريق ملاحظات عامة على كلام البطريرك الماروني عن “الحياد”. إذا كان من انتقاد يوجّه إلى الراعي، فهذا الانتقاد عائد إلى أنّه تأخر كثيرا في إثارة موضوع “الحياد” وموضوع آخر في غاية الأهمّية هو “فك أسر” الشرعية اللبنانية، أي مؤسسات الدولة التي بات “حزب الله” يهيمن عليها. الأكيد أنّ البطريرك الراعي ليس البطريرك صفير الذي أخذ مواقف مبدئية باكرا ورفض الدخول في أي نوع من المساومات في ما يخص الثوابت اللبنانية.

من دون “الحياد” لا مستقبل للبنان الذي يجد نفسه حاليا في مهبّ الريح. من دون “الحياد” لن يوجد من يقبل مساعدة لبنان. شطّب العرب على لبنان وشطّب عليه الأميركيون. أمّا أوروبا فهي في وضع لا تحسد عليه من الناحية الاقتصادية، فيما لا يمكن التعويل على الصين لأسباب بديهية، على الرغم من العلاقة العميقة التي تربطها بإيران. أين مصلحة الشركات الصينية في الاستثمار في لبنان، بعدما صار بلدا مفلسا لا يزوره أي عربي أو أجنبي؟ يمكن أن تأتي الاستثمارات الصينية يوما، لكن للصين شروطها وهي ليست جمعية خيرية بأيّ شكل. هذا معروف عالميا.

استقل يا حسّان دياب. استقل لأن الاستقالة هي الخدمة الوحيدة التي تستطيع إسداءها إلى لبنان. في النهاية ليس أمامك غير الاستقالة، هذا إذا كنت تعتقد فعلا أن الكلام عن أن حكومتك هي “حكومة حزب الله” ليس صحيحا و”أسطوانة مكسورة” كما قلت بعد لقاء البطريرك الماروني. وحدها الاستقالة يمكن أن توفّر دليلا حاسما على أنك مستقلّ وأن حكومتك ليست “حكومة حزب الله”. الأهم من ذلك كلّه، أن الاستقالة ستعني أنّ على اللبنانيين تحمّل بالفعل مسؤولياتهم والبحث عن كيفية الوصول إلى “الحياد” قبل أيّ شيء آخر.

السابق
الأزمة تُجبر «حلويات الديماسي» على وداع النبطية: أقفلنا فقط بحرب تموز.. ولكن!
التالي
قرار قضائي بحق سلامة.. القاء الحجز الاحتياطي على ممتلكاته وموجودات منزله!