«حزب الله» يزرع «ريح» الفساد ولا يحصد إلا «عاصفة» الخراب!

الحصاد

لعل أكثر ما يؤلم في هذا الوضع الذي نعيشه عدا عن الذل أمام المصارف والأفران ومحطات الوقود والمستشفيات والمدارس والأسواق على أنواعها ، هو هذا الإستهتار بآلام الناس والإستخفاف بعقولها الذي يتجلى يوما بعد يوم في خطابات وتصريحات أركان السلطة والحكم في لبنان في طرحهم للحلول  لهذه الأزمة أو قل الكارثة التي نحياها . مرة أخرى يثبت هؤلاء ” القادة ” فشلهم وقصر نظرهم – هذا إذا إفترضنا حسن النية في أداءهم – هم الذين أوصلوا الوضع إلى ما وصل إليه بسبب رعونتهم وعنجهيتهم وشبقهم للسلطة والمال والجاه الشخصي على حساب الوطن والناس وبالتالي يصح فيهم القول أن فاقد الشيء لا يعطيه وأن إنتظار الحلول منهم هو ضرب من الخيال إن لم نقل من السذاجة أو الجنون.

اقرأ أيضاً: نصرالله.. صناعة وزراعة على مين!

عصر المعلوماتية

ونحن اليوم في بداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرون، حيث العالم يعيش عصر المعلوماتية والتخطيط المسبق والوقائي لسنوات عدة قادمة ، يطلع علينا جهابذة القيادة والزعامة والسياسة في لبنان كل من موقعه إلا من رحم ربي – للإنصاف – ليلقوا علينا محاضرات عن الصمود وعن كيفية مواجهة الأزمة وبدل أن يطرحوا حلولا علمية وعملية كما كل خلق الله ، راحوا يرشقوننا بوابل من الجهل والإستخفاف بعقول الناس والإستهتار الذي يصل حد “الإستحمار” – ولن أعتذر عن التعبير – وإلا كيف نفسر طرحهم لحلول من قبيل العمل في المنازل ومحطات الوقود من طرف إحداهن بداية – وهنا لا نتحدث عن العمل كقيمة بل كحل للأزمة – وآخر يدعونا لتربية الفري للحصول على بيضة يوميا وثالث لزراعة أسطح المنازل والبرندات ورابع لشرب العرق بدل الويسكي وخامس وسادس يحدثوننا برومانسية كاذبة مخادعة عن العودة للجذور وزرع الأرض وغيرها من الحلول الخنفشارية التي تفضح نظرتهم للمواطن اللبناني وهدفهم في تحويله لمجرد إنسان همه أن يعيش ليأكل فقط بينما اللبناني كفرد والذي أينما حل ينجز وينجح ويبدع يريد أن يأكل ليعيش ويتعلم ويتطبب ويحقق آماله في الرقي والتقدم أسوة ببقية شعوب الأرض.

العمل اليدوي

لا نريد ولا من أخلاقنا أن نقلل من قيمة أي عمل يدويا كان أم صناعي أم زراعي فالعمل في نظرتنا يسمو لدرجة العبادة ولكن المقصود هو تناول موضوع أزمة بلد وشعب بهذه الخفة واللجوء إلى الشعبوية في الطرح بدل الذهاب إلى الحلول العلمية التي إعتمدتها وتعتمدها كل شعوب الأرض التي مرت وتمر بمثل ظروف بلدنا خاصة وأن العلة معروفة في لبنان وليست بحاجة لمنجم مغربي كي يكتشفها، فالكبير والصغير في لبنان يعرف أن سبب الأزمة في لبنان هو الفساد ثم الفساد ثم الفساد بدءاً بالفساد السياسي المتمثل بالنظام الطائفي خاصة وأن القيمين على تنفيذه هم مجموعة من “مجرمي الحرب” الطائفيين الذين إستبدلوا ثياب الميدان بثياب مدنية وإستبدلوا الخوات بالمحاصصة في الوظائف وفي عائدات الدولة ما أدى إلى فساد إداري فإقتصادي فمالي كُلٌ وبالتكافل والتضامن مع بعضهم البعض تحت ذريعة مصالح الطائفة وأبناء الطائفة عبر تخويفهم من الآخر ومنهم من تخطى الحدود إلى بلدان أخرى بحجة رد العدوان والإرهاب، كل هذه الأسباب مجتمعة أوصلت الوضع إلى الإنهيار عن سابق تصور وتصميم وما الحلول التي يطرحونها اليوم إلا دليل على تقصدهم الإيقاع بلبنان وشعبه وليس نتيجة خطأ بالحسابات السياسية أو الإقتصادية، وهم ليسوا بجهلة وإلا نكون كمن نعطيهم صك براءة فهم أكثر الناس معرفة بالحلول المطلوبة والتي لا يختلف عليها عاقلان إذا ما إعتمدا الشفافية والواقعية العلمية البعيدة عن المصالح السياسية والشخصية والطموحات الحزبية والطائفية . يبقى كلمة عن الدعوة للإتجاه شرقاً طبعا المقصود بالمعنى الإقتصادي، بينما نحن في الحقيقة بدأنا نعيش منذ العام 1958  أفكار الشرق ونمارس طقوسه في السياسة والعسكرة والديكتاتورية ونحن اليوم بأمس الحاجة للخروج من هذه العقلية، فلبنان منذ إستقلاله عام 1943 وحتى قبل ما سمي بثورة 58 كان يعيش على النمط الغربي ما ساهم بإزدهاره خاصة في فترة حكم كميل شمعون الذي كان محسوبا على البريطانيين وهي الفترة التي أسست لقيام الكثير من المؤسسات التي قامت عليها الدولة اللبنانية قبل أن تقلب حرب السويس المعادلات في المنطقة بحيث أخرجت بريطانيا وفرنسا من المنطقة لتحل محلها الولايات المتحدة الأميركية التي أبرمت إتفاقا مع جمال عبد الناصر قضى بإنهاء ثورة 58 وإنتخاب الجنرال فؤاد شهاب لرئاسة الجمهورية ومن يومها بات للشرق العربي مدعوما من الكتلة الشرقية الممثلة بالإتحاد السوفياتي والصين كلمتها بالسياسة في لبنان.

نحصد اليوم نتاج زرعهم الذي قضى على آمالنا وأحلامنا ومستقبلنا بعد أن إستولوا على حصاد عمرنا من المال فأحتجزوه في المصارف، ومن البنون فهجروهم إلى زوايا العالم الأربع، بسبب من جشعهم ونهمهم وعمالتهم للخارج

فؤاد شهاب وبناء المؤسسات

وشهدت فترة رئاسة فؤاد شهاب إستكمالا لبناء المؤسسات القائمة وكذلك قيام مؤسسات جديدة كان لها الأثر في تحديث الإدارة اللبنانية ساعدها في ذلك فترة الهدوء النسبي للتطورات في المنطقة وكذلك كان لشخصية فؤاد شهاب ونزاهته ونظافة كفه كبير الأثر في تمرير المرحلة بأقل الخسائر الممكنه في ظل طبقة سياسية فاسدة بأغلبيتها كان يطلق عليها إسم أكلة الجبنة جراء صراعها ومناكفاتها في سبيل الحصول على مكاسب وتقاسم الحصص حتى كان عزوفه عن التجديد لولاية ثانية فكان أن جيء بشارل حلو عام 1964 رئيسا تقليديا مثقفا مدعوما من شهاب والمكتب الثاني وكانت فترة إزدهار وهدوء نسبي في نصف الولاية الأول إلى أن كانت حرب 1967 التي خلفت هزيمة كبرى إختزلها الفكر العربي الشرقي وحولها إلى مجرد نكسة، ترافق ذلك كله مع إنطلاق المقاومة الفلسطينية المسلحة ما أدى إلى صدامات وتداعيات خطيرة على لبنان فكان إتفاق القاهرة عام 1969 في أواخر عهد شارل حلو تقريبا الذي تزامن إنتهاؤه مع وفاة جمال عبد الناصر ما أدى إلى تراجع النفوذ المصري في لبنان ليحل محله العامل الفلسطيني ليدخل لبنانه حربه الأهلية ويدخل العامل السوري ومن ثم الإسرائيلي فالإيراني اليوم، كل هذه العوامل أدخلت لبنان في صراع الأمم وبات مسرحا وملعبا لتصفية الحسابات الأمر الذي إستغله البعض المتحالف مع الإيراني لنشر مفهوم المسيحية المشرقية وتحالف الأقليات في وجه الأكثرية العربية ما جعل لبنان رهينة لهذه الجهات تستعمله ليخوض حروبها بالوكالة في صراعها مع الآخر  الأمر الذي كان له بالغ الأثر على الوضع الإقتصادي العام الذي وصل حد الإنهيار الذي نشهده اليوم والذي حدا بهم لطرح التوجه شرقا في التعامل الإقتصادي تارة نحو الصين وتارة نحو إيران والعراق متناسين أن الدول ليست جمعيات خيرية تنفق من غير حساب ولوجه الله، بل هي تدرس خطواتها وجدواها بحسب مصالحها، ومتجاهلين أن الأزمة الحقيقية ليست فيما يحكى عن حصار غربي على لبنان بقدر ما هي أزمة سوء إدارة لمالية الدولة اللبنانية وسوء تخطيط وممارسة تتطلب إصلاحات جذرية يحاولون التهرب من القيام بها لذلك تراهم يمارسون لعبة الهروب إلى الأمام في محاولة لكسب الوقت وتمريره حتى موعد الإنتخابات الأميركية وتعويلهم على خسارة دونالد ترامب لهذه الإنتخابات، لذلك يبدو أن أمامنا أربعة أشهر صعبة تنذر بالخطر ولكن السؤال المطروح هو هل يتحمل وضع البلد والناس ترف المقامرة على طاولة المصالح الإقليمية والدولية في منطقة متفجرة من سوريا إلى العراق مع تجدد التوتر والإغتيالات، فإيران مع التفجيرات الأخيرة فيها التي طالت فيما طالت منشأة نطنز ، فاليمن حيث التصعيد مجددا وليبيا مع التدخلات الإقليمية المتشعبة وما قد تحمله التطورات من مفاجآت جديدة في ملف سد النهضة بين إثيوبيا ومصر؟

اقرأ أيضاً: ودائع صغار المودعين «تطير» و«الهيركات» يتكفل بالبقية!

في ظل هذه التطورات الخطيرة معطوفة على محاولة العدو الصهيوني للتنقيب عن الغاز في المناطق المتنازع عليها مع لبنان ، يطلع علينا من يدعونا للزراعة الفردية ودون أي خطة لمواجهة الأزمة الخانقة وكأن المسألة مسألة أكل فقط بدلا من المسارعة لوضع الحلول الممكنة من إصلاحات هيكلية داخلية ، وإعادة وصل ما إنقطع مع الدول الشقيقة والصديقة كي نتمكن من مواجهة أية تطورات بالحد الأدنى من الصمود، هذا في الوقت الذي نحصد فيه اليوم نتاج زرعهم الذي قضى على آمالنا وأحلامنا ومستقبلنا بعد أن إستولوا على حصاد عمرنا من المال فأحتجزوه في المصارف ، ومن البنون فهجروهم إلى زوايا العالم الأربع، بسبب من جشعهم ونهمهم وعمالتهم للخارج. قديما قيل زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون، أما في حالتنا اللبنانية يصح القول “زرعوا” الفساد فـ”حصدنا” الخراب والذل.           

السابق
جريمة في قطار الرافدين
التالي
«حزب الله» يشق معابره نحو الدولة الفاشلة!