اتق الله في شعبك أيها الرئيس!

على وقع التظاهرات احتجاجًا على تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والارتفاع الفلكي لسعر الدولار في السوق السوداء جارًّا خلفه أسعار سلع أساسية أصبحت أو تكاد حلمًا لدى شريحة كبيرة من الشعب، والتي تخللها حرق للإطارت وقطع للطرقات واشتباكات مع القوى الأمنية،

اقرأ أيضاً: نائب عوني يسخر من لبنانيين يبيعون أغراضهم مقابل الطعام: أين أفواج الطناجر؟!

قانون قيصر

وعلى وقع “قانون قيصر” الذي وُضع لمحاصرة سوريا وستزيد ارتداداته الأكيدة على لبنان معاناةَ اللبنانيين اللذين بلغوا حافةَ هاويةِ الجوع مع حرق نار الدولار زيت الليرة والمشاهد الصادمة للبرادات الخاوية ولآكلي القمامة،
عقد رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا “اللقاء الوطني” الأبتر، بغياب ممثلي أكثر من نصف اللبنانيين، متابعًا مشواره المتواصل منذ31  تشرين الأول 2016 في وضع النقاط السياسية على الحروف الخطأ، جاعلًا نقطة الخاء على الحاء، ونقطة الزاي على العين… وهلمّ جرًّأ، فلم يشأ له كبرياؤه التخلي عن صورة “الطَّرَف” في هذا الظرف المصيري وتأجيل الحوار إلى موعد آخر لإجراء مزيد من المشاورات مع المستنكفين عن الحضور -بحكم وظيفته الأصلية التي ينص عليها الدستور وهي أن يكون حَكَمًا بين اللبنانيين- ومناقشة اعتراضاتهم، بل سار بلقاء أعور أعرج أبكم، معلنًا المزيد من تكريس صورته القابعة في أذهان اللبنانيين، فهل بهذه التصرفات الرعناء المتمثلة بتجاهل شطر اللبنانيين ويزيد يكرس “بيّ الكلّ” العنوان الذي كان أعلنه للحوار قبل انعقاده، وهو “حماية الاستقرار والسلم الأهلي” الذي قال إنه “خط أحمر والمفترض التقاء جميع الإرادات لتحصينه، لأنه مسؤولية الجميع وليس على همة حزب أو طرف أو فرد واحد مهما علت مسؤولياته”؟؟!!

أجندات خارجية مشبوهة

وهل أفاده اعتبارُه ما جرى في طرابلس وبيروت وعين الرمانة “إنذارًا لنا جميعًا للتنبه من الفتنة التي تقرع باسم المطالب… مشبعة بالنعرات الطائفية والمذهبية، لتحقيق أجندات خارجية مشبوهة” في تقريب الصفوف و”الوقوف عند خاطر” القيادات المعارضة لنزع فتيل هذه الأجندات؟؟!!
وإذا كان عون –كما يدّعي- قد دعا إلى “لقاء وطني جامع لوضع حدٍّ نهائي لهذا الانزلاق الأمني الخطير” فلماذا لم يحافظ عليه بأشفار عينيه ليصل إلى هذا الحد؟؟!!

اتق الله في شعبك أيها الرئيس، أطعم جائعهم، اكسُ عاريهم، حافظ على أموالهم، كن حَكَمًا بينهم، لا تثأر لنفسك لأن جائعًا شتمك أو خاصمك

وإذا كان مفجّر حربين فاشلتين (حرب التحرير التي دمرت لبنان وحرب الإلغاء التي دمرت ما كان يسمى المناطق الشرقية) قد توصل بخبرته “التدميرية” إلى حكمة أطلقها في كلمته، ومفادها أن “إطفاء النار ليس بسهولة إشعالها”، داعيًا إلى عدم الغفلة “عن دروس الماضي القريب كما عن دروس المنطقة والجوار”، أوليس كان أجدى بالحكيم العمل بحكمته والاتعاظ بماضيه للتوصل إلى حقيقة أن تجاهل قيادات الناس هو أسهل الطرق لإشعال هذه النار وإذكاء لهيبها؟؟!!

تبادل أدوار

أما قلب عون الحقائق بشكل جعل الحمل والذئب يتبادلان الأدوار فهو العجب العجاب، إذ اعتبر أن من يجوِّع الناس هم “العابثون بالأمن والشارع، والمجيشون العواطف الطائفية والمذهبية، والمتناغمون مع أطراف خارجية لتحقيق مكاسب عبر تجويع الناس وترويعهم وخنقهم اقتصاديًا” في حين شاهد القاصي والداني أن حلفاء محوره هم من جيَّش الناس مذهبيًّا وطائفيًّا في الرينغ وعين الرمانة وبربور، وهم المتسببون بتجويع الناس، عبر مقايضتهم السكوت عن فساد الطبقة السياسية وسرقتها المال العام وودائع اللبنانيين في المصارف مقابل تغاضي هؤلاء عن سلاحهم الفتنوي غير الشرعي، بالإضافة إلى تسبب أصحاب هذا السلاح بوقف تدفق أموال أصدقاء لبنان إليه وإجاعة اللبنانيين، بسبب شتمهم المتكرر والدعاء عليهم بالموت والدمار من حلفاء “الرئيس القوي”، في وقتٍ ما بخل هؤلاء على وطنهم الشقيق لبنان يومًا (وعلى أصحاب السلاح شخصيًّا إثر حرب تموز 2006) بمد يد المساعدة في أحلك الظروف وبإرسال السواح الذين كانوا يرفدون الخزينة بمعظم أموال السياحة، فما وجدوا جزاء الإحسان إلا عضّ اليد الممدودة، فانتفضوا لكرامتهم وانسحبوا من لبنان نهائيًّا تاركينه لقدره الأسود الذي يلاقيه اليوم.

ونتساءل محتارين: ماذا فعل رئيس الجمهورية لرد “المخاطر التي قد تنشأ عن قانون قيصر” كما قال، والتي رأى أن “الوحدة حول الخيارات المصيرية” هي سبيلها؟ هل حاور قيادات اللبنانيين؟ هل سعى وراء من سرق أموالهم؟ هل فعل شيئًا ملموسًا في هذا المؤتمر المسخ سوى زيادة الفرقة بين اللبنانيين والكره والعداوة وتربص مكوناتهم كل منها بالأخرى؟
هل فعل شيئًا أمام واقع لاميثاقية الحكومة والحكم؟ والسؤال الأهم: هل كرّس على الأرض إجراءات تمنع اندلاع حرب اهلية لا قدّر الله ستكون حرباه الغابرتان نزهةً أمامها؟؟!!

اقرأ أيضاً: أحمد بيضون: «الميليشيا» المنتحلة مشروع التحرير..في شوطها الأخير!

لا شيء، لا شيء…
فاتق الله في شعبك أيها الرئيس، أطعم جائعهم، اكسُ عاريهم، حافظ على أموالهم، كن حَكَمًا بينهم، لا تثأر لنفسك لأن جائعًا شتمك أو خاصمك، وتعلَّم من الإمام عليٍّ رضي الله عنه حين قال: “عجبتُ لمن لا يجد قوتَ يومِه كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه!!”، وتعلم من القائد العظيم عمر بن الخطاب حين أمر المصري بضرب ابن فاتح مصر والأمير عليها عمرو بن العاص لأنه ضرب المصريَّ بسبب فوزه عليه في سباق الخيل، وبعد أن ضربه قال عمر له: “أَجِلْها على رأس عمرو، فوالله ما ضربك إلا لسلطان أبيه” (لكنّ المصري أبى)، ثم التفت ابن الخطاب إلى عمرو مطلقًا قولته الخالدة: “يا عمرو، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟”.
فإما أن تكون المستبدّ العادل أو تنحَّ وخلِّص البلاد والعباد يكُ خيرًا لك ولهم. هذي رسالتي إليك، اللهم قد بلغت.

السابق
قلق أميركي من «حزب الله».. مليارات الدولارت ذهبت للدويلة بدل الحكومة!
التالي
«كورونا» في صور.. ووحدة الكوارث تُنبّه!