نصرالله بـ«نسخته الصينية».. إستدراج عروض غير منظورة!

الصين واميركا
ماذا يجري خلف سور الصين العظيم؟ سؤال كبير حظي بحيز لا بأس به في الخطاب الأخير للأمين العام ل "حزب الله" للسيد حسن نصرالله خلال دعوته للتحول من الغرب إلى الشرق. حمل خطاب نصرالله بنسخته الصينية تغييراً ملخوظاً في "قواعد الإشتباك" التجاري والإستثماري، ويحمل أبعاد غير منظورة في المقدمات والنتائج والعواقب ريما، تشي بإستدراج عروض متشابكة و"حمالة أوجه" تتجاوز الحدود اللبنانية إلى الإقليمية والدولية.

ولم تكن المرة الأولى في خطابه الثلاثاء التي يدعو فيها نصرالله الدولة اللبنانية  الى التوجه نحو الصين، فهو غداة انتفاضة 17 تشرين 2019 لوّح (تشرين الثاني) بهذا الخيار في مواجهة ما اعتبره حصاراً اميركياً غير معلن على لبنان، وكان خطاب نصرالله عن الخيار الصيني، مفاجئاً ليس لأن الصين ليست دولة طامحة لأن تلعب دورا اقتصاديا وتجاريا مؤثرا في لبنان، وعلى امتداد طريق الحرير، بل لأن اللبنانيين لم يألفوا اهتمام نصرالله بخطط اقتصادية ومشاريع كبرى تتصل بالاقتصاد وبناء الدولة، لذا كانت الدعوة في ذلك الحين مثار تساؤل لجهة هل ان نصرالله هو فعلا جاد و مهتم في هكذا مشاريع تعيد الاعتبار للاقتصاد وللدولة والتنمية، أم انها رسالة سياسية موجهة لأطراف خارجية. وضمن حسابات الصراعات الاقليمية والدولية؟

اقرأ أيضاً: نصرالله يحلُّ «حزب الله».. حتى إشعارٍ آخر!

قروض ميسرة

خلفية هذا التساؤل تتأتى من ان الشركات الصينية، وقبلها الدبلوماسية الصينية في بيروت، قامت بشبكة علاقات واتصالات واسعة، واجرت لقاءات مع مختلف الجهات الرسمية الحزبية اللبنانية، ومع غرف التجارة قي مختلف المحافظات اللبنانية، ولوحظ ان العديد من المسؤولين اللبنانيين ورجال الاعمال، ابدوا اهتماما بالمشاريع التي يمكن ان تنفذها الصين، وبدا الاهتمام متجاوزا كل الحساسيات الداخلية، بحيث ان لبنانيين من مختلف الطوائف والاحزاب ابدوا اهتماما بما يمكن ان ينفذ من مشاريع سواء تلك المتصلة بالميناء البري في البقاع، او النفق بين بيروت والبقاع، والقطار السريع، وغيرها من عشرات المشاريع التي ابدت الشركات الصينية استعدادها لتنفيذها ضمن شروط تجارية وقروض ميسرة.

هل ان حزب الله حين يطالب بالتوجه نحو الصين، قد حسم فعليا خياره اتجاه مرجعية الدولة، ذلك ان الخلل الجوهري في لبنان، يتصل بحسم هذا الخيار، من هنا يبدو استحضار الصين، يتصل بحسابات تتجاوز جوهر المشكلة اللبنانية

التساؤل الذي خلقته دعوة نصرالله، يتأتى من كون هذه الدعوة للتوجه نحو الصين في سياق المواجهة الاقليمية والدولية التي يخوضها حزب الله كامتداد للسياسة الايرانية، واوحى نصرالله وكأن حضور الصين في لبنان هو لمواجهة السياسة الاميركية وحتى الخليجية التي ادارت ظهرها للبنان بعد سيطرة “حزب الله” على الحكم والحكومة فيه، وهو ما دفع العديد من القيادات اللبنانية بعد خطاب نصرالله الى الحذر والترقب وربما الانكفاء عن التفاعل مع المشاريع الصينية في لبنان، تفاديا من ان يتم ادراجهم في خانة حزب الله، خاصة ان قسما كبيرا من رجال الاعمال والتجار وبعض القيادات يرتبطون بعلاقات مالية وتجارية مع دول الخليج العربي ولا سيما السعودية.

من هنا اعتبر بعض المراقبين في بيروت، ان صدور مثل هذه الدعوة للتوجه نحو الصين لحل الأزمات الاقتصادية في لبنان، من امين عام “حزب الله” نفسه، يجعل من الفكرة على اهميتها، عرضة للتسييس، وللنكايات السياسية، ولا يفتح الطريق امام تحققها، بل ربما يحولها الى ورقة في مهب الرياح الاقليمية ليس اكثر ولا أقل، كان يمكن لنصرالله ان كان جادا في انجاح الفكرة، ان لا يكون هو من يطلقها، بل يمكن من خلال نفوذه وتأثيره ان يدفع جهات رسمية لتبنيها كمشاريع تنقذ لبنان، ثم يقوم حزب الله بتأييدها.

المصالح الإيرانية

عدم اتباع هذا الاسلوب، وتبني نصرالله مباشرة لهذه الدعوة، هو يساهم بافشالها من خلال وضعها كمادة للمناكفة السياسية، لكن ذلك لا يمنع من ان يكون لدى نصرالله غاية اخرى، وهي تلك المتصلة بنظام المصالح الايرانية في المنطقة، فاظهار الصين وكأنها طرف في الصراع الاميركي الايراني في امتداداته الاقليمية، سيلقي بأثاره بالضرورة على الخليج العربي، خاصة ان السعودية منخرطة في مشاريع مشتركة مع الصين، هي بالضرورة مشاريع لا تلقى ترحيبا اميركيا ولا ايرانيا، وبالتالي فان محاولة استدراج الصين الى هذه الدائرة، يثير الريبة لجهة جدية نصرالله في بناء افق تعاون واسع بين لبنان والصين.

واذا كانت المصالح الايرانية_الاميركية في المنطقة العربية، تتقاطع على ابعاد الصين عن اي دور فاعل ومؤثر عربيا، وكل من زاويته وحساباته، فان الاختبار اللبناني في طرح ورقة المشاريع الصينية غير المكلف لا لأميركا  ولا لايران، انطلاقا من ان حجم المشاريع الاستثمارية المقدرة تبقى محدودة اذا ما قيست بالمشاريع الصينية في الخليج او في سوريا لاحقا.

التساؤل الذي خلقته دعوة نصرالله، يتأتى من كون هذه الدعوة للتوجه نحو الصين في سياق المواجهة الاقليمية والدولية التي يخوضها حزب الله كامتداد للسياسة الايرانية

مسار العلاقات الاميركية الايرانية يبقى مسار راسخ وعميق في المنطقة العربية، وشواهد التقاطع بين الدورين رغم المواجهة بينهما، ينطوي على تعاون كان في صالح الدولتين الى حد كبير، واشنطن حصدت النفوذ والسيطرة والتحكم عربيا، فيما ايران ملأت الفراغ الاقليمي العربي بالاستثمار في الانقسامات وتصدع الدولة.

اقرأ أيضاً: نصرالله «يستظلم» قيصر.. «ضرب وبكى وسبق واشتكى»!

مرجعية الدولة

في ما قاله نصرالله يبقى عرضة لسؤال جوهري، هل ان حزب الله حين يطالب بالتوجه نحو الصين، قد حسم فعليا خياره اتجاه مرجعية الدولة، ذلك ان الخلل الجوهري في لبنان، يتصل بحسم هذا الخيار، من هنا يبدو استحضار الصين، يتصل بحسابات تتجاوز جوهر المشكلة اللبنانية، الى ما هو ابعد، اي تسجيل النقاط وتبادل الرسائل مع واشنطن، الاخيرة قامت بقلب الطاولة في العراق، من دون ان تقلل من شأن الدور الايراني. لبنان امام مشهد هجوم اميركي يحاول نصرالله التخفيف من اثاره والحدّ منه بتقديم هدايا ولو باللغة الصينية، قبل شهرين اطلق العميل عامر الفاخوري واليوم واشنطن تفرج عن رجل الاعمال اللبناني قاسم تاج الدين وما بينهما سجناء  اميركيون  تم الافراج عنهم.
وفيما تحاول واشنطن التضييق على الاستثمارات الصينية في اسرائيل، فان طهران كما واشنطن يتفقان على ان التضييق على الاستثمارات الصينية في المنطقة اولوية تقتضي التعاون وخطاب نصرالله الصيني هو التقاطع العميق.
 

السابق
هذا ما جاء في مقدمات النشرات المسائية لليوم 18/6/2020
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الجمعة في 19 حزيران 2020