6 حزيران .. «سبت أسود» أبيض!

الثورة اللبنانية

مؤلم وخطير ومخيف ما شهده لبنان يوم 6/6 الماضي ، مؤلم بأبعاده الإنسانية، خطير بأبعاده الوطنية، ومخيف بأبعاده السياسية. يوم  6 حزيران كان يوم إستئناف الثورة لفعالياتها التي أوقفتها جائحة كورونا والإغلاق الذي فرضته السلطة وبالتالي كان يمكن أن يشكل أملا جديدا للبنانيين الأحرار لولا أن الأشرار أرادوا له منحىً آخر فتحول من يوم للأمل إلى يوم سبت أسود جديد يضاف إلى روزنامة الأيام السود في تاريخ لبنان.

اقرأ أيضاً: «لو كنت تعلم» يا سيد.. 20 سؤال برسم نصرالله!

السلطة السياسية العفنة

المؤلم في الأمر أن محاولة الوصول إلى الغاية السياسية لأعداء الثورة الذين هم رموز هذه السلطة السياسية العفنة ورأس حربتها الثنائي الشيعي ، قد سلكت هذه المرة الوسيلة الأقذر لبلوغها ألا وهي التحدي والتحريض المذهبي الفاقع عبر الشتم والسب لأم المؤمنين عائشة من جهة ، والإستفزاز الطائفي والوطني من جهة أخرى وهو ما سيترك أثارا على مستوى العلاقات الإنسانية والمجتمعية بين أطياف المجتمع اللبناني لن تزول بسهولة خاصة وأن 7 أيار لا زال حاضرا في البال ويُستحضر دائما من الطرفين كلما جد جديد ، كل هذا بحجة الدفاع عن السلاح الذي بات الصنم الأكبر في عقيدة هؤلاء الرعاع والذي بات وحده في كفة والوطن والشعب والدولة ومؤسساتها في الكفة الأخرى. 

والخطير في هذا المشهد كان وضع الطائفة الشيعية في مواجهة كل أطياف الشعب بحيث أن المواجهات إندلعت على ثلاثة محاور مختلفة ، محور الثورة في ساحة الشهداء بما تمثله من حراك شبابي متنوع ومستقل عن الإصطفافات الطائفية ، إنطلاقا من الخندق الغميق، ومحور الطريق الجديدة وكورنيش المزرعة إنطلاقا من بربور بما يمثله هذا المحور من تماس مذهبي سني – شيعي، ومحور الشياح – عين الرمانة بما يمثله في الوجدان اللبناني من ذكريات أليمة، وهو أيضا ما سيترك شروخا في النسيج الوطني اللبناني الذي هو أصلا لا يحتمل مثل هذه التصرفات المشينة وطنيا وسياسيا وأخلاقيا.  

السيناريو المخيف

المخيف في هذا السيناريو هو ما يعنيه على المستوى السياسي العام في البلد من مصادرة عمليا لكل اللعبة السياسية في البلد ومكوناتها من أحزاب وتيارات ومجتمع مدني وحتى مؤسسات رسمية تشريعية وتنفيذية وبذلك نكون قد دخلنا مرحلة الحكم التوتاليتاري الميليشياوي وهي مرحلة دخلناها عمليا منذ إتفاق الدوحة 2008 لكنها كانت مغلفة ببعض الشكليات على طريقة ” التكاذب ” اللبنانية، ويبدو اليوم مع وصول الوضع الداخلي السياسي والإقتصادي والمالي حد الإهتراء الكلي وبالتالي إلى طريق مسدود، ومع إقتراب الإستحقاقات المصيرية على مستوى المنطقة خاصة في الملف السوري المرتبط عضويا بكل أطراف المحور الممانع، يبدو أن أللعب بات على المكشوف وبدون أقنعة بحيث لم يعد هناك من أسلحة محرمة حتى ولو أدى إستعمالها لتهديد مصير الوطن والمجتمع والناس، وهذا تطور خطير قد يؤدي في أي لحظة وعند أي خطوة غير محسوبة إلى تفلت للأمور خاصة وأننا بدأنا نسمع بعض الأصوات التي تتحدث عن أمن ذاتي وعن عودة الحديث عن الفيدرالية وغيرها من الطروحات التي قد تجد مبررات لها في أحداث كالتي وقعت يوم 6 حزيران.

في الجانب المسيحي لا يبدو الوضع أفضل حالا خاصة وأن معركة رئاسة الجمهورية قد فتحت على عادتها في النصف الثاني من الولاية ومعها بدأ الضرب تحت الحزام خاصة بين التيار الوطني الحر وتيار المردة

هذا الواقع وفي ظل حكومة دمية في يد الثلاثي الحاكم أو الثنائي + واحد، وضع البلاد في شلل تام على كل الصعد خاصة في ظل عدم وجود معارضة جدية ومنظمة لهذا الواقع نتيجة تضعضع الأطراف الأخرى حيث أن الطرف السني الأقوى في المعادلة الوطنية يعاني من الإنشقاقات بعد فشل التسوية التي أرساها الرئيس سعد الحريري مع التيار الوطني الحر، ما أدى إلى بروز معارضة داخلية لا تسمن ولا تغني من جوع بسبب إعتمادها الشخصانية بحيث بدا أن هدفها فقط هو سعد الحريري شخصيا لا خياراته السياسية بدليل عدم طرح أي خيار جدي بديل بإستثناء البيانات والتصريحات التي لا تختلف بمضمونها عن أدبيات تيار المستقبل بخطوطها العريضة، هذه البيانات والتصريحات الصادرة أما عن شقيق طامح كبهاء الحريري نزل فجأة بالباراشوت مستعينا ببعض المستشارين الذين أقل ما يقال فيهم أنهم لا يوحون بالثقة ، أو عن وزير سابق كنهاد المشنوق ليس لديه ما يطرحه سوى التذكير بأحقاد ال 1400 سنة – وهي ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها بهذا الأسلوب – في تماهٍ غريب عجيب من الموقع المقابل مع من يدعي مقاومتهم، أو عن أكاديمي كبير كرضوان السيد آخر ما طرحه هو الإعلان عن تجمع وطني لبناني غالبيته “من أهل السنة والجماعة” وحديثه عن راديكاليتين شيعية ومارونية وكأن المطلوب إيجاد راديكالية سنية بالمقابل، وهكذا فإن هذه “المعارضات” لم تخلف سوى تشتيت الجهد والمزيد من التفرقة في الصف الواحد ، في المقابل لم نرَ أي مراجعة أو تقييم للمرحلة السابقة من قبل تيار المستقبل ولا أي مبادرة سواء على مستوى الطائفة أو على مستوى الوطن لإعادة وصل ما إنقطع مع باقي الأفرقاء جراء التسوية الرئاسية، وإقتصر الأمر على معارضة الحكومة والعهد معارضة تقليدية بينما الوضع إستثنائي وبحاجة لخطط وقرارات إستثنائية ربما عبر طرح خطة إقتصادية ومالية إنقاذية واضحة المعالم وبرنامج عمل مفصل يطرح أمام الرأي العام اللبناني لمحاولة إستعادة ثقة الشارع وهي ليست بالأمر السهل بعد كل ما حصل وما وصلت إليه الأوضاع. 

“جبران عين وسليمان عين”

في الجانب المسيحي لا يبدو الوضع أفضل حالا خاصة وأن معركة رئاسة الجمهورية قد فتحت على عادتها في النصف الثاني من الولاية ومعها بدأ الضرب تحت الحزام خاصة بين التيار الوطني الحر ممثلا بجبران باسيل وتيار المردة بقيادة سليمان فرنجية وهو ما تجلى بفضيحة الفيول المغشوش وتداعياتها المستمرة وهو ما يضع الطرفان في سباق لكسب ود ودعم الثنائي الشيعي حيث العلاقة بين حركة أمل وتيار المردة علاقة تحالف متين ما يرجح كفة فرنجية، بينما علاقة حزب الله بالطرفين جيدة حيث أن “جبران عين وسليمان عين” كما أعلن غير مرة السيد حسن نصرالله. بالنسبة للقوات اللبنانية هي الأخرى تغرد وحيدة وتحاول إنطلاقا من خصوصيتها المسيحية المارونية بأن تفصل في علاقتها بين التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل ، وبين العهد ممثلا برئيس الجمهورية وهي مهمة ليست سهلة على أية حال وهو ما يجعلها عاجزة عن تحقيق أي إختراق حقيقي على مستوى العملية السياسية ككل مثلها مثل تيار المستقبل بحيث أنها تتعامل بوسائل تقليدية مع وضع غير تقليدي وإستثنائي، اللهم إلا ما يمكن أن تحققه على الساحة الداخلية المسيحية من مكاسب تبقى موضعية.

الساحة الدرزية 

يبقى أن نشير إلى الساحة الدرزية حيث يبدو أن الهم الرئيسي لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي هو الهم الدرزي الداخلي في ظل التطورات القادمة على المنطقة والوضع الداخلي المتأزم على طريقة القول “عند صراع الأمم إحفظ رأسك” وهو ما يبدو أنه يسعى إليه عبر محاولة تهدئة الأمور في الداخل عبر زيارته الأخيرة لبعبدا ، وعلاقته المتجددة مع سعد الحريري عدا عن علاقته الإستراتيجية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي جمعه بالأمس في لقاء مصالحة درزية – درزية بينه وبين غريمه طلال أرسلان لتصفية ذيول قضيتي الشويفات وقبرشمون ، بالإضافة إلى ربط النزاع مع حزب الله عبر التنسيق الأمني والسياسي بين الطرفين . وهكذا في ظل هذا الشلل السياسي الذي يضرب تقريبا كل الأطراف “المعارضة” لا يبقى في الميدان من أمل إلا الثورة وشبابها المصر على التغيير ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل ظروف صعبة ودون ناصر أو معين وهي مهمة ليست بالسهلة إن لم نقل مستحيلة في ظل هذا التنمر والقمع والتهديد بالإعتقال الذي تمارسه السلطة تارة عبر مؤسساتها، وتارة عبر الغوغاء من فوج الموتوسيكلات الذي تطلقه أطرافها المتحكمة من خارج المؤسسات كما حصل مؤخرا في بيروت وطرابلس حيث عاثت هذه الأطراف فسادا وتكسيرا في الممتلكات العامة والخاصة في محاولة لإرهاب الناس والثورة.

اقرأ أيضاً: رئيس حكومة.. «سبقني وبكى»!

كل هذه التصرفات الميليشياوية تجعل البلد في وضع مكشوف أكثر مع بداية تطبيق قانون قيصر وما سيتركه من آثار أكيدة على الوضع اللبناني، ولن تجر إلا الخراب على لبنان والحل لا يكون إلا بالإستماع إلى صوت الناس في الشارع فلا صوت يعلو فوق صوت الناس ، والثورة وجدت لتنقل هذا الصوت وتجسده وكلنا أمل بأنه لن يثنيها عن هدفها لا تهديد ولا تحريض ولا قمع. هي فسحة الأمل الباقية، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل هذه.       

السابق
الناشط الأمين يُعلّق على خطاب نصرالله: له سلاحه والدولارات.. وللشعب الذل والجوع!
التالي
علماء: دواء شائع وغير مكلف يقلل من وفيات «كورونا»