«الفتنة النقدية» تهزّ الحكومة اللبنانية ولا تُسْقِط.. الحاكم

الصرافون عادوا للتلاعب بسعر الدولار

كاد لبنان أن يسقط الى قعر نقدي «قاتِل»، بدفْعٍ غير مسبوق في حجْمه وارتدادته لانهيارِ سعر العملة الوطنية الى مستوى 7 آلاف ليرة لكل دولار، وبردودٍ شعبية تلاقت فيها صفوف الثوار الذين أشعلوا احتجاجات 17 أكتوبر الماضي مع «خصومهم» في الساحات من أبناء الخندق الغميق والضاحية الجنوبية المشهورين بقوافل الدراجات النارية (الموتوسيكلات)، ليشتعل وسط بيروت ومناطق لبنانية عدد ليلتي الخميس والجمعة بحرائق وعمليات تكسير في ملكيات خاصة وعامة ومواجهات بالمفرقعات ورمي الحجارة ردت عليها القوى الأمنية بقنابل الغاز المسيل للدموع وبالرصاص المطاطي.

لا كوابح نقدية

ورغم انعدام تنفيذ أي عمليات، بحسب استطلاع أجرته «الراي» مع مصادر مواكبة، عند سعر 7 آلاف ليرة، فهو عَكَسَ هشاشةَ «الكوابح» التي تحمي النقد الوطني والحساسية المفرطة للأسواق حيال أي مستجدّ ذي صلة، بدليل أن الهبوط الى هذا الدرك الصاعق بنسبة 75 في المئة، عن السعر المتدهْور أصلاً عند قرابة 4 آلاف ليرة، جاء بعد ساعات قليلة من افتتاح السوق لدى الصرافين غير المرخصين صبيحة اليوم عينه بسعر الـ 4 آلاف ونيف.
ولذا عاش اللبنانيون والأسواق ساعات حرجة مدعّمة بمعلومات قليلة وشائعات كثيرة عن دخولٍ تجاري سوري واسع النطاق لطلب الدولار من الأسواق اللبنانية.

فما تعانيه بيروت، يتدحرج بوتيرة أقسى وأكثر ألماً في دمشق المقبلة خلال أيام معدودة على اختبار قانون «قيصر» الأميركي الذي يحظر أي تعاملات تجارية ومالية يستفيد منها النظام السوري، في وقتٍ انهارت العملة الوطنية بنحو ثلاثة أضعاف ما كانت عليه مطلع العام الجاري، وبنحو 60 ضعفاً عن مستواها في ربيع 2011.
وكان لافتاً في هذا السياق، ما نقلته وكالة «أخبار اليوم»، عن مرجع امني سابق، أكد صحة المعلومات عن تهريب كميات كبيرة من الدولارات الى سوريا، مبدياً خشيته من مصير مماثل للكميات التي سيضخها مصرف لبنان، ما لم تقم الأجهزة الأمنية بملاحقات صارمة تكافح بموجبها التلاعب بالدولار.

تجار سوريون زخموا طلب الدولار في بيروت فبلغ عتبة 7 ألآف ليرة!


وقد وشت ساعات ليل الخميس – الجمعة بأن ما حصل نهاراً في لبنان، كشف هشاشة ضبط النقود والحدود في أوج حاجة سوريا واقتصادها وعملتها لحصة «الأسد» من الرمق اللبناني، وأن ما حدث ليلاً أزال بلمسة «ساحر» جدراناً صلبة، طالما فصلت بين «أهل الثورة» و«أبناء المقاومة»، ولدرجة قاربت يوم السادس من الشهر الحالي بلوغ حدود الاشتباكات المذهبية المسلّحة بين أحياء متقابلة في العاصمة وقرى ودساكر مختلطة ومنفصلة في مناطق مختلفة من البلاد.

إقرأ أيضاً: بري ينقذ الحكومة من الإرباك ويوقف التدحرج نحو المجهول

وبدت شطارة «الساحر» أكثر سطوعا في اليوم التالي (الجمعة). لا الحكومة استقالت على وقع جسامة ما حصل، ولا حاكم البنك المركزي أقيل على «رغبة» غير مستترة تبديها السلطة التنفيذية على المستوى الرئاسي.

أيضاً حدد رئيس مجلس النواب نبيه بري السقوف. فبعدما لبى الدعوة الى اجتماع رئاسي ضمه الى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء حسان دياب بين جلستيْن لمجلس الوزراء في السرايا الحكومية وقصر بعبدا، معلناً «تم الاتفاق على خفض قيمة الدولار مقابل الليرة إلى ما دون 4000 ليرة وصولاً إلى 3200، لكن ذلك لن يتبيّن فعلياً قبل الاثنين.

وتم الاتفاق على مخاطبة صندوق النقد الدولي بلغة واحدة»، ومجيباً بـ «نحن بحاجة الآن لكل الناس وليس للإستغناء عن الناس» رداً على سؤال في شأن إقالة الحاكم.
وبالفعل، هبطت الأسعار في التداولات بعد ظهر الجمعة الى ما بين 4500 و 4700 ليرة للدولار، وظَهَرَ «البنكنوت» المُخْتفي ناسفاً مسار الاتجاه الواحد للطلب في السوق قبل 24 ساعة.

بل إن الساعات المقبلة تشي برجحان كفة العرض لدى الصرافين المرخصين والجوالين معاً، وإن باسعار وشروط مختلفة وفق المنوال الذي تسلكه الأسواق الموازية والسوداء منذ عدة اسابيع.

خلية ازمة مالية

بينما يشرع البنك المركزي مطلع الأسبوع بضخ ما التزم به من دولارات في خزائن شركات الصرافة المرخصة، والتي تتولى بدورها ضخ السيولة للأفراد وللمستوردين ضمن القيود والضوابط التي تم الاتفاق عليها في اجتماعات السرايا الحكومية.
وفي المواكبة، وعلى قاعدة «أن تاتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبدا»، اقرت الحكومة تشكيل خلية أزمة برئاسة وزير المال وتضم في عضويتها وزراء الاقتصاد، التنمية الادارية، الصناعة والاعلام، الى جانب حاكم المركزي ورئيس جمعية المصارف ونقيب الصرافين.

ومهمتها، حسب القرار الرسمي، «متابعة تطورات الوضعين المالي والنقدي وتطبيق القرارات، على ان تجتمع هذه الخلية في وزارة المال مرتين في الاسبوع، ويقدم من خلالها حاكم مصرف لبنان تقريراً مفصلاً عن التطورات وتُرفع خلاصة عملها بشكل دوري الى رئيس مجلس الوزراء لعرضها على مجلس الوزراء».

السابق
إمّا الدولار أو «حزب الله»؟
التالي
سوريا المفيدة لم تعد مفيدة!