سوريا المفيدة لم تعد مفيدة!

سوريا الاسد

منذ اندلاع الثورة السورية، حرص المحور الدولي والإقليمي الداعم للنظام السوري على الحفاظ على ما يسميه هيبة الدولة، وبذل جهدا عسكريا ودبلوماسيا من أجل تحقيق ذلك، وتأمين السيطرة على مساحة جغرافية تمكّن هذا النظام من فرض هيبته أو هيبة دولته المزعومة. 

اعتقد هذا المحور أن هذا الحيّز الجغرافي المستقر أمنيا وسياسيا سيكون مفيدا له في مرحلة ما بعد القضاء على الثورة، وإعادة احتلال الأجزاء التي خرجت عن سلطة النظام ضمن مشروع أطلق عليه تسمية “سوريا المفيدة”.


صدمة هذا المحور ومن يقاتل في صفوفه أن سوريا المفيدة لم تعد كذلك، بل هي مضرة على مستقبل نفوذه في سوريا التاريخية، بعد سقوط سوريا الأسد، خصوصا أنه تأخر كثيرا قبل أن يستيقظ على الفخ الذي نصبته له واشنطن منذ أن أخذت القرار بعدم تعطيل هذا المشروع الذي سخرت طهران وموسكو إمكانياتهما المالية والاقتصادية وطبعا العسكرية في سبيل تحقيقه.

أزمة سوريا المفيدة سياسيا، أن سوريا الأخرى المفيدة اقتصاديا تستحوذ على قرابة 70 في المئة من الثروة الوطنية

لكن روسيا وإيران لم تنتبهان إلى تضاؤل الجدوى السياسية من هذا المشروع، حتى فقد أهميته السياسية تحت وطأة عوامل سياسية خارجية تخص رعاته، وعجزهم على مواجهة قانون “قيصر” الأميركي. بالإضافة إلى هذا، فإن المشروع المقابل، الذي يمكن تسميته افتراضيا سوريا المفيدة اقتصاديا، تسيطر عليها واشنطن وأنقرة وما تبقى من المعارضة المسلحة، وهو ما يملك أغلب مقدرات الدولة السورية.

إقرأ أيضاً: «الفتنة النقدية» تهزّ الحكومة اللبنانية ولا تُسْقِط.. الحاكم

أزمة سوريا المفيدة سياسيا، أن سوريا الأخرى المفيدة اقتصاديا تستحوذ على قرابة 70 في المئة من الثروة الوطنية. فمحافظة إدلب الشهيرة بإنتاج زيت الزيتون إضافة إلى الأشجار المثمرة التي يقدر البعض أنها تمتلك ملايين الأشجار في أراضيها الزراعية، هي بالكامل تحت الإدارة التركية التي تسيطر على حركة الاستيراد والتصدير فيها إضافة إلى استخدام العملة التركية بدل العملة السورية. كما تمتاز إدلب بإنتاجها لكميات كبيرة من الخضروات، ووفقا لبعض الأرقام يوجد في محافظة إدلب أكثر من 14 مليون شجرة زيتون وتقدر نسبة المحافظة في هذه الزراعة 70 في المئة من الإنتاج العام في سوريا.

أما في المناطق الشرقية تسيطر الولايات المتحدة بمساعدة فصائل كردية على مناطق شاسعة شرق الفرات الغنية بالثروات الطبيعية حيث يوجد أكثر من 70 في المئة من النفط والغاز إضافة إلى حقول القمح، وهي خارج سيطرة النظام ولا يستفيد منها اقتصاديا، بل فرضت عليه اللجوء إلى الأسواق الخارجية من أجل تغطية حاجته من الطاقة والحنطة.

عمليا السلة الغذائية لسوريا ومصادر الطاقة خارج سيطرة النظام، ما يحول سوريا المفيدة سياسيا الخاضعة للاحتلالين الروسي والإيراني في مرحلة تطبيق عقوبات “قيصر” إلى عبء عليهما، كما أنهما لا يملكان الموارد الكافية لمساعدة النظام على الصمود، خصوصا أنهما يعانيان أصلا من أزمات مالية.  

تستمر طهران، المغامرة بمستقبل لبنان من أجل حماية الأسد، بدعوتها السوريين إلى تطبيق نموذج الصبر الاستراتيجي في مواجهة العقوبات

فسعر صرف الروبل الروسي والتومان الإيراني يتهاوى تحت ضغط العقوبات الأميركية وتراجع أسعار النفط وجائحة كورونا. والبلدان مهددان بركود اقتصادي يهدد استقرارهما، ولم يبق لديهما إلا النافذة اللبنانية الهشة من أجل تحصين نظام الأسد ورفده بالعملة الصعبة قبل صدور المراسيم التطبيقية الكاملة لقانون “قيصر” في السابع عشر من الشهر الحالي، والذي سيؤدي، في حال استمر الشقيق اللبناني بتزويد النظام بالعملة الصعبة، إلى انهيار غير مسبوق في سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي.

تراقب موسكو عودة التظاهرات داخل حدود سوريا المفيدة، وهي تعاني أصلا من صراع داخل المنظومة الحاكمة وتباين مع الشريك الإيراني حول العديد من الملفات التكتيكية بالرغم من التوافق الاستراتيجي المكلف، لكنهما لا يملكان حلا ينقذ ما تبقى من نظام عجز عن اختيار رئيس لحكومته يملك الحد الأدنى من الإمكانيات لمواجهة المرحلة. 

أما رأس النظام السوري فيبقى منشغلا بإعادة ترتيب جهازه الأمني والعسكري على خلفية خلافه الأخير مع ابن عمته، رامي مخلوف، من أجل ضمان ولاءات بيئته الطائفية، فيما تستمر طهران، المغامرة بمستقبل لبنان من أجل حماية الأسد، بدعوتها السوريين إلى تطبيق نموذج الصبر الاستراتيجي في مواجهة العقوبات.

يشكل قانون “قيصر” ضربة موجعة لسوريا المفيدة، ويفتح الباب واسعا حول النقاش بجدوى بقاء الأسد والنظام عندما تصبح ضريبة خروجه أقل كلفة من ضريبة بقائه.

السابق
«الفتنة النقدية» تهزّ الحكومة اللبنانية ولا تُسْقِط.. الحاكم
التالي
حصيلة ليلة الشمال الحزينة..أكثر من 80 جريحاً!