المعادلة السحرية لحكّام لبنان وسوريا

سوريا لبنان

استيقظ الرئيس السوري بشّار الأسد، من قيلولة بعد ظهر الخميس الفائت، وراح يركض حول سريره الوثير، وهو يصرخ: Eurêka.

ضحك لنفسه هذه الضحكة المعهودة، فهو وجد كلمة إغريقية لا حرف “سين” فيها، ليُبلِغ نفسه بنفسه، بفحولة قلّ نظيرها، أنه “وجدها”.

وكما أرخميدس وجد “قاعدة الطفو” التي حلّ بموجبها مشكلة معدن تاج ملك سيراكوز، كذلك وجد الأسد “قاعدة الطفو” لحلّ مشكلة الانهيار المالي ـ الاقتصادي ـ الأمني ـ العسكري لبلاده، فأطاح برئيس حكومته عماد خميس.

كبرياء سلطويي لبنان أكبر من كبرياء بشّار الأسد. لم يشبّهوا أنفسهم بأرخميدس الذي أكل الدهر عليه وشرب، بل ذهبوا الى مُلهِمهم الأعظم، فاقتدوا، فخورين، بالرئيس السوري نفسه، فسارعوا إلى توزيع المناصب على “أزلامهم”، وعطّلوا التشكيلات القضائية حتى يحموا “أزلامهم” الآخرين، وفي محاولة متجدّدة لإطاحة رأس رياض سلامة، وهو “عماد خميس” النظام النقدي في لبنان، سَحَروا من جالوا، يوم السبت الماضي، مهدّدين بحرب طائفية، برفعهم شعار” شيعة. شيعة. شيعة”، فحوّلوهم إلى علمانيين، فأصبحوا ينادون” إسلام. مسيحية. يلعن إم الطائفية”.

اقرأ أيضاً: «حزب الله» و«17 تشرين»… وجهاً لوجه

تريدون الخروج من الكارثة، أخرجوا لبنان من الارتهان. هذا هو الحل

“قاعدة أرخميدس” في سوريا التي أصبحت “قاعدة الأسد” في لبنان، تسخر من كل المعايير العالمية المجرَّبة، وهي تقوم على المعادلات الآتية:

الردّ على قانون قيصر، يكون بتوسيع قاعدة الترهيب.

الردّ على فقدان الثقة، يكون برفع حالة الشك.

الردّ على شح البضائع، يكون بإقفال المحال التجارية.

الردّ على غضب الناس، يكون بتقديم ما يتوافر من أكباش للمحارق.

الردّ على السلاح الشرعي، يكون بإسقاط الشرعية.

الردّ على ضحالة المداخيل، يكون بالسطو على ما تبقّى للمواطنين من مال وممتلكات.

“وجدوها” في لبنان وسوريا، فلا قيمة لا لوطن ولا لشعب ولا لاقتصاد ولا لمجتمع. القيمة الوحيدة متداخلة بين عشّاق التسلّط وبين مرتزقة “الأجندة الإيرانية”. ومن أجل هذه القيمة السامية كل الكوارث تهون.

إن أمثال هؤلاء لا يتركون للشعب خيارا: إمّا هم وإما هو.

هم أقوى، لأنهم من أجل السلطة والارتزاق لا يتوانون عن توسّل كل الموبقات، بحق الشعب.

كثيرون يطرحون، ليلا نهارا، سرا جهارا، السؤال الأبدي الذي تولّده المشاكل: ما الحل؟

وكأن هؤلاء لا يعرفون أن الحلّ الوحيد لمشكلة اندلاع الحرائق يكون ببذل الجهد لإطفائها؟

إن غياب الثقة الدولية بالحكم اللبناني الذي يخضع لإرادة “حزب الله” أفقد لبنان الثقة الواجبة في بيوت الاستثمار، فشحّ تدفّق الأموال

مشكلة لبنان المالية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية، لا حلّ لها إلا بتدفّق العملات الصعبة.
فمن أين تأتي؟

هذا سؤال في مكانه الخاطئ، لأن الجواب عنه موجود في المخطوطات، منذ اختراع الحرف، وفي الكتب، منذ اختراع المطبعة، وفي المنصّات الإلكترونية، منذ اختراع الإنترنت.

السؤال الواجب طرحه: لماذا لم تعد تتدفّق هذه العملات الصعبة على لبنان؟

قبل الاتفاق على جواب شافٍ عن هذا السؤال، سيبقى لبنان يتدهور من درك إلى درك في الجحيم الذي رُمي فيه.

وللوصول الى هذا الجواب لا بد من وضع كل مسبّبات الكارثة على الطاولة، وهي كثيرة ولكنّ لا ألغاز فيها، ومنها:

• إنّ دخول لبنان، من خلال “حزب الله” المسيطر على القرار الرسمي اللبناني، في حروب المنطقة، وفق أجندة “الحرس الثوري الإيراني”، أَفقَد الحكم اللبناني كل مصداقية في المنتديات الاقتصادية الدولية كما في منظمات المجتمع الدولي.

وما من دليل أسطع على ذلك من طريقة إخفاء “إعلان بعبدا” الذي أعلن لبنان بموجبه، تعهّده، بالنأي بنفسه عن صراعات المنطقة.

• إنّ فقدان لبنان لهذه المصداقية جعله قاصرا عن تنفيذ تعهّداته السيادية المتوافرة في قرارات مجلس الأمن الدولي المتداخلة، فعلى سبيل المثال لا وجود للقرار 1701 من دون القرار 1559 المحظور ذكره في لبنان.

• إصرار المجتمع الدولي على ربط مساهماته (كمؤتمر “سيدر” مثلا) في إنقاذ لبنان من أزمته التي أصبحت اليوم كارثة، بإثبات أنّه دولة تملك ناصية قراراتها.

وحتى اليوم، بقيت المساهمات مجرّد تعهدات، لأن لبنان أثبت عجزه عن الالتزام بتعهّداته.

• إن غياب الثقة الدولية بالحكم اللبناني الذي يخضع لإرادة “حزب الله” ـ رضائيا أم اضطراريا ـ أفقد لبنان الثقة الواجبة في بيوت الاستثمار، فشحّ تدفّق الأموال.

• بدل أن يذهب لبنان إلى معالجة أخطر أمراض الاقتصاد الوطني، أي فقدان الثقة، أمعن في تخفيض المناعة، من خلال إعلان تعثّره عن دفع ما استحق عليه، بالتزامن مع “مصادرة” الودائع، الأمر الذي ربط سقوط الثقة الخارجية بسقوط الثقة الداخلية، فجرّ السقوطان لبنان إلى هاوية انسداد ما تبقى من “معابر نافعة” لتدفقات العملات الصعبة.

“وجدوها” في لبنان وسوريا، فلا قيمة لا لوطن ولا لشعب ولا لاقتصاد ولا لمجتمع. القيمة الوحيدة متداخلة بين عشّاق التسلّط وبين مرتزقة “الأجندة الإيرانية”

• إن لبنان من دول قليلة تتمتّع بميزة إقرار الجميع من دون استثناء باستفحاش آفة الفساد فيه، ولكن بدل معالجة هذه الآفة يلجأ الحكّام إلى الإمعان فيها، بحيث تتنافى شعاراتهم الإصلاحية مع نهجهم السلطوي، وبدل إدخال تغييرات جذرية على هذا النهج، يبيعون الناس أوهاما، من خلال تقديم “كبش محرقة” من هنا و”كبش محرقة” من هناك، مرفقة بوعود “همايونية” كقدرة السيطرة على تدهور العملة الوطنية التي إن صدقت تعني تصفية ما تبقى من احتياطات استراتيجية شحيحة في خزائن “مصرف لبنان”.

• إن العجز أمام واجب مكافحة الفساد يبدو للكثيرين لغزا، ولكنّه، في حقيقة الأمر هو ركن أساسي في الفساد السيادي، فمن يساهم بتقديم رأس لبنان على طبق من فضة للأجندة الإيرانية، يواظب على قبض “الثلاثين من الفضة” المتأتية من الفساد واللصوصية ونهب المال العام.

تريدون الخروج من الكارثة، أخرجوا لبنان من الارتهان. هذا هو الحل.

إن حل الأزمة في لبنان ليس تِقنيا، بل سياسي.

وهذا الحل، لا يكون برمي المشكلة على الموظفين، مهما كانوا رفيعي المستوى، لأنّ المشكلة نابعة من السياسة ومنبثقة من السياسيين.

وهذا الحل واضح وضوح الشمس، وصارخ صراخ الأنين، وصلب صلب الجوع، وهو لا يحتاج إلى مستشارين بل إلى شجعان.

يوم نعثر على هؤلاء الشجعان، حينها، نحن من سوف يصرخ: Eurêka.

السابق
الدولة اللبنانية تتفكَّك: إلى أين؟
التالي
بالأرقام.. ارتفاع أسعار المواد الغذائية 50% وتحذيرات من تداعيات خطيرة!