ما الذي يجري في سوريا؟

سوريا

منذ أكثر من ثلاثة أشهر، نشرت «الإيكونومست» البريطانية تحليلا عن الوضع السياسي والاقتصادي في سوريا، والذي لم يبق منه في ذاكرتي إلا القليل. لكن ما لا يتبخر عن ذاكرتي كل يوم هو تلك الصورة التي وضعتها «الإيكونومست» على غلافها، والتي أظهرت الرئيس الأسد واقفاً بكامل أناقته على كوم من المباني المهدمة، واضعة «انتصار الأسد الأجوف» عنواناً لصفحة الغلاف. استدعيت الصورة من خلال غوغل، وحدقت بها مرة أخرى، واكتشفت أني أتذكر معظم تفاصيلها.

وأنها تدعوني إلى التفكير والتساؤل: ما هذا الذي حصل في سوريا منذ مارس 2011؟ وهل يستحق التمسك بالرئاسة أن يدفع الشعب السوري بجميع طوائفه هذا الثمن الغالي؟ هل يستحق التمسك بالرئاسة تشريد 13 مليون سوري بين الداخل والخارج؟ وهل يستحق التمسك بالرئاسة أن تفقد سوريا نصف مليون قتيل؟ وأستدعي الصورة الآن أكثر عندما تبدأ الأخبار تنتشر أنه حتى هذا الانتصار الأجوف الذي حققه الأسد لن يستمر طويلا.

فهناك خلافات داخل الطائفة العلوية حول توزيع مراكز القوى، الذي امتد فيه التنافس إلى القوات المسلحة. وهناك التنافس بين إيران وروسيا على النفوذ في هذا البلد المحطم. ولعل الأسوأ للنظام هو تغيير رؤية روسيا لدور النظام في مستقبل سوريا. فبعد أن كانت روسيا تنظر إلى نظام الأسد كضرورة للاستقرار، ترى الآن أن استمرارية الأسد أصبحت عامل عدم استقرار. وأخذ الإعلام الروسي ينشر ما يؤكد هذا، ويؤكد ضرورة تغيير النظام لتحقيق الاستقرار. وقد أخذ هذا الصراع المضمر بين الأسد وروسيا يظهر من خلال وسائل الإعلام لكلا البلدين. فقد ذكر زافي بايل في «هآرتس» الإسرائيلية في 10 مايو أنه مما أزعج الروس أن المقاتلين في ميليشيات النظام أكثر عددا وأفضل تدريبا من أفراد الجيش السوري. لذا قامت روسيا بدمج قوات النمر في 2019 التي كان قد أسسها رامي مخلوف بالجيش السوري مع تغيير اسمها إلى الفرقة 25 للقوات الخاصة.

اقرأ أيضاً: التوتر يعود لمهد الثورة.. النظام السوري يخطط لاقتحام درعا عسكرياً!

فقد كان هدف روسيا بناء جيش نظامي محترف لا يتدخل بالسياسة. وقد ضغطت روسيا على الأسد ليعتقل الجنرال غسان بلال – مدير مكتب أخيه ماهر- والحليف لإيران التي كانت تدفعه ليتولى منصب رئيس المخابرات. وكما ذكرت «هآرتس»، طلبت روسيا من الأسد أن يدفع لها ديونا سابقة وحالية تقدر بخمسة مليارات دولار. وعندما أظهر عدم تمكنه، طلبت منه أن يأخذها من ابن خاله رامي مخلوف، المتحكم بشركة الهواتف سيرياتل، مظهرة صورا عن حياته وقصوره في دبي. لكن رامي مخلوف رفض وهرب إلى دبي. كما سمحت روسيا لألكسندر شوميلين – الدبلوماسي السابق ومدير معهد أوروبا للشرق الأوسط في موسكو – أن يكتب «على الكرملين التخلص من الصداع السوري، وأن المشكلة هي الأسد وبطانته الفاسدة». وأضاف: «أن الأسد غير قادر على قيادة البلد، وأنه سيجر روسيا إلى مستنقع شبيه بالمستنقع الأفغاني»، أو أن يقدم الأسد تنازلات للمعارضة العلمانية من ضمنها كتابة دستور جديد وتشكيل حكومة مقبولة دوليا.

ويبدو أن بشار الأسد لن يقدم تنازلات، كما يظهر من خلال مقال نشره النائب المقرب له خالد العبود. والحقيقة أني فوجئت عندما قرأت في القبس بتاريخ 10 مايو الحالي، أن ينشر العبود مقالا تحت عنوان «ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟». وانتقد النائب العبود محاولة روسيا تحجيم أو مصادرة دور الأسد، مضيفا أن «الأسد لم يكن بحاجة لبوتين ليدافع عنه، وقد حضر إلى سوريا بشكل مدروس من الأسد لمنع تطور عدوان الولايات المتحدة»، خاتما بقوله «ماذا لو أراد الأسد أن يلحق الهزيمة ببوتين؟».

وهناك صراع داخل أعمدة النظام نفسه، وهناك صراع في القرداحة بين عائلة الأسد نفسها. وهناك صراع بين عائلة الأسد من جهة وعائلة مخلوف. وهناك صراع بين النفوذ الإيراني والنفوذ الروسي. فروسيا بعدم اعتراضها للطائرات الإسرائيلية التي تقصف المواقع الإيرانية، كأنها تشجعهم ضمنيا. بل هناك دلائل على أن روسيا لا تسمح لسوريا باستخدام نظام الصواريخ S300 الذي زودت به الجيش السوري باعتراض الطائرات الإسرائيلية. الوضع في سوريا مقبل على تغيرات، فقبضة الأسد على السلطة وتنافسه مع ابن خاله رامي مخلوف، وحتى مع أخيه ماهر، أصاب النظام بالوهن.

وستظل صورة الرئيس الأسد بأناقته واقفاً على ركام المباني، دعوة لي ان أكتب عن سوريا وأفكر بسوريا. وكما يقول الفنان سلفادور دالي «أن تحدق هو أن تفكر». فسأظل «أحدق» بهذه الصورة التي لن تمحى من ذاكرتي.

السابق
بين الموت فقرا أو بـ«كورونا».. لبنان نحو «مناعة القطيع»؟
التالي
إقفال مدارس ولا رواتب للأساتذة.. إنهاء العام ‏الدراسي يُفجّر الأزمة التربوية!