لا تأخذوا الموظفين النظيفين بـ«جريرة» المخلين!

يكثر الكلام هذه الأيام ومنذ موجة العولمة الرأسمالية عن الموظفين بما يشكلونه من عبء على خزينة الدولة. و"بيحورو وبيدورو" بعض رجال الأعمال اللبنانيين والسياسيين من المشدوهين بالخصخصة وبمنافع صندوق النقد الدولي من أمثال محمد شقير ونقولا شماس رئيس جمعية تجار بيروت وغيرهم، 'بيحورو وبيدورو تيقولو" إن الخطيئة الكبرى كانت في اقرار سلسلة الرتب والرواتب ورفض الخصخصة وعدم اقرار قانون جديد يلغي الوظيفة العامة أو يقصقص أظافرها..

يا ليت يقفلون أفواههم للأسباب التالية:

1- أثبتت العولمة الرأسمالية فشلها ومعها أكذوبة فتح السوق والأسواق الحرة وتحرير حركة الرأسمال. حلت كوارث مع ازدياد الفقر في العالم واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء.

2- الموظف اللبناني يشرف الجميع بعمله الدؤوب وبراتبه الجامد المتواضع. تحية لأفراد الجيش اللبناني، حماة الوطن والناس. تحية لكافة القوى الأمنية ولموظفي التمريض والذين نقف لهم اجلالا في أزمة الكورونا، فيما القطاع الاستشفائي الخاص لا نسمع منه الا الشحادة من الدولة ووفاة من لم يسمح له دخول المستشفى.. تحية لأساتذة التعليم الرسمي وأساتذة الجامعة اللبنانية وكافة موظفي الإدارات الرسمية. 

اقرأ أيضاً: هكذا يستفيد الشعب لا الساسة من «صندوق النقد»!

3- نعم ينعم الموظف العام بتقاعد وبضمان حد أدنى فيما القطاع الخاص يرمي بأجرائه في المزبلة والعذاب والمرض بعد بلوغ ال 64 عاماً دون تقاعد ودون ضمان صحي. أي في عمر حيث الإنسان هو في أمس الحاجة لهذه الضمانات.هذا التقاعد هو الحد الأدنى المفروض في أي دولة تحترم مواطنيها. تستكترون يا معشر المصفقين للخصخصة على الموظف هذا التقاعد الذي لا يكفي أصلاً للعيش الكريم.

الأكثر إنتاجاً

4- القطاع الخاص هو أكثر إنتاجاً. هذا صحيح جزئيا ولكنه يخفي قطبة خطيرة. هو أكثر انتاجاً لأنه ينهش العمال ويستغلهم ويربطهم بعقود مؤقتة ويطردهم عند أول غلطة، فيما الموظف العام مطمئن لأن ثمة قوانين ترعى التأديب وثمة أصول ديمقراطية وحقوق دفاع. في القطاع الخاص تحكم شريعة الغاب بدليل عمليات الطرد بالآلاف التي حصلت مع أزمة الكورونا. في حالة الموظف العام ثمة دولة ترعى الأمور.

في حالة الأجير في القطاع الخاص ثمة أسد إسمه صاحب عمل (معبرة تسميته السابقة رب عمل والتي طرحنا استبدالها بصاحب عمل) يسرح ويمرح ويبرطل ويطرد ويعاقب ويوظف أصحاب الزنود security للتصدي لأي عصيان. وعلى فكرة في المستشفيات ذات التسميات الدينية عناصر security للتصدي جسديا للفقير الذي يحاول إدخال المريض بالقوة ولو في الطوارئ (اذا ما معو 500 دولار). 

5- فشل القطاع العام. نعم صحيح جزئيا ولكن لأن الدولة كانت منخورة ومتواطئة ومنحازة ومرتشية وجميع الوزراء الذين قادوا البلاد تواطأوا على القطاع العام. ولأن مافيات الرأسمال تلازمهم ومندحشة بمؤخراتهم وتوهمهم وتوعدهم بفعل الرشاوى ولو غير المباشرة. القطاع العام لم يفشل بل أفشلوه. ونسأل: لماذا تقاعس الوزراء المتعاقبون والمدراء عن تطبيق قانون الموظفين الذي يلحظ وبصورة حضارية أصول معاقبة الإخلال بالوظيفة العامة. 

الجامعة اللبنانية وانعدام الأمل

6- تجربتي بدون لف ودوران: لم أدرس إلا في الجامعة اللبنانية ولي شرف الانتماء الى ملاكها ومتقاعد الآن. وأنا معروف بانتقاداتي لسير عملها والوسايط وتدخل أبشع ما مر على البلد من سياسيين وزعران.. حتى أنني فقدت الأمل أخيرا بتحسين وضعها. ولكن الآن ومع الابتعاد وبعد تجربة تدريسية في القطاع الجامعي الخاص أقول ما يلي: رغم الشوائب التعليم الرسمي يبقى الحاضنة الشريفة، المريحة، الأخلاقية، المعطاءة دون مقابل. يقال أحيانا إن الأستاذ في الجامعة اللبنانية (أو الموظف العام) أو في التعليم الرسمي هو أكثر حرية يأتي متى يشاء ويغيب متى يشاء وثمة فوضى بالتالي.. هذا غير صحيح البتة. بامكان المدير في أي ادارة توجيه إنذار عند أول غياب غير مبرر، ثم انزال عقوبات تصاعدية… وكذلك الدوام: ساعة التدريس هي ساعة تدريس وأي اخلال يؤدي الى معاقبة الأستاذ.

المشكلة هي في تقاعس المدراء عن تطبيق قالقوانين. والحق يقال إن ثمة فارقا بالمعاملة: الموظف الرسمي أو الأستاذ اذا غاب أو تقاعس بعض الشيء لن يطرد مباشرة ويعامل كما في اسطبل المدارس الخاصة.. وهذا التعامل الراقي مع الموظف يؤدي الى تحسين أدائه والى مزيد من العطاء وبدون مقابل. الإنسان غير المحترم لا يعطي بل يخال لك أنه يعطي. يوهمك أنه يعطي. 

كلا المشكلة ليست في عدد الموظفين الحكوميين.. فليطرد من دخل الوظيفة العامة بالواسطة ولا يتمتع بأي كفاءة..

7- لماذا يا ترى النجاح هو غالبا مئة بالمئة في الثانويات الرسمية في الشهادات الرسمية لا سيما البكالوريا القسم الثاني؟ لأن المدراء جديون ويسهرون ويعاقبون.. المشكلة هي في الأداء. 

8- المشكلة في الأداء: فليعاقب مباشرة الموظف المخل بواجباته، سواء كان أستاذا يغيب ولا يؤدي مهمته بجدية أم عسكريا يمارس التعذيب على شباب وشابات الحراك المنتفض ضد الفساد، أم ممرضا متقاعسا ينام في غرف الطوارئ.. 

اقرأ أيضاً: إذا فَسُدَ «الملح».. بماذا «نكافح»؟!

9- أكرر موقفي: أنا مع الغاء التعليم الخاص كليا في لبنان ومع مدرسة وجامعة واحدة رسمية حكومية كما في فنلندا، الدولة الرأسمالية بامتياز.. كما أنا مع إلغاء القطاع الاستشفائي الخاص برمته (مع بعض التلطيفات). 

10- كلا المشكلة ليست في عدد الموظفين الحكوميين.. فليطرد من دخل الوظيفة العامة بالواسطة ولا يتمتع بأي كفاءة.. المشكلة ليست في العدد: بل يجب أن نزيد من عدد الموظفين! نحن بحاجة للمزيد من الموظفين الحكوميين وفي كافة المجالات. كما بحاجة لزيادة رواتبهم ووضع سلسلة جديدة وسلم متحرك للرواتب والأجور.دعاء أخير: فلينعم الموظف براحة لا مثيل لها هو وأولاده ولكن.. فليعاقب حسب الأصول عند أول إخلال بوظيفته. 

السابق
فيول غير مُطابق يُعطّل معملي الذوق والجيّة.. وتبرير من وزارة الطاقة!
التالي
«الكورونا» في عقر دار جميل السيّد!