السيد محمد حسن الأمين: عبادة الصوم هي قوة الإمتناع أمام المغريات

آثر العلامة السيد محمد حسن الأمين أن يطلق على “عبادة الصوم مصطلح عبادة الامتناع”، وعزا ذلك الى أنّ “العبادات الأخرى جميعها عبادات إيجابية تدعو لفعل شيء، أو تدعو للامتناع عن شيء، فيما عبادة الصوم أريد لها أن تكون ذات خصوصيّة عبّر عنها رسول الله في حديث قدسي بالقول عن الله سبحانه وتعالى: [كلّ أعمال ابن آدم له إلّا الصوم فهو لي وأنا أجزي به]”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: العلم يقود إلى التطلع لا إلى إنكار الدين

معاني شهر رمضان

وأردف خلال شرحه لمعاني شهر رمضان ان “المتأمّل بهذا الحديث القدسي لا بدّ أن يتوقّف عند هذه الخصوصية لعبادة الصوم، مع العلم أنّه ليس أهم من عبادة الصلاة وعبادة الحج وغيرهما من العبادات الضرورية”. وتابع”: ثم لا يلبث المرء أن يلتفت إلى أنّ عبادة الصوم في الواقع هي عبادة سريّة، أي لا تكون أمام أحد من الناس، بل هي محصورة بين المكلّف وربّه، وليس فيها منفعة معنوية للنفس فقد يكون المرء مفطراً ويظهر أمام الناس أنّه صائم، وقد يصلي الإنسان وبعض ما في نفسه إشهار عبادته للصلاة، وكذلك الحج، أمّا الصوم فلا يمكن أن يتبجّح به المكلّف لأنّه كما قلنا عبادة سريّة لا يعرف فيها تمام المعرفة إلّا الله تعالى والشخص المكلّف بهذه العبادة”. 

واذ ارجع هذا التقديم  إلى محاولته أن يستخلص ما يراه مقصداً من مقاصد الشريعة في تشريعها لهذه العبادة، قال”: فهي تذكرنا بأنّ الامتناع أحياناً هو أولى من الفعل، وأكثر تهذيباً للنفس من العبادات الإيجابية وصياغة شخصية الإنسان لكي يكون جزءاً من اجتماع إنساني راقٍ كما يريده الإسلام، هو أن يدرّب نفسه على قوّة الامتناع أمام المغريات، وحتى أمام الحاجات الضرورية”، وأضاف “:الامتناع هنا سلبي شكلاً، ولكنه في غاية الإيجابية من حيث المضمون، ونحن كمسلمين مطالبون بالامتناع عن أشياء كثيرة، هي من المحرّمات، والتي تحتاج النفس للامتناع عنها إلى تدريب وهذا التدريب كما هو مطلوب بحكم العقل، وبحكم طاعة الله سبحانه وتعالى، فهو أيضاً أريد له أن يدخل في باب العبادة”.

الأمين: عندما سمّيته عبادة الامتناع، فكما يجب أن نتدرّب على العبادات الإيجابية، والأعمال الإيجابيّة يجب بصورة أوْلى أن ندرّب النفس على قوّة الامتناع، وهي قوة ليست بالهينة

وقال”: لا يعني ما أشرنا إليه أنّ عبادة الصوم أدّت دورها أو حقّقت مقاصدها في الاجتماع الإسلامي، فما نراه من سلبيات هذا الاجتماع، وصراع الأهواء والشهوات ما زال يذر قرنه بالاجتماع الإسلامي، سواء في دائرة الفرد أو الأسرة أو الجماعة، بل وفي خلايا الأمّة الإسلاميّة كلّها”، واعطى: “الشواهد على ذلك كثيرة لسنا بصدد تعدادها، بل بصدد الإشارة إلى الواقع الراهن المتصل بالصراعات والحروب الدمويّة بين المسلمين، وبالانقياد إلى شهوات السياسة والمال والسلطة، ولا نرى آثاراً فاعلة لقيَم الامتناع التي وصفنا بها عبادة الصوم”.

عبادة الامتناع

ورأى أنّ المقام بحاجة إلى الإشارة إلى “مفارقة عجيبة، إذ من البديهي أنّ أحد مقاصد الصوم هو الإقلال من الطعام والشراب، وإقامة الولائم الحافلة بما لذّ وطاب للمحتاجين ولغير المحتاجين، وإن كانت هذه الظاهرة أبرز منها في المجتمع الميسور، فكأنّ شهر رمضان بدل أن يكون شهراً للتقشّف صار موسماً لاختيار اللذائذ من طعام وشراب، والإسراف في ذلك، والتباهي بالموائد العامرة”، وأضاف”: وأوجع ما في الأمر أنّ هذا يحصل وفي المجتمع الإسلامي عموماً درجة الفقر والحاجة تدعو للشعور بالألم، ولكن لا تستدعي من المفرطين في الإسراف أن يشعروا بحاجة هذه النسبة الكبيرة من فقراء المجتمع”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: حق «الفردانيّة» أقرّه الإسلام كضرورة للتنوّع

وشد على انه “من هنا اخترت أن تكون دعوَتي في هذا الشهر الكريم لفتةً عميقة إلى مقاصد الصوم، عندما سمّيته عبادة الامتناع، فكما يجب أن نتدرّب على العبادات الإيجابية، والأعمال الإيجابيّة يجب بصورة أوْلى أن ندرّب النفس على قوّة الامتناع، وهي قوة ليست بالهينة، بل هي من القوى التي يدركها المرء بالفطرة”. وتابع “ألا ترى مثلاً أنّ احتجاج كثير من السجناء المظلومين يأخذ شكل الامتناع عن الطعام ما يشكّل ضغطاً على الحكام الظالمين! فالامتناع إذن قيمة إنسانيّة سامية، نأمل أن ندرك معناها العميق من خلال ممارسة الصوم في هذا الشهر المبارك، وأن ندرج هذه العبادة في برنامج إصلاح النفس، وإصلاح الجماعة في آن واحد”.

وخلص إلى الإستشهاد بالإشارات “في الأحاديث النبوية وأحاديث الأئمة كثيرة بما معناه: ما يريد الله بجوعكم وعطشكم فائدة يستفيدها، ولكن يريد به تهذيب النفس، وامتناعها عن المحرمات والأحقاد والتباغض وفق الصورة العليا السامية التي وردت في القرآن الكريم، والحقّ أنّنا لا نستطيع أن نحقق هذه الغاية الأخروية دون أن نعمل على تحقيقها في هذه الدّنيا التي هي دار امتحان الإنسان”. 

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج العاملي)

السابق
هل من اصابات جديدة بـ«كورونا» في برجا؟
التالي
«المبادرة المدنية» لبيار فتوش: زمن القضاء «الفتوشي» قد ولى!