هل إنتهى عصر «الحاكم» بأمر المال.. والسياسة؟!

لعله حان الوقت لعرض الجزء الأخير من المسلسل اللبناني الطويل والممل “السلطة والمال”، الذي لطالما إكتوى اللبنانيون بنار شجع “أبطاله” الكثر وجبروتهم وسطوتهم. حلقات فضائحية تكشف المكشوف أصلا، من التلاعب بعقول وأموال ومصير جزء كبير من “الشعب المسكين”، عبر روايات مغلوطة و وقائع مفبركة لتقاذف المسؤوليات التاريخي، تجري معظم احداثها في أروقة الحكومات والبرلمان.. ومصرف لبنان!.

بداية، لا يمكن الفصل بين حاكمية مصرف لبنان والسلطة السياسية لجهة السياسات النقدية التي اعتمدت طيلة السنوات الماضية، والتي قامت في جوهرها على تأمين القروض للحكومة لتغطية النفقات للدولة اللبنانية، في ظل سياسة اتسمت بالهدر المالي وغياب اي خطة اقتصادية ومالية تحدّ من العجز في الموازنة.

إقرأ أيضاً: علي الأمين تعليقا على خطاب نصرالله “الكوروني”: أظهر مجددا أولويته الايرانية!

على مدى سنوات استمر مصرف لبنان في تلبية طلبات الحكومة، على رغم المخاطر التي كانت تحيط بهذا المسار، الذي وصل بلبنان الى ما نحن عليه اليوم، من تهديد حقيقي يطال اموال المودعين صغارهم بالدرجة الاولى وبعض كبارهم الذين لم يحالفهم الحظ في اخراج اموالهم من دائرة الخطر، كما فعل آخرون.

لم يكن حاكم مصرف لبنان بمنأى عن هذا الانهيار الذي طال العملة الوطنية، ولا حجز اموال المودعين، ولا التهديد الفعلي الذي يطال النظام المصرفي، بسبب جشع المصارف من جهة وسياسة اركان السلطة التي استسهلت الاستدانة والاستدانة لتمويل نفوذها الفئوي وحماية الفساد وتمويله.

لم يكن حاكم مصرف لبنان الاّ الموظف المطيع لهذه السلطة، وهذه الطاعة التي تجعل من اتهام الحاكم في التواطؤ مع السلطة امرا موضوعيا، طالما أنه قرر تغطية هذه السياسات بتمويلها، وطالما انه لم يتوقف عن الخروج على اللبنانيين بطمأنتهم زورا باستقرار سعر الصرف وثبات العملة الوطنية.

الهندسات المالية التي ادارها حاكم مصرف لبنان، اجراء مالي نفذه مصرف لبنان، بطلب من السلطة، التي لم تولي اي اهتمام بتداعياتها، في ظل اصرارها على عدم وقف مزاريب الهدر والفساد، وقطاع الطاقة نموذج ومثال صارخ على هذا الهدر والفساد، وليس استثناء.

مسؤولية حاكم مصرف لبنان لا تتصل بالسياسات الاقتصادية، ولا في الخيارات السياسية التي اعتمدتها السلطة على مستوى السياسة الخارجية وأدت الى تفاقم الأزمة الاقتصادية، ولا تقع مسؤولية الحاكم في كل هذا المسار السياسي الذي قام على الفساد والمحاصصة والاستهانة في المال العام والذي تتحمل السلطة السياسية المسؤولية الأولى في رسوخه واستمراره، لكن الحاكم لم يكن خارج المسؤولية ولا القطاع المصرفي الذين رضخوا لمتطلبات بقاء السلطة واستمرارها في مقابل منافع فئوية أو طموحات سياسية، كانت اشبه بالمقامرة التي جعلت النظام المصرفي اليوم على المحك، بل في حالة انهيار سيصعب لجمها، و”يستحيل اعادة الثقة لهذا القطاع في مدى عشر سنوات مقبلة” على حد تعبير الرئيس فؤاد السنيورة.

السلطة السياسية والمصارف وحاكم المصرف، هم في نفس المركب، ولكن من دون ان يُسقط ذلك في وهم ان الحاكم هو اكثر من منفذ لتعليمات السلطة، ولا أن الحاكم ايضاً هو خارج التواطؤ معها، كذا المصارف التي في جوهرها هي حصيلة تزاوج بين الطبقة السياسية الحاكمة ورجال المال والأعمال، غير ان ما يجري اليوم هو عملية البحث عن كبش فداء، من الواضح ان الحاكم هو الحلقة الأضعف، كبش الفداء هنا يتمثل في محاولة تحميل تبعات السياسات الحكومية وتداعيات سياسات السلطة على شخص الحاكم وعلى المصارف، وهو سلوك ينطوي على محاولة اعادة تبييض ما أمكن من صفحات السلطة السوداء، اكثر مما هو “تسويد” لصفحة الحاكم او المصارف، واعادة اللعبة السياسية الى مساحة تستطيع السلطة التحكم بها، بعدما هددت ثورة ١٧ تشرين قواعد اللعبة السياسية، فمحاولة اظهار ان الصراع بين فئة تقف وراء السلطة التي يديرها حزب الله وفئة اخرى خلف حاكم مصرف لبنان والنظام المصرفي، هو المشهد الذي يراد تظهيره، ومحاولة اصطناع خلاف بين الفئتين هو من قبيل الافتعال الى حدّ كبير، ولكن افتعال يستهدف حصر الصراع هنا وليس بين الشعب والسلطة.

العلاقة بين “حزب الله” وحاكم مصرف لبنان، ليست متناقضة، والاتصالات والخدمات المتبادلة لم تتوقف، والمصارف الشريكة في اسباب الأزمة التي تطال المودعين ووجودها، تستجيب لمتطلبات السلطة، وهي جاهزة حتى اليوم لتنفيذ أوامر رأس السلطة اي “حزب الله” الى حد كبير، فالحزب يحرص على ان يكون هو من يتخذ القرارات كما حصل في شأن المودعين الصغار وتحويل الأموال الى الطلاب اللبنانيين في الخارج، وان لا يعطي الحكومة التي شكلها ان تكون هي من تصدر عنها القرارات، ليس لأن الحكومة رافضة لها، او غير راغبة في اتخاذها، بل بسبب بات واضحا هو الشعبوية من جهة وقول “حزب الله”.. نحن من يقرر.

حاكم مصرف لبنان يستجيب لهذه اللعبة ويخدم سياسة السلطة كما كان ويبقى، وبقاؤه حاكما يشكل حاجة للسلطة طالما انه صار يتوهم البعض انه مركز سلطة في وجه “حزب الله”، هذا الوهم الذي يجري ترسيخه يشكل فرصة لترسيخ السلطة القائمة ومجالا لانجاز تسوية مع الخارج تحفظ بقاءها وتحمي وجودها، تسوية بين اطراف السلطة واللعبة التي قامت انتفاضة ١٧ تشرين بشعار “كلن يعني كلن”. كفى الله لبنان شر المال!

السابق
مستشارة دياب تُطمئن اللبنانيين: منحى الإصابات والوفيات بدأ يتخذ وضعًا ثابتًا!
التالي
إصابات «الكورونا» ببرجا الى ارتفاع.. ماذا عن حالات الشفاء؟