الإسلاميون والكورونا: مؤشرات إيجابية ينبغي التوقف عندها

كورونا يفتك بايران

شكّل انتشار فيروس وكورونا ،وتداعياته الاجتماعية والصحية والاقتصادية والدينية، تحديا جديدا وغير مسبوق للقوى والحركات الاسلامية في العالمين العربي والاسلامي، وخصوصا تلك الحركات الناشطة سياسيا واجتماعيا ودينيا ، سواء كانت هذه الحركات منخرطة في السلطة ومؤسساتها (كما هو الحال في ايران وتركيا ولبنان وتونس والمغرب وصولا لماليزيا وغيرها من الدول)، او كانت من ضمن قوى المعارضة وتواجه مخاطر السجن والمواجهة ( كما هو حال الاخوان المسلمين في مصر وجمعية الوفاق في البحرين وغيرها من الدول)، او ان هذه الحركات لها دور فاعل في الصراعات الدائرة في دولها (كما هو الحال في سوريا واليمن وليبيا )، او انها تجمع بين السلطة والمقاومة (ونموذج حركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان)، او انها حركة مقاومة ( كحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين)، ويضاف لذلك بعض الجمعيات والهيئات الاسلامية المنتشرة في معظم بقاع الارض وقد يكون تركيزها على العمل التربوي والديني والثقافي والانساني، طبعا لن يشمل الحديث بعض المجموعات الاسلامية المتشددة (كتنظيم داعش ومن يشبهه لان له خصوصية معينة)، ونستطيع ان نطلق صفة الاسلاميين على كل هذه الحركات الاسلامية كونها تنشط في المجالات السياسية والدعوية والجهادية والتربوية والدينية.

اقرأ أيضاً: انتكاسةٌ مزدوجة استعاد معها «كورونا» مساره المُقْلِق في لبنان

فكيف تعاطت هذه الحركات والقوى والجمعيات الاسلامية مع هذا الفيروس القاتل وانتشاره وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية والامنية والصحية؟ وهل كانت بمستوى التحدي الجديد بعد ان تحوّل الى وباء عالمي يطال كل البشر دون استثناءات عرقية او دينية او طائفية او مذهبية او طبقية؟

من خلال متابعة اداء بعض هذه الحركات والهيئات الاسلامية في العديد من الدول العربية والاسلامية، يمكن القول اننا نشهد على تطور العقل الاسلامي الحركي الى مستوى متقدم، وانّ هذه الحركات قدّمت نماذج مهمة يمكن البناء عليها مستقبلا، وتؤشر الى تقدم الجانب المدني والانساني والعلمي والاجتماعي في الرؤية الاسلامية في مواجهة العقل الخرافي او الانتقامي او الفوضوي او اللانساني.

فحركة الاخوان المسلمين في مصر تجاوزت كل مشاكلها السياسية والحقوقية وما تعانيه من النظام المصري من اضطهاد وحرب اعلامية واشاعات ، وقدّمت مبادرة متكاملة في كيفية التعاطي مع فيروس كورونا ومواجهته ، وذلك عبر المؤتمر الموسع الذي عقدته الكترونيا وشارك فيه اطباء ومتخصصون، وتم تقديم العديد من الافكار للمساعدة في مواجهة هذا الفيروس سواء في مصر او العالم العربي والاسلامي.

اما حركة حماس وبالتعاون مع حركة الجهاد الاسلامي وبقية القوى الفلسطينية فقامت بالعديد من المبادرات العملية والسياسية والامنية لمواجهة أثار فيروس كورونا وصولا لإطلاق مبادرة تبادل بين الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية بالجنود الاسرائيليين الذين اسرتهم الحركة، كما تم تكليف عناصر وكوادر المقاومة في قطاع غزة للمشاركة في مواجهة الفيروس وأثاره.

وفي لبنان قام حزب الله والجماعة الاسلامية والعديد من الجمعيات والهيئات الاسلامية بمبادرات مهمة ومتكاملة وعلى مستوى وطني لمواجهة اثار الفيروس وكيفية استيعاب اضراره الصحية والاجتماعية وتقديم الدعم للمتضررين منه، اضافة لدعم ما تقوم به الاجهزة الرسمية من مبادرات وخطوات لمواجهة الفيروس.

وفي ايران وتركيا  عمدت سلطات البلدين لاطلاق حملة شاملة لمواجهة الفيروس، وان كانت المخاطر التي واجهتها ايران اوسع واشمل ، وانخرطت المرجعيات الدينية والسياسية والعسكرية في المواجهة، وفي تركيا تجندت كل مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني لتداراك تداعيات الانتشار ومنع توسعه ومعالجة اثاره ، وفي البلدين شهدنا جهودا علمية مميزة للوصول الى اللقاحات المناسبة والحلول العلمية لمواجهة هذا الفيروس.

وعلى مستوى المرجعيات الدينية المركزية شهدنا العديد من المبادرات للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ورئيس جامعة المصطفى في ايران والمرجعيات الدينية في العراق ومصر وتونس وغيرها من الدول العربية والاسلامية.

هذه بعض الصور النموذجية لكيفية تصدي الاسلاميين عامة لهذا الفيروس، طبعا لا يخلو الامر من وجود مجموعات او تيارات اسلامية تعاطت باسلوب متخلف مع الحدث من خلال الوقوف بوجه المنطق العلمي والصحي او اعطاء تفسيرات دينية تقليلدية لما يجري ، او اجراء اسقاطات تاريخية او روائية غير دقيقة، وصولا لقيام البعض بوضع انتشار هذا الفيروس في اطار المعارك السياسية والطائفية والمذهبية.

نحن اذن امام تجربة جديدة على صعيد القوى والحركات الاسلامية في تعاطيها مع تحدي عالمي جديد ويطال كل البشرية، وبمقادر ما تنجح هذه القوى والحركات على تقديم النموذج الافضل في مواجهته ، بمقدار ما تستطيع ان تحجز لها مكانا في العالم الجديد ما بعد كورونا وتداعياته.

ويضاف الى كل ذلك الحاجة الماسّة لدراسة ما يجري من منظور فلسفي وفكري وانعكاس هذا الفيروس على كل الواقع الدولي والاقتصادي والسياسي، وهذا يتطلب عقلا علميا مفتوحا مبنيا على المعلومات والمعطيات والوقائع ، وليس على التمنيات والرغبات ومنطق الانتقام او تنزيل التاريخ والماضي عى الحاضر والمستقبل.

فهل سينجح الاسلاميون في هذه الحرب العالمية الجديدة؟ وأي دور لهم في المستقبل؟

نحن امام مؤشرات جديدة ومهمة ينبغي التوقف عندها لكن الحرب لا تزال في بدايتها وعلينا متابعة ما يجري في الايام والاسابيع القادمة.

السابق
منظمة حظر الكيماوي تتهم نظام الأسد للمرة الأولى باستخدام السلاح المحرّم دولياً!
التالي
الأسد يستغيث ويطلب الدعم الروسي من أجل كورونا!