السيد علي الأمين يشرح «حديث الوباء»: هكذا يُواجه المؤمنون الكورونا!

السيد علي الأمين
لان العقل مصدر من مصادر التشريع في الفقه الشيعي، لما له صلاحية الحكم والقضاء، فان من واجب الفقيه عرض الاحاديث الشريفة على العقل، فما توافق منها مع قواعده يؤخذ بها، وما تعارض من تلك الاحاديث تؤوّل حسب "مقاصد الشرع".

في بحث فقهي للعلامة الفقيه السيد علي الأمين حول مسألة مستجدة غاية في الأهمية، وهي مسألة تعامل المؤمنين مع تفشي فيروس كورونا المستجد الفتاك في أغلب بلدان العالم، وتبيان الموقف الشرعي من هذا الوباء.

 يقول العلامة الأمين بداية: “أنه لا ينبغي الشك في أن من مقاصد الشرع الحفاظ على صحة الأفراد والجماعات والوقاية من الأمراض”.

إقرأ أيضاً: السيد علي الأمين الى جنيف.. وكلمة عن «التعدّد وثقافة التسامح» في الأمم المتحدة!

 ويعرض بعض النصوص الدينية، منها: ” ألا وإن من البلاء الفاقة، وأشد من الفاقة مرض البدن، وأشد من مرض البدن مرض القلب، ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن..”ومنها “سلامة الدين وصحة البدن خير من المال. . ” ومنها : “الصحة أفضل النعم” وغيرها الكثير من النصوص بهذا المضمون.

حديث “الوباء” وتفسيره الفقهي

ثم يدخل العلامة الأمين في صلب المسألة عندما يعرض للحديث الشريف موضع الجدل ولتفسيره انه في مسألة الوباء والذي تمسّك بعض أهل العلم بما جاء في الحديث وهو : “إذا سمعتم به (الوباء)  في أرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه” .

 فيقول “قد أخذ هذا البعض بالحديث على إطلاقه، وفسره بطلب المنع من زيارة مكان الوباء حذراً من العدوى، وبعدم جواز الفرار من بلد نزوله، هذا، مع أن الخشية من انتقاله بالعدوى من شخص إلى غيره موجودة في الحالين!.

ثم يبدأ العلامة الأمين بتفنيد هذا التفسير الذي يخالف مقاصد الشرع طبقا للقواعد العقلية، فيسأل “إذا كان الإمتناع عن الذهاب إلى مكان الوباء مطلوباً فلماذا لا يكون الفرار من مكان نزوله؟ كذلك الخشية من العدوى إذا كانت تبرر طلب عدم الزيارة لمكان الوباء كما في الحديث المنقول، فهي تبرر جواز الإنتقال من مكان الوباء أيضاً طلباً للوقاية وللدواء إذا لم يكن موجوداً فيه، كما لا يخفى”.

ويشرح العلامة الأمين ” ان منع الفرار من مكان الوباء ليس مطلقاً، وإنما هو مقيد بصورة كون المكث فيه بمثابة الزحف، وفيه إشارة إلى الزحف الواجب، كما لو كان هناك جماعة في حال الرباط على ثغر من ثغور الوطن، وكالموجودين في زماننا لإدارة مرفق عام كالمطارات والمراكز التي تحفظ الأمن والحدود، فإن لزوم المكث في مثل ذلك المكان وعدم جواز الفرار منه لا يعني لزوم الصبر على الوباء بدون وقاية ولا علاج لعدم المنافاة بين الأمرين كما لايخفى. هذا مع الأخذ بعين الإعتبار صعوبة تبديل الأشخاص الذين كانوا يقومون بالحراسة في ذلك الزمان”.

الفرار من الزحف

وزيادة في تفصيل شرحه يضيف العلامة الامين ويورد القصد من “حديث الوباء” المشار اليه آنفا، وذلك بتوضيحه ان ما ورد في أحاديث أخرى، منها: “(الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف)، في قوم كانوا يكونون في الثغور في نحو العدو فيقع الطاعون فيخلون أماكنهم ويفرون منها فقال رسول الله ذلك فيهم) . وهو ما يشير إليه أيضاً حديث آخر (ما من عبد يكون في بلد فيكون فيه يعني الطاعون فيمكث لا يخرج صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد )” .

فيخلص العلامة الامين “ان مناسبة الحكم والموضوع من قوله (فيمكث صابراً محتسباً) و (كان له مثل أجر شهيد) هو لسبب آخر غير الطاعون، كما لو كان البلد الذي يتواجد فيه من الثغور التي تجب حمايتها، فهو الذي يجب عليه أن يبقى فيه صامداً ولا يتركه لمجرد الخوف من الوباء”.

 اذن فان أهل الثغور المدافعين عن البلاد هم المقصودين من الحديث الشارح “من أصابه الوباء منهم فهو مشمول حينئذٍ لقوله تعالى المتضمن لنفي الحرج عن المريض. ومما تقدم يظهر أن الموقف من البلاء كان حكماً طريقياً منطلقاً من الحفاظ على ما تقتضيه المصلحة العامة لخصوصية كانت موجودة في مكان نزوله، ولذلك أتى المنع من الخروج منه، ولم يكن حكماً تعبّدياً شاملاً لكل الأزمنة والأمكنة، كالصلاة مثلا).

لذلك وبحسب الاستنتاج  والأدلة العقلية  يؤكد العلامة السيد علي الأمين  “ان الأحاديث التي تتحدث عن وجوب التمسّك بالأرض وعدم مغادرتها حتى لو أصابها الوباء، هي أحاديث ناظرة إلى هذه الفئة المكلفة بالصبر والصمود في ذلك البلد الذي يجب المكث فيه، وليست ناظرة إلى كل بلد نزل فيه الوباء، ولا إلى كل أهل البلد الذي نزل فيه، فلا يجب على غير تلك الفئة التي يحتاج إليها لحفظ المكان البقاء فيه صبراً واحتساباً، فيجوز الخروج منه لغيرهم من المتواجدين الذين لا علاقة لهم بحمايته، كما في خروج المغتربين والمسافرين من بلد نزل فيه الوباء وعودتهم إلى بلادهم وإن كانت موبوءةً أيضاً، فإن تلك الأحاديث لا تمنع من خروجهم، ولا يتنافى خروجهم طلباً للوقاية والعلاج مع الإيمان والعلم بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، كما لا يخفى”.

 ويختم العلامة الأمين مبحثه الفقهي حول التعامل مع مخاطر فيروس كورونا بنتيجة هي، ان المجاهدين في ساحة القتال والمرابطين في الثغور هم المقصودون بالحديث اعلاه، وذلك كي لا يفروا من ساحة المعركة أو من جبهات القتال و(الزحف) ليخلص ” ان ما تقدم يظهر لنا أنه لا يوجد في الأحاديث ما يمنع من عزل المصابين بالداء وخروجهم من بلد الإصابة طلباً للعلاج إلى مكان آخر يخصص للمصابين حرصاً على سلامة غيرهم، كما لا مانع من خروج الصحيح من بلد الإصابة إلى بلد آخر طلباً للوقاية وفراراً من عدوى المرض، فليس هذا الإنتقال ونحوه فراراً من الزحف”.

السابق
هجوم إيراني مُحتمل على الأميركيين في العراق.. وترامب يُحذّر: ستدفعون ثمناً باهظاً!
التالي
بالفيديو.. صرخة جنوبية: تسرقون الناس و ترددون «هيهات منا الذلّة»!