عندما يستجلب «حزب الله» الموت..ويعطي دروساً في مقاومته!

تعقيم من الكورونا
التواطؤ بين كارتيل السلطة والمال والمصارف وفي ظل وجود سلاح "حزب الله"، حول لبنان الى دولة فاشلة ومعزولة انتجت حكومة اخيراً تقود البلد الى الهاوية.


لقد ولدت وتفاقمت في لبنان – بفضل التواطؤ الخطير بين العصابة السياسية الحاكمة وكارتل المصارف الجشع والقضاء غير المستقل – ارتكاباتُ الفساد بمختلف أنواعه: السياسية والاقتصادية والمالية والمصرفية والادارية والقضائية والتربوية والصحية، وذلك إنطلاقاً من مقايضةٍ غير وطنية وغير أخلاقية شارك فيها كل أركان السلطة من دون استثناء، لقضم المناصب والمواقع والامتيازات والمشاريع، ولو على حساب تثبيت الهيمنة والوصاية الخارجية على لبنان.

وتتلخص المقايضة في تبادل الحمايات بين أرباب الفساد واصحاب السلاح الميليشاوي غير الشرعي. 
وعلى الرغم من افتضاح الحجم الهائل لهذا الفساد، قبيل إندلاع الثورة وبعدها، إلا ان المؤشرات تؤكد بأن أهل السلطه ما زالوا متمسكين بنهج المحاصصة وحماية الفساد، إذ حتى اللحظة لم يُسجن فاسد واحد في “العهد القوي” الذي زعم أن أولى أولوياته محاربة الفساد، ولم يمثُل فاسد واحد امام قوس العدالة.

مسار اجرامي طويل

وبسبب مسار الفساد الاجرامي الطويل الذي انتهجته الطبقة السياسية اللبنانية على مدى عقود، كانت النتيجة الحتمية، تعرّض لبنان بشكل جدي لخطر الانزلاق بالكامل نحو الفقر والجوع والافلاس، بعدما أمعنت تلك الطبقة في نهب المال العام والخاص، كي يحقق الكارتل المافيوزي المصرفي – السياسي، أرباحاً خيالية،

ما افضى إلى الإعلان الصريح عن انهيار نموذجٍ سياسي – اقتصادي قام على اساس المحاصصة التي تتلبس لبوس الطائفية كي تحمي فساد أركان السلطة المستعدين لتعطيل مؤسسات البلد سنواتٍ، من أجل توسيع حصصهم وتثبيت نفوذهم؛ والمستعدين أيضاً لوضع خلافاتهم جانباً والتحالف معاً، لتأمين ديمومة سلطتهم، ضد أي إرادة شعبية ترفع لواء الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية والشفافية ومكافحة الفساد ومناهضة التبعية والوصاية الخارجية على لبنان .

الحكومة الفاقدة للشرعية تتعرض لمقاطعة من جانب العديد من الدول العربية والغربية التي تعلم ان الدولة اللبنانية باتت فاشلة وعاجزة عن إدارة مؤسساتها ومواردها بسبب سيطرة “حزب الله” على قرارها


بعيد اندلاع ثورة 17 تشرين، وتشكيل الحكومة من وزراء محسوبين على قوى الثامن من آذار، رغماً عن أنف الثوار، تبدو السلطة السياسية الحالية في لبنان متخبطة وعاجزة عن ابتكار أي مبادرات تتناسب مع حجم الكارثة المالية والاقتصادية والاجتماعية والصحية التي يعيشها لبنان.

وهذه الحكومة التي حازت ثقةً ملتبسة من مجلسٍ نيابي فاقدٍ للشرعية الشعبية، والتي سُميت “حكومة حزب الله”، تتعرض لمقاطعة من جانب العديد من الدول العربية والغربية التي تعلم ان الدولة اللبنانية باتت فاشلة وعاجزة عن إدارة مؤسساتها ومواردها بسبب سيطرة “حزب الله” على قرارها.

ولذلك فهي تمتنع عن تقديم أي مساعدات مالية لها، خاصة بعد نجاح اركان “العهد القوي”  وحلفاؤه في تعميق أزمات لبنان مع المجتمع العربي والدولي الذي قرر أن لا مساعدة للبنان إلا بعد إجرائه إصلاحاتٍ حقيقية طالب بها الثوار، والعودة الى تطبيق الدستور واتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية.

دولة معزولة

ما حوّل لبنان الى دولة معزولة عن امتدادتها الحيوية، العربية والدولية، تواجه بمفردها أزماتها المتفاقمة التي تهدد بسقوط الهيكل على رأس الجميع. 
ولم تتمكن حكومة “اللون الواحد” التي تشعر بأنها مستهدفة من جهات عدة، من تحقيق أي إنجاز في أي ملف من الملفات الساخنة والملحة : لا في موضوع “المصارف” التي تحتجز اموال المودعين؛ ولا في موضوع “القضاء المستقل” الذي يعتبر المدخل الحقيقي لأي عملية إصلاحية، بعدما قامت وزيرة العدل بردّ التشكيلات القضائية بعد تلقيها من مجلس القضاء الأعلى، بسبب اعتراض رئيس الجمهورية عليها؛ ولا في قضية “صندوق النقد الدولي”، الذي جاء رفض التعامل معه، بذريعة أنه يحمل أجندات سياسية ووصفات جاهزة وشروطاً تستهدف لبنان سياسياً وأمنياً. مع ان الحقيقة هي ان مَن روج لهذه الفكرة، إنما يسعى لإحكام سيطرته اكثر فأكثر على لبنان، وللحفاظ على مكاسبه ومداخيله، من خلال الإبقاء على المعابر الحدودية الشرعية وغير الشرعية مشرّعة امام نشاطاته، ومن خلال حماية عمليات التهرب الجمركي التي تحصل عبر المرافىء البحرية والجوية، والتي تفوّت على خزينة الدولة إيراداتٍ مالية تقدّر بمليارات الدولارات.

هشاشة الحكومة

وقد شرح احد المسؤولين في “حزب الله” – الذي سبق لأمينه العام ان صرّح بأن مأكل الحزب ومشربه وسلاحه وماله يأتي من إيران – سبب موقف الحزب الحذر من الصندوق ، بالقول إن الحزب “يرحب بأي مساعدة خارجية لمنع الانهيار، شرط ان لا تتسلل من خلالها أي وصاية أو هيمنة خارجية على لبنان” !
وفي ظل الأزمة الحاليّة المتفجّرة بأبعادها الاقتصادية – المالية والاجتماعية التي وضعت الدولة على شفير الانهيار، والمجتمعَ على حافّة الفوضى والتّشظّي، والناس على حافة الجوع، اندلعت أزمه تفشي فايروس “كوفيد – 19” (كورونا) ، لتضيف حِملاً ثقيلاً على كاهل الحكومة التي سميت ايضاً “حكومة المستشارين”، ولتُظهر مدى هشاشتها وتخبطها وتبعية قرارها لمشيئة القوى السياسية التي شكّلتها (ولاسيما حزب الله) وعجزها عن اتخاذ إجراءات يتوقف عليها حياة اللبنانيين او موتهم .

فقد نجح حزب الله في السماح بدخول طائرات الموت الموبؤءه القادمة من ايران، التي تنقل مصابين بالفايروس توزعوا في المناطق اللبنانية بشكل عشوائي، وشكلوا قنبلة جرثومية موقوتة هددت حياة كل اللبنانيين .
وفي الوقت الذي كان اللبنانيون ينتظرون من حكومتهم ان تقوم بالحد الأقصى من واجباتها ومسؤولياتها في حماية حياتهم، عبر اتخاذ احتياطات وإجراءات وقائية جديّة وصارمة تقضي بإغلاق المطار وكل المعابر التي يتسلل الوباء من خلالها، فقد وجدوها تتبع سياسة الأجواء المفتوحة مع إيران ثاني اكبر دولة موبوءة بعد الصين، وتترك المنفذ الجوي والمنافذ البرية مفتوحة أمام استيراد هذا الوباء الخطير، وتعتمد خطة الحجر الصحي الطوعي للمصابين بدلاً من فرض الحجر الالزامي عليهم.

إستهانة بحياة الناس

وفي بلد مفلس لا توجد فيه استعدادات طبية او تجهيزات كافية في المستشفيات لاستقبال المصابين وإغاثتهم، فإن أقل ما يوصف به أداء الحكومة، هو بأنه يتسم بالكثير من الخفة والاستهانة بهذه الآفة المهلكة (الجائحة) وبأنه مقامرة بحياة اللبنانيين، تندرج اساساً في الخضوع لإملاءات حزب الله القائمة على تقديم مصالحه الحزبية الضيقة وولائه السياسي للخارج، على صحة وحياة عموم المواطنين في الداخل (وعلى رأسهم بيئته الشيعية الحاضنة) بعدما تحول الى قوة تتحكم بمصير الوطن، انطلاقا من قناعاته الإيديولوجية ومرتكزاته العقائدية التي تجعله يمضي في مغامرات غير محسوبة العواقب، ومعارك عبثية نذر نفسه لخوضها، حتى لو كلًف ذلك استجلاب المخاطر والمآسيَ والأوبئة التي تضع اللبنانيين وجهاً لوجه امام موتهم المحتم، دون أي خجل أو أسف أو ندم أو وخز من ضمير .وفي ظل أجواء الهلع التي يعيشها اللبنانيون جراء هذا الوباء الذي تتزايد اعداد ضحاياه بشكل مطرد؛ وفي ظل تقاعس القوى التي تسمي نفسها ” سيادية واستقلالية” عن إبداء أي معارضة ذات قيمة على الاستهتار الحكومي بحياة اللبنانيين، خاطب الأمين العام لحزب الله بالأمس اللبنانيين، باعتباره المرشد الروحي والسياسي والأمني والمالي والمصرفي والصحي والشرعي والفقهي في الجمهورية اللبنانية.

لا شفاء للوطن من هذه السلطة الفاسدة الطائفيّة التحاصصيّة غير الشرعية والمغتصبة للحقوق والدستور والمستورِدة عن سابق تصور وتصميم لفايروسات الموت إلّا بالتخلص منها نهائياً بفرحٍ عظيم دون ندم أو أسف

وطالب مَن يعيش ويلات الانهيار المالي والاقتصادي، ويخشى تداعيات “ثلاثية” الفقر والجوع والموت، الاستعداد لمقاومة العدو الجديد، ومحملاً كل اللبنانيين مسؤولية “مواجهة” وباءٍ فتاك هو من استجلبه الى ديارهم، عن سابق تصور وتصميم .

سوء تعاطي السلطة مع “كورونا”

صحيح أن محنة سوء تعاطي السلطة مع هذا الوباء القاتل، قد دفعت البعض الى المطالبة باستقالة وزير الصحة الذي حمل لقب “وزير الكورونا”، ولكن الصحيح ايضاً، أنها كشفت الغطاء عن مأساة اهتراء البنى الأساسيّة المكوّنة للإدارات والمؤسّسات والسلطة والدولة، وعن أنّ السلطة الحالية لا تملك من مقوّمات السلطة إلّا ما هو نقيضها، ألا وهو التخبط وانعدام الرؤية والخطة والإرادة الحرة والاستقلالية عن أي ضغوطات خارجة عنها، واللامبالاة بالمصلحة العامة. وهذا ما اعاقها عن اتخاذ إجراءت سريعة وحاسمة لحماية امن اللبنانيين الصحي من الاستباحة.

 ومن هنا تظهر مشروعية الثورة التي طالبت بتعزيز إستقلالية السلطة القضائية، والسير بخطّة لمكافحة الفساد ومحاسبة كل الفاسدين في دولة المزارع الطائفية، تمهيداً لاسترداد الجمهورية المخطوف قرارها والمستباحة سيادتها؛ ولإعادة تشكيل السلطة في لبنان من خلال إجراء انتخابات نيابية مبكرة على اساس قانون إنتخابي لا يكون مفصلاً على مقاس الطاقم السياسي والميليشاوي الحالي الذي يتألف من زعماء الطوائف وامراء الحرب ورؤوساء الاحزاب الذين عاثوا فساداً في البلاد، وباتت مسألة إزاحتهم عن السلطة واسقاطهم من الحياة السياسية، مطلباً شعبياً ملحاً.

فلا شفاء للوطن من هذه السلطة الفاسدة، الطائفيّة، التحاصصيّة، غير الشرعية، والمغتصبة للحقوق والدستور، والمستورِدة عن سابق تصور وتصميم لفايروسات الموت، إلّا بالتخلص منها نهائياً بفرحٍ عظيم، دون ندم أو أسف .

السابق
نصرالله وباسيل يعطيان «الضوء الأخضر» لـ «الطوارئ»..وإستياء شعبي من الجنوب إلى البقاع!
التالي
بالصورة: ربيع الخِيام سجادة زهور ترحيباً