بعد أن «حصدونا حصداً»!

حزب الله

إنه لمن الأمانة يا بن جنوبي أن أعترف لك بأن كلماتك تلك أفسدت علي فرحتي بالنصر.
ومن قال لك بأننا جميعنا كجنوبيين مصابون بعقدة العشق الإيراني؟ كثيرون منا مصابون بعقدة أشدّ واعقد من إملاءات إيران وصبيانها في لبنان، عقدة إسمها الحرية. 

مؤثر كان موتك أو ما تسميه أنت “شهادة”

ثمة شعور بالهزيمة غلبني وأنا أتوجع معك، وأنا أراقب لحظات ما قبل حصادك، وأنا أحاول أن أضبط دموعي التي راحت تتفاعل مع أحداث الدقائق الأخيرة المتبقية بحوزتك وأنت تنقل لنا تفاصيل الفضيحة من قلب مسرح الجريمة لا أعلم من أين جاءني كل هذا الحزن عليك؟ كل هذا التعاطف معك وأنت تستعد لإسدال الستار عن كذبة “النصر المؤزر”  التي نتباهى بها بعد كل هزيمة نكراء.

اقرأ أيضاً: لبنان تحت المجهر الأميركي.. وإيران تُقحم «حزب الله» في حروبها العبثية!

شعور معاكس تماما لما أشعر به عادة عند إلحاق أي ضربة عسكرية موجعة لحزب الله في سورية، لدرجة أني تمنيت لو أنك بقيت حيّا لمزيد من الوقت، لا لشيء.. فقط ليكون امامك متسع من الوقت كي تموت بطريقة أخرى، كي تموت في أرض تعرفك وتعرفها على الأقل، أو كي تحظى بموت مشرّف إلى حدّ ما.

“حرقلي قلبي هالشب”

يقول إبني الذي ذاق ما ذاق من تعذيب في زنازين الأسد معلقا على طريقة موتك: “حرقلي قلبي هالشب” يسرني أن ابني ما زال يملك هذا الشعور النبيل بالشفقة على من جاء ليدافع عن جلاده..أترى، لقد أصبح موتنا مثيراً للشفقة بعدما استرخص تجار الحروب دمنا، تُرى لم يعد لدينا هم سوى الجهوزية التامة للموت على مدار الساعة؟

 لكن وسط كل هذه العواطف المتضاربة التي تنحاز إليك رغما عني، إلا ان هناك حقائق دامغة لا بد من إخبارك بها وأسئلة ملحّة عليك أن تنصت لها حتى ولو بدا الوقت متأخرا بعض الشيئ، سأفترض أنك ما زلت حيّا وأخاطبك على هذا الأساس تماماً كما فعلت أنت حين خاطبت الزهراء وكأنها حية ترزق، رغم أنها ماتت منذ ما يقارب اربعة عشر قرناً.

ثمة شعور بالهزيمة غلبني وأنا أتوجع معك، وأنا أراقب لحظات ما قبل حصادك

ماذا لو أخبرتك بأن موتك كان مهين جداً، وأنه كان أشبه بفضيحة إنسانية، إنه لمن العار أن نموت نيابة عن الآخرين وفي أماكن لا نعرف عنها شيئاً سوى أنّ لنا فيها أعداء وعلينا قتلهم دون أي سبب مقنع. كيف أقنعك مثلا وبالدليل القاطع أن إدلب عربية الطباع وأن أهلها يصلون خمس صلوات مثلنا تماما، وأن زيتونها أخضر اللون كزيتون الجنوب، وأن الرايات السوداء التي ترفرف فيها لا تختلف شيئا عن تلك الرايات الصفراء التي ترفرف فوق كل شيء في الجنوب والضاحية هو المصنع ذاته، يصدر لنا الرايات تلو الرايات بأشكالها التحريضية وألوانها التي لا تسرُّ الناظرين لكن ليزيد من زمن الفراق بيننا.

طريق القدس مقطوعة

ماذا لو أخبرتك بأن كل الطرقات التي استحدثناها للوصول إلى القدس، لم تكن سوى محاولة منّا لتطويق الإنهيار الذي بدأ يهدد وجودنا ذو الصبغة الإيديولوجية، وبأن كل محاولات الإستثمار باسم فلسطين باءت بالفشل الذريع، وبأن جنون ترامب الذي تربى في أحضان “الشيطان الأكبر” كان أصدق من فلهوية الشاطر حسن وزناديق “الموت لإسرائيل”.

كيف أشرح لك بأن بطولاتنا المجانية، ودماءنا العالقة على لوائح الأجندات الإيرانية في العراق وسورية واليمن صارت محطّ شبهة، يسلطون الضوء عليها فقط كي يحصوا خسائرنا المتسارعة، كي يلفتوا انتباهنا إلى أننا دروايش وبسطاء إلى حدّ لا يطاق، سلاحنا المشبوه هو الآخر أصبح طرفاً رئيسياً في كل الحروب العربية وكأننا لسنا بعرب يابن جنوبي، وكأنهم استبدلوا لنا زمرة دمنا بسائل آخر يصعب تسميته.

هل أخافتك الطائرة؟ 

سؤال لئيم لكنه لا يغادر رأسي محظوظ أنت، فلقد أمهلتك تلك الطائرة بعض الوقت لتخبرنا الحقيقة ببضع كلمات، ونحن مدينون لك بهذا، على عكس مئات الألاف من السوريين الذين لم يحظوا بما حظيت أنت به، حصدتهم طائرات الأسد قبل أن يتفوهوا ولو بكلمة واحدة، حصدتهم حتى قبل أن يلتقطوا أنفاسهم. هل اختبرت كم مرعب هذا الشعور؟ أن تنبطح أرضاً والطائرة تحوم فوقك تمهيدا للقضاء عليك، وكأنك مجرد نكرة لا قيمة لك في بازارات الحروب؟ هكذا تفعل طائرات الأسد بالسوريين، تحصدهم وكأنهم أعداءها اللدودين، أنا لا أسألك هذا من باب الشماتة لا والله..انا فقط أريد أن أثبت لك اننا جميعنا مشاريع حصاد، فقط تختلف الجهة التي تقرر حصدنا والطائرة الحربية التي ستبيدنا وكأننا حشرات ضارة.

ضريبة الشهادة

ماذا لو أخبرتك بالحقيقة الأكثر مرارة، وأقسمت لك بأن الطائرات التركية ليست هي من حصدتك أنت وعشرات الشباب من دروايش الشيعة على تخوم إدلب وريف حلب. 
نحن نحصد منذ زمن بعيد، منذ أن أفتوا لنا زناديق الدين بأن كل المواسم صالحة لحصد أرواحنا وبأن دمنا حلال هدره في البلاد العربية.

كل الطرقات التي استحدثناها للوصول إلى القدس لم تكن سوى محاولة منا لتطويق الإنهيار الذي بدأ يهدد وجودنا ذو الصبغة الإيديولوجية

اقرأ أيضاً: المواجهة الأميركية .. لحزب الله الغُنم وللبنانيين الغُرم!

نحن نحصد منذ أن فرضوا علينا ضريبة الشهادة في اي بقعة يختارونها لنا، بغض النظر ما إن كان الحق الى جانبنا أم علينا 
نحن نُحصد لأن عقولنا الهشة لا تفرق بين الله وبين نصرالله 
نحن نُحصد منذ ان تنازلنا عن دور المقاومة طمعا في لعب دور المحتل  
نحن نُحصد لأننا رهن إشارة ملالي إيران ومشاريعها الكاذبة.
نحن نُحصد لأنه لا يوجد في جعبتنا سوى تقديم الطاعة لأصحاب العمائم السوداء والبيضاء من خارج الحدود وداخلها. 
نحن نُحصد منذ أن أقنعونا بأن افتعال الحروب خارج لبنان، أهم بكثير من صيانة الخراب الذي احدثناه بداخله. 
نحن نُحصد لأننا لا نجيد الإعتراض على أولئك الذين يحرضوننا على الشهادة من خلف زجاجهم العازل خوفا من ان يموتوا.

لقد صار موتنا رخيصاً جداً يا بن جنوبي حتى تلك التوابيت الصفراء ضاقت ذرعاً بنا، لم تعد تحتمل ثقل جثثنا، لهذا تراها تحمل ما تبقى منّا فقط، بعد ان حصدونا حصداً.

السابق
فوضى في سوق الصيارفة.. امتناع عن بيع الدولار وارتفاع بسعر الصرف!
التالي
أزمة اللاجئين تعيد اتفاقية الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي إلى الواجهة