الأرض الموقتة مقابل السلام الموقت

بوتين اردوغان

كل شيء في سوريا موقت؛ الداخل، الخارج، النظام والمعارضة، حتى السوريين من موالين ومعارضين، نازحين ولاجئين ومهاجرين يعيشون بواقع مؤقت. والأخطر في القضية السورية أن المؤقت قد يطول أمده، نتيجة لحروب حالية وأخرى محتملة، ولاتفاقيات فُرضت وأخرى انتهت صلاحياتها.

في موسكو، التقى الرئيسان الروسي والتركي. أيقن الطرفان أن للانتصار والهزيمة حدودا لا يمكن تجاوزها أو تحمل تبعاتها، فالربح النسبي لا يختلف عن الخسارة النسبية في موازين السياسة الدولية حول سوريا. وهذا ما دفع الكرملين إلى وقف اندفاعه لتحقيق نصر حاسم في إدلب قبل بداية شهر يونيو المقبل (موعد دخول كافة بنود قانون عقوبات قصير حيز التنفيذ). أما أنقرة فقد رضخت للأمر الواقع الميداني الجديد الذي فرضته موسكو وثبتته، فأيقن الأتراك أن العودة إلى حدود ما قبل 2018 مستحيل، وأن موافقتهم على ما عُرض عليهم في موسكو سيجنبهم خسائر أكبر مستقبلا.

يستثمر فلاديمير بوتين في عزلة إردوغان الإقليمية والدولية

لم تخرج أنقرة خالية اليدين من اتفاق موسكو، فقد نجحت في فرض بعض البنود التي تحفظ لها موقعا متقدما في الأزمة السورية من خلال البروتوكول الإضافي الذي وقعه الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان، واعتبرت صحيفة كورمسنت الروسية في عدد يوم الجمعة الفائت أن التوقيع عليه جنّب أنقرة وموسكو حربا مجهولة النتائج.

جدد الاتفاق التزامهما ولو شكليا “بوحدة الأراضي السورية، ومكافحة جميع أشكال الإرهاب، والقضاء على كل التنظيمات الإرهابية وفقا لتصنيف “مجلس الأمن”، وبأن لا حل عسكريا للنزاع السوري الذي يمكن تسويته فقط نتيجة لعملية سياسية يقودها وينفذها السوريون بأنفسهم بدعم الأمم المتحدة وفق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي”. وأكد الطرفان أيضا على منع استمرار النزوح السوري، والمساهمة في العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين، وهي مجموعة نقاط قد تحفظ ماء الوجه لإردوغان ولكن بشكل مؤقت.

يدرك إردوغان حاجة موسكو للحفاظ على مسار أستانة باعتبارها الورقة السياسية الوحيدة التي تمتلكها، وأن تخلي أحد الأطراف الثلاثة الموقعين عليها سيصيبها بانتكاسة استراتيجية لا يمكن تعويضها. الخوف على أستانة دفع الكرملين إلى غض الطرف عن العمليات العسكرية خاضتها تركيا في ريفي إدلب وحلب ضد ميليشيات بشار الأسد دون تدخل حاسم من قبله، وذلك ارضاء لأنقرة التي حيدت موسكو في المعركة وحصرت عملياتها العسكرية ضد النظام والميليشيات الإيرانية.

لم تتلق أنقرة كثيرا من الدعم، حتى الشفهي، من حلفائها التاريخيين، فحلف الناتو ليس في وارد الدخول بصراع مسلح مع موسكو في سوريا، أما الولايات المتحدة فقد اكتفت بإشارات إيجابية مرهونة بالموقف من اتفاق أستانة، عبرت عنه مندوبة الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة أثناء معارك إدلب بأن بلادها لن توافق على استخدام مسار أستانة كقاعدة لعقد اتفاق جديد حول الهدنة في إدلب وطالبت بالتخلي عن منصة أستانة، واعتبرت أن هذه الأداة للتسوية في سوريا ليست فعالة، أنها قد انهارت ولم يعد من الممكن إحياؤها.

إلا أن الموقف الأميركي من مسار أستانة أثار حفيظة السفير الإيراني في موسكو كاظم جلالي الذي عبر عن تخوف على مستقبل مسار أستانة من رافضيه، ونقلت عنه وكالة نوفوستي قوله بأن منصة أستانة ناجحة جدا، “وعلينا أن نكون أوفياء لها ونواصل تعاوننا، بشأن سوريا”.

من جهته يستثمر فلاديمير بوتين في عزلة إردوغان الإقليمية والدولية، لكنه يخشى على تراجعه، ففي الداخل التركي يواجه إردوغان أسئلة صعبة حول أهداف انخراطه في الأزمة السورية بعد تخليه عن شعار إسقاط النظام السوري، وانكفاء دوره بالحفاظ على موطئ قدم في الشمال السوري تحت ذريعة استحقاقات الأمن القومي التركي، الذي أدى إلى انخراط الجيش التركي في معركة دون غطاء سياسي واضح جعلت هيبته على المحك، خصوصا أنه يتمتع بفائض قوة قادرة على فرض توازن استراتيجي بوجه روسيا.

موسكو عالقة بين إيران المحاصرة بالعقوبات والمعزولة بالأوبئة، وواشنطن المتربصة بالجميع

عود على بدء، إلى الأرض المؤقتة بانتظار جولة جديدة من المعارك ستفرض نتائجها تغيرات حتمية لشكل الحل المؤقت، فلا أنقرة تستطيع المضي قدما في التطبيع مع ما تفرضه موسكو، والأخيرة عالقة ما بين ضرورة تحقيق الانتصار الحاسم وضريبة إخراج تركيا من المعادلة السورية، وبينهما ورقة اللاجئين على أبواب أوروبا، والغاز على شواطئ المياه الدافئة، ونظام متهالك لا يملك القدرة على تغطية المساحات التي أعاد احتلالها، وإيران المحاصرة بالعقوبات والمعزولة بالأوبئة، وواشنطن المتربصة بالجميع؛ فهل تترسخ معادل إدلب بوصفها الأرض مقابل السلام بوصفه أستانة؟

السابق
«إجتماع بعبدا».. تبني خيار عدم دفع الديون وإرهاق الناس بالضرائب!
التالي
تأجيل مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة بسبب «الكورونا»