الحكومة اللبنانية أسيرة أجندة «حزب الله»… فهل يُفتح «صندوق باندورا» المالي؟

لبنان وضع اقتصادي

… «لم يعد لدينا شيء لنخسره ولن ندفع، لم يعد لدينا شيء لنقدّمه خارج الإصلاحات والنأي بالنفس». معادلةٌ صعبة ترتسم في لبنان وتجاهه بما يعكس حراجة اللحظة التي يمرّ بها مالياً واقتصادياً مع كل ما يحمله الانهيارُ الذي بدأ من مَخاطر انفجارٍ اجتماعي أضيف إلى «فتائله» فيروس «كورونا» الذي تزداد المخاوف من أن «يزحف» بعيداً.
وارتسمتْ هذه المعادلة من خلْف لاءين كبيرتيْن متقابلتيْن: الأولى لبنانية ضدّ دفْع سندات «اليوروبوندز» التي تستحقّ في 9 الجاري، وهو الخيار الذي بات إعلانُه مسألةَ 48 أو 72 ساعة ستتكشّف معها أيضاً خريطةُ طريقِ الحكومة للتعاطي مع مجمل الدين العام و«سلّة» إعادة الهيكلة وشروطها، والثانية خارجية ترفض فتْحَ الباب أمام أي دعمٍ في عملية الإنقاذ قبل بدء بيروت تطبيق الإصلاحات الشَرْطية (الإدارية والهيكيلة في أكثر من قطاع أبرزها الكهرباء) بما يُنْهي وضعية «القجة المثقوبة» التي «تبتلع» المساعدات وكل محاولات النهوضٍ، وأيضاً قبل إعطاء الحكومة الجديدة إشاراتٍ جدية إلى النأي بالنفس الفعلي عن صراعات المَحاور، مع مؤشراتٍ متزايدة إلى رغبة عربية – دولية في أن يكون صندوق النقد الدولي الممرّ لمدّ اليد إلى لبنان.
وفي حين اكتمل تَلاقي مكونات الحكومة على قرار عدم سداد استحقاق يوروبوندز 9 مارس «وأخواته»، وسط كلام لافت نُقل عن رئيس البرلمان نبيه بري من أنه ‏‏«في حال لا تريد البنوك والشركات الأجنبية التعاون معنا في التخلّف عن الدفع بشكل منظّم، وتفهّم وضعنا، ‏فساعتها ليس لدينا ما نخسره. أهم شيء هو الحفاظ على ودائع الناس والأموال اللازمة للأمن الغذائي ‏والصحي‎»، لم تهدأ المخاوف مما بعد هذه الخطوة التي يخشى البعض أن تكون على طريقة فتْح «صندوق باندورا» قانوني – قضائي – سياسي دولي ما لم يكن الأمر من ضمن تفاهُم مع الدائنين الأجانب و«ضمانة» من صندوق النقد الذي يشكّل دخول برنامج معه محور استقطاب حتى بين أطراف البيت الحكومي في ظلّ «شيْطنة» هذا الخيار من «حزب الله»، الرافعة الرئيسية للحكومة، رفْضاً لأي تدويلٍ للأزمة المالية وحلولها.
وإذ كان وزير الخارجية ناصيف حتي يضع كبارَ المسوؤلين اللبنانيين أمس في أجواء زيارته لباريس قبل أيام ولقاءاته فيها التي شملت نظيره جان – ايف لودريان والسفير بيار دوكان المكلّف متابعة ملف مؤتمر «سيدر» ناقلاً استعداد فرنسا الدعم لبنان، برز ما عبّرت عنه مصادر ديبلوماسية تحدثّت عن استياء باريس الكبير من الأداء الحكومي اللبناني في ما خص التأخر بإطلاق الإصلاحات الضرورية لبدء الدول المانحة الوفاء بالتزاماتها وفق «سيدر» بدءاً من الكهرباء وشفافية القضاء ووضع خطة لمعالجة الملف البيئي.
ونقلت «وكالة الأنباء المركزية» في هذا الإطار عن لودريان قوله لـ حتي «عليكم ان تتحرّكوا وتتحمّلوا مسؤولياتكم وستجدوننا الى جانبكم»، ناصحاً بسلوك درب صندوق النقد الدولي لأن الدولة لا يمكنها تحقيق الاصلاحات وانقاذ البلاد من دون عون دولي، وكاشفة «ان وزيرالمال الفرنسي برونو لومير أثار ملف لبنان مع مسؤولين سعوديين واماراتيين اثناء مشاركته في اجتماع وزراء المال لمجموعة العشرين الأسبوع الفائت، فأبدى هؤلاء كل استعداد للمساعدة إذا نفّذ لبنان الاصلاحات وأثبت اعتمادَ سياسة النأي بالنفس والابتعاد عن صراع المَحاور الاقليمية والتزم فعلاً بنود اعلان بعبدا، وقد سأل هؤلاء عما اذا كانت حكومة دياب قادرة حقا على هذه الانجازات، والاستعانة بصندوق النقد، فهل ستتجرأ على الخطوة في ظل اعتراض حزب الله».
وستكتسبُ المعاينةُ الدوليةُ للواقع اللبناني وآفاقِه بُعداً جديداً مع وصول السفيرة الأميركية الجديدة دوروثي شيا إلى بيروت تمهيداً لتقديم أوراق اعتمادها الى المسؤولين اللبنانيين الأسبوع المقبل، في ظل توقعاتٍ بأن تعكس ديبلوماسية الحزم تجاه «حزب الله» هي التي وُصفت بأنها من فريق الرئيس دونالد ترامب المتشدّد ويفترض أن تبدأ مهمّتها من السقف العالي الذي انتهتْ إليه اليزابيت ريتشارد في بيان «قلْب الصفحة» ودعْم الشعب اللبناني «الذي خرج (مع ثورة 17 أكتوبر) إلى الشوارع للمطالبة بالأفضل من حكومتهم، انهم على حق»، وسط رصْد دوائر مطلعة الوقْع الخارجي للزيارة التي قام بها وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي ‏مشرفية (المكلف متابعة ملف النازحين) لدمشق لبضع ساعات حيث التقي عدداً من الوزراء، وما إذا كانت هذه المحطة من ضمن مسارٍ تطبيعي سيبدأ مع النظام السوري وهو ما يُعتبر أحد معايير قياس المجتمع الدولي التموْضع السياسي لـ «حكومة اللون الواحد» إلى جانب انخراط «حزب الله» في ساحات المنطقة.

اقرا ايضاً: رئيس الحكومة الفاشلة «يرفع العشرة».. ويُلهب الشارع من البقاع الى الجنوب
ولم تحجب هذه العناوين الأنظارَ عن الملف – الحدَث الذي يشكّله «كورونا» الذي بات لبنان في ما يشبه حال «الطوارىء» بملاقاته في ظل إشاراتٍ متزايدة عكستْ استعداداتٍ لاحتمالات خروج الفيروس عن السيطرة رغم عدم تسجيل أي إصابةٍ مثبتة أمس (بقي عدد الإصابات على 13)، وهو ما عبّر عنه توسيع رقعة إجراءات التحوّط في السجون والمرافق والإدارات والمؤسسات العامة، وزيادة جهوزية مستشفى رفيق الحريري الجامعي وإعداد أكثر من «خطة ب» يُراد أن تشمل أكثر من مستشفى حكومي وحتى خاص.
وفيما مضى كثيرون باعتبار أن استمرار رحلات العودة على فترات متباعدة من إيران خصوصاً (ودول موبوءة أخرى) عبر الجو والبرّ للبنانيين وحاملي إقامة سيُبْقي لبنان في دائرة الخطر الكبير ما دام العائدون لا يخضعون للحجر في مراكز محدَّدة وبإشراف رسمي، لاحظت أوساطٌ متابعة إمعانَ السلطات في اتخاذ الخطوات المتأخّرة وبينها كلام وزير الصحة حمد حسن عن «بدء العمل على تقليص الرحلات من إيران وايطاليا عن طريق جمْعها والسماح فقط للمواطنين اللبنانيين بالعودة الى وطنهم والى الأجانب الذين يحملون إقامة شرعية صالحة»، محذّرة من الحركة عبر المعابر الحدودية مع سورية وعدم ضبْط انتقال اللبنانيين (غير العائدين من إيران) والسوريين من خلالها ولا سيما في ظلّ شبه «العمى» الذي يسود حيال واقع «كورونا» في سورية، ولافتة إلى أن أي دخول للفيروس إلى مخيمات النازحين سيعني تحولاً دراماتيكياً في كل مسار التعاطي معه.
وفي موازاة ذلك، سُجّل دخولٌ قوي من البلديات على خط إجراءات الوقاية من «كورونا» وبدء عمليات تعقيم في الأماكن العامة والشوارع (كما في بيروت) وقصور العدل التي ستشهد تعليقاً للجلسات القضائية من اليوم وحتى الجمعة.

السابق
العراق… تداعيات البيت الشيعي
التالي
بعد الأسواق الشعبية.. هل تقفل «كورونا» مراكز التسوّق ومقاهي «الأراكيل»؟