«العمرة»… أعلى طموحات رئيس حكومة لبنان

حسان دياب

بين ثقة شبه مفقودة في الداخل، ومُرتجاة من الخارج، تشق حكومة حسان دياب طريقها ـ ولبنان ـ بخطوات سريعة نحو الإفلاس السياسي والاقتصادي. فمن جهة لم تُفلح التشكيلة الوزارية بإقناع اللبنانيين بأنها قادرة على انتشالهم من الأزمة المالية والمعيشية التي يمرون بها، ومن جهة أخرى لم تخرج هندسة التأليف عن الاعتبارات السياسية التي تمسكت بها قوى السلطة، ما فرض على المجتمع الدولي أن يتعاطى معها بكثير من الريبة والحذر.

فبوادر العجز في إقناع الخارج ظهرت في حديث رئيس الوزراء حسان دياب الذي لجأ إلى خيار استعطاف الدول الأوروبية خصوصا تلك الحريصة تاريخيا على لبنان، ومخاطبتها كجمعيات خيرية غير ربحية، تساعد الطبقة الحاكمة على الخروج من محنتها، التي من الممكن أن تتحول إلى محنة أوروبية مع التلويح بورقة اللاجئين السوريين واللبنانيين مستقبلا.

ففي كلام الاستجداء يؤكد دياب أن لبنان يحتاج اليوم إلى مساعدة عاجلة على مختلف المستويات، لكن كلامه لم يخل من لغة التحذير بإشارته إلى أن “لبنان يعرف مدى حرص الدول الأوروبية على استقراره لأن أي اهتزاز في هذا الاستقرار ستكون له انعكاسات سلبية على أوروبا أيضا”.

على الأرجح أن هذه الحكومة لن تحصل إلا على تأشيرة عمرة بما أن موسم الحج لا يزال بعيدا

ففي مرحلة الاستجداء التي منحتها الحكومة لنفسها، تراهن الطبقة السياسية على عامل الوقت لتجنب المواجهة مع شروط الخارج من خلال تأجيل أزمات الداخل، حيث يسود اعتقاد بأن جزءا من اللبنانيين يميل إلى إعطاء الحكومة فرصة، لعلها تقوم بالحد الأدنى الممكن الذي يؤجل الانهيار.

لكن أغلب الظن أن هذا الرهان أشبه بمحاولة الغريق التمسك بحبال الهواء التي لم تنقذ أحدا يوما. أما خارجيا فيبدو أن البيان الوزاري في سباق مع إشارات خارجية توحي بأن مسار الحكومة لنيل الثقة الخارجية صعب ومتعثر.

برزت أولى علامات التعثر في الخبر الذي نقلته قناة MTV اللبنانية عن مصدر في السفارة السعودية في بيروت كشف عن قرار الرياض خفض طاقمها الدبلوماسي في بيروت بنسبة تقترب من 20 في المئة.

لا ينفصل هذا القرار عن غياب السفير السعودي في بيروت وليد البخاري عن حفل الاستقبال الذي أقامه رئيس الجمهورية في قصر بعبدا لرؤساء البعثات الدبلوماسية. تأتي هذه الإشارات السعودية في الوقت الذي يُروّج مقربون من رئاسة الحكومة إشاعات عن تواصلهم مع عواصم خليجية وخصوصا الرياض من أجل ترتيب جولة خارجية لرئيس الوزراء إلى هذه الدول، إضافة إلى نقل تسريبات عن لقاء مرتقب بين دياب والبخاري وسفراء خليجيين آخرين، الأمر الذي يكشف حجم الارتباك لدى فريق السراي الحكومي واعتمادهم على الإشاعات من أجل إظهار الثقة العربية والخليجية بالحكومة.

عمليا أخفقت بدعة اختيار رئيس للوزراء من الجامعة الأميركية مع تشكيلة وزراء من مزدوجي الجنسية، خصوصا الأميركية، بأن تفتح أبواب العواصم الغربية أمام الحكومة وتكسبها ثقتهم، إلا أن الطبقة السياسية تواجه الآن عجزا في التواصل مع هذه العواصم بالرغم من الإشاعات التي رافقت عملية التكليف والتشكيل وربطها بزيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل واعتبار أن اللغة الدبلوماسية التي استخدمها في حواراته مع المسؤولين اللبنانيين تعبر عن قبول أميركي بالحكومة، وبالرغم من السلطة قد استمعت إلى لغتين أميركيتين واحدة لهيل محذرة، والأخرى من مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكير متشددة، وإن اختلفتا في طريقة طرحهما، إلا أن جوهرهما واحد وهو ما تحاول الحكومة إنكاره.

بالنسبة للسعوديين، ولغالبية الغربيين، لن يختلف التعامل سياسيا مع حكومة حسان دياب عن التعامل مع حكومة نجيب ميقاتي الثانية، التي قاطعتها الرياض وبعض العواصم الخليجية وتعاملت معها واشنطن بحذر، خصوصا أن التوازنات الإقليمية قد تغيرت رأسا على عقب.

لجأ حسان دياب إلى خيار استعطاف الدول الأوروبية

فأغلب مصادر القوة الخارجية التي كانت متوفرة لحكومة الرئيس ميقاتي غير موجودة الآن، حيث يتعرض المحور الإقليمي الذي قام بهندسة حكومة حسان دياب إلى حصار خارجي قلّص إمكانية المناورة لديه، وجعله في موقع الدفاع عن النفس. فطهران تعاني من ضغوط دولية أربكت نفوذها الخارجي في العراق وسوريا، التي خرجت بدورها من المعادلة اللبنانية، ولم تعد تملك أي تأثير إلا في أذهان بعض اللبنانيين، الذين يستعينون بالأمنيات هربا من مواجهة الواقع. فهؤلاء راهنوا على أن يكون لبنان مدخلا لإعادة تعويم النظام السوري، وأن بإمكان تركيبة الحكومة اللبنانية أن تكون معبرا للعودة إلى دمشق.

وعليه، تشير الأجواء في بيروت إلى أنها تنتظر حزمة عقوبات أميركية جديدة في الوقت الذي لا تستبعد أوساط دبلوماسية سعودية قيام الرياض باتخاذ خطوات تدريجية لخفض عديد بعثتها في بيروت إلى ما دون 50 في المئة، وهذا القرار مرتبط بالبيان الوزاري والسياسات الداخلية والخارجية التي سوف تتبناها حكومة العهد، وستحدد حجم التواصل العربي والغربي مع حكومة مهددة بالعزلة الكاملة إذا لم تعيد السلطة حساباتها.

على الأرجح أن هذه الحكومة لن تحصل إلا على تأشيرة عمرة بما أن موسم الحج لا يزال بعيدا.

اقرأ أيضاً: هل يبتلع «الثقب الأسود» حكومة دياب في لبنان؟

السابق
في ظلّ الأزمة.. جامعة بريطانية ترفق بطلابها اللبنانيين وتعرض اعانتهم ماليا!
التالي
لبنان امام استحقاق خطير في اذار.. وهذه إشكالية «اليوروبوند»!