إيران… الإصلاحيون والمحافظون ومعركة البقاء والتمكين

حسن روحاني
ما يُقلق روحاني أن يتحول الخوف على البعد الجمهوري جريمة في نظر المتشددين.

لم تعد تنفع كل محاولات الإنكار في اخفاء حدة الخلاف الذي يصل حد الانشقاق العامودي بين رئيس الجمهورية الايرانية حسن روحاني والتيار المحافظ والمتشدد، المعبر عن موقف المرشد الاعلى للنظام ومؤسسة حرس الثورة، حول مختلف القضايا والمسائل التي تمر بها إيران ويواجهها النظام على المستويين الداخلي والخارجي. ويبدو ان حدة التباين دفعت بروحاني الى حدود البوح بالمحرمات التي كان النظام يعتقد بانه قد اقفل الحديث والجدل حولها منذ نحو عقدين، بعد ان تخلص من عقدة وجود التيار الاصلاحي في السلطتين التنفيذية والتشريعية. محرمات عبّر عنها رئيس الجمهورية بارتفاع منسوب الخوف لديه، ولدى كل الذين يلتقون معه في التوجه والحرص على المفاهيم التي قامت عليها الثورة، والمبادئ المؤسِّسة للنظام الإسلامي، وتعرُّضها للموت خصوصاً الشق “الجمهوري” الذي يوصف ويحدد طبيعة الدولة والنظام، لصالح مسار فكري آخر، ومنهج يقوم على تأسيس سلطة ثيوقراطية تقوم على مبدأ “الحكومة الاسلامية” التي تسقط جميع آليات الانتخاب والتعددية والتنوع الفكري والثقافي والاجتماعي، لصالح فكرة مركزية السلطة وأحاديتها بعيدا من المداورة والتداول، بهدف ترسيخ مفهوم السلطة او الحكومة الدينية.

روحاني اختار موضوع الانتخابات البرلمانية المقبلة ليرفع الصوت نيابة عن شريحة واسعة تمثل غالبية الايرانيين، محذراً من المآلات التي قد تواجهها ايران ونظامها الاسلامي القائم على مبدأ “الجمورية” التي تسبق “الإسلامية”، في حال استمرت الامور على النحو القائم، والذي تسير عليه وما ينتج عن الممارسات التي تقوم بها جهات ومؤسسات من المفترض انها دستورية وتعمل لصاينة والحفاظ على الجمهورية ونظامها، تجاه شريحة واسعة من الايرانيين قد لا يكونون ممن يعارض النظام، لكنهم يحملون مشروع إصلاحه وإدخال التعديلات على آلياته بما يحفظ استمراريته وتساعده على استعادة شعبيته.

المخاوف التي يطرحها روحاني على اعتاب الانتخابات المرتقبة، شكلت على مدى العقدين الماضيين الهواجس الاساسية التي كانت تحرك التيار الاصلاحي والجماعة المؤسسة التي حملت الثورة مبكرا ونظامها لاحقاً، ولعلّ أبرز ما يقلق هذه الجماعة التي انضم إليها روحاني هو “الخوف” من ان يتحول التمسك او الحديث عن البعد الجمهوري للنظام والدفاع عنه بمثابة “جريمة” يعاقب عليها من يعتقد بها. ولعل مجاهرة روحاني بهذه المخاوف يرتبط بممارسات لجنة دراسة اهلية المرشحين في مجلس صيانة الدستور التي انها قد اتخذت قرارها نيابة عن التيار المتشدد، بعدم التسامح مع اي شخصية اصلاحية ذات ثقل سياسي او اجتماعي او ثقافي وتملك تمثيلا شعبيا بالمشاركة في الانتخابات او الوصول الى البرلمان، وقد وسَّع هذا المجلس “صيانة الدستور” من الدائرة الشخصيات التي طالتها “مقصلة” الإبعاد لتطال أفراداً وسياسيين محسوبين أو منتمين للتيار المحافظ، ولم يتخلصوا من الروحية المؤسسة أو التقطوا المستجدات الفكرية والاجتماعية والسياسية التي تكوَّنت في المجتمع الإيراني، ويواكبون الحراك الفكري الناشط والحيوية السياسية التي باتت واضحة وقوية في الاوساط الايرانية، فضلاً عن اكتشافها لحجم التناقضات في أداء التيار المتشدد، بين الشعارات المبدئية والممارسات العملية المتعارضة مع المبادئ التي ينادون بها او يعتقدون فيها.

اقرأ أيضاً: إيران: طريق العودة إلى الواقعية

ويعتقد الجناح المتشدد في التيار المحافظ، ان المرحلة التي تمر بها ايران قد تكون الفرصة المناسبة للانتقال الى ترسيخ مبدأ “التمكين” الذي يشكل اساس الحكومة الاسلامية، مستفيداً من تصاعد وتيرة المواجهة مع الولايات المتحدة – العدو النوعي للنظام وثورته- على خلفية اغتيال قائد فيلق القدس في حرس الثورة الجنرال قاسم سليماني، وما رافقها من مظاهر الحشود الشعبية في تشييعه، وتوظيفها بالارتداد على الداخل والعمل على إبعاد كل مصادر الخطر التي قد تشكل تهديداً محتملاً لمسار استحواذه على مفاتيح، وما تبقى من مراكز القرار في هرمية النظام، معتبرا ان السيطرة على المقاعد البرلمانية وابعاد او اضعاف القوى والاحزاب والتوجهات الاخرى تؤسس لاستعادة السلطة التنفيذية بعد سنة. وبالتالي يكون قد استطاع ان يجمع كل مراكز القرار السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية في قبضته، وتحويل الآليات الديمقراطية التي تضمنها الدستور الى آليات للاستفتاء على استمراره وسيطرته، خصوصا وانه لن يكون قادرا على التخلص من هذه الآليات الا من خلال الاستفتاء، الامر الذي لا يرغب في فتح باب النقاش حوله، لأن السماح بأي استفتاء سيجر الأمور الى مناطق لا يرغب بالوصول اليها.

الصوت المحذِّر الذي رفعه روحاني والهواجس والمخاوف التي تحدث عنها من بوابة الانتخابات البرلمانية، قد يكون في قرارة نفسه غير راغب بأن تصل الأمور الى هذا المستوى، إلا أن الصعوبات التي واجهها على مدى ست سنوات ونصف السنة في ادارة ملفات الدولة والمفاوضات مع المجتمع الدولي والاقتصادي، لم تترك له مساحة للبقاء في دائرة السكوت، خصوصاً وان الطرف الآخر يعمل بكل ما لديه من نفوذ لترجمة اهدافه حتى ولو كانت على حساب الدولة والسلطات الدستورية، وهو على استعداد للتضحية بأي انجاز تحققه ادارة روحاني من أجل تأكيد صدقية الشعارات التي رفعها ومعارضته لسياسة التفاوض والانفتاح على المجتمع الدولي.

اللقاء الذي جمع روحاني بسلفه الأسبق الرئيس محمد خاتمي، والكشف عنه إعلامياً، يمثل رسالة واضحة باتجاهين، الاول للنظام بأنه – اي روحاني- قد حسم خياراته واتخذ خطوة حاسمة بالابتعاد عن التردد في الانحياز اكثر نحو التيار الاصلاحي على حساب علاقته التاريخية مع التيار المحافظ، والثاني يخاطب المجتمع الايراني بأن المرحلة هي بمثابة معركة وجودية للقوى المتمسكة بجمهورية النظام وآلياته الديمقراطية والاستمرارية السياسية والفكرية والاجتماعية، ما يعني ضرورة التخلي عن الحساسيات والمناكفات، وعدم القطيعة مع صندوق الانتخابات، خصوصاً وان الخصم يراهن على تعميق شعور الإحباط من امكانية التغيير لدى الشريحة الأوسع والأغلب في المجتمع، وان يجد هذا الإحباط  ترجمته العملية في المقاطعة، الأمر الذي يسمح للتيار المحافظ بحشد جماعاته لفرض النتائج التي يريدها معتمداً على الشرعية التي استمدها من مسيرات تشييع سليماني وإدراجها بمثابة الاستفتاء على شرعية وشعبية النظام، بحسب تعبير المرشد.

السابق
جديد قضية غصن.. مذكرة اعتقال بحقه وتورط جندي أميركي بعملية تهريبه!
التالي
الفيروس القاتل.. ارتفاع ضحايا «كورونا» وتسجيل 1032 إصابة جديدة!