السلطة تستدرج العنف والصدأ يطال سلاح حزب

القوى الامنية في مواجهة المتظاهرين

مهما كان الموقف من مسألة الانجرار نحو العنف في لبنان، فإن المسار الذي تتجه إليه الأوضاع اللبنانية من الفوضى في إدارة الحكم والسلطة، يدفع إلى ترجيح دخول لبنان في حالات من العنف والفوضى، بدأت مظاهرها في البروز على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي، وقبل ذلك على المستوى السياسي.

علي الأمين

لعل أبرز ما يرجح هذا المسار العنفي ويدفع به إلى الأمام، هو تعامل السلطة الحاكمة غير المبالي مع مطلب الانتفاضة بتشكيل حكومة مستقلين، عبر الذهاب نحو مزيد من ترسيخ المحاصصة في الحكومة المزمع تشكيلها برئاسة حسان دياب. وإلى جانب هذا السلوك يشهد لبنان تدهوراً اقتصادياً، عبّر عنه إغلاق مئات المؤسسات الاقتصادية وصرف الآلاف من العمال، كما يشهد تدهورا للعملة الوطنية يترافق مع قيود غير مسبوقة في القطاع المصرفي على سحوبات المودعين، صغارهم وكبارهم، إلا من كان من المحظوظين ومن أزلام السلطة المحظيين، ما جعل المصارف هدفاً لمجموعات من المنتفضين، بسبب تلك الإجراءات التي لم يتقبلها اللبنانيون وعبر بعضهم عن رفضها بالعنف المباشر عبر الإحراق والتكسير لبعض فروع المصارف كما جرى في بيروت قبل أيام.

اقرأ أيضاً: لبنان ينتفض.. بيروت تشتعل.. والعالم لا يبالي

العنف المرتقب أيضا، يمكن أن تتسبب به البطالة وانعدام فرص العمل والإنتاج، وسط حال من عدم الاهتمام من قبل السلطة تجاه هذا التدهور.

فالتدهور المعيشي غير المسبوق حتى في زمن الحرب، وتراجع قيمة العملة الوطنية، وغياب أية سياسة إنقاذية، مع إعلان إفلاس مئات المؤسسات الاقتصادية يعني أن الأمن الاجتماعي دخل مرحلة خطرة، وهو ما تعبر عن جانب منه حالة الغضب في الشارع، وهو رغم ما يحتويه من عنف، إلا أنه لم يزل في الخانة الإيجابية، لأنه لم يتحول بعد إلى مظاهر إجرامية، من نهب وقتل وسرقة، ولكنه قابل إلى هذا التحول، طالما أن السلطة تستدرجه من خلال سياستها التي تتمسك بإعادة إنتاج السلوك السياسي نفسه، أي المحاصصة وعدم الانخراط في خيار إنقاذي، بات لا مفر منه إن كانت تريد الحدّ من الانهيار أو لجمه.

الفوضى التي أشرنا إليها في توصيف أداء السلطة، لم تعد خيارا واعياً أو إرادياً، بل هي تعبير حقيقي وموضوعي عن واقعها اليوم. فهذه السلطة التي تتحكم بالدولة استندت منذ سنوات ولاسيما مع انتخاب الرئيس ميشال عون، إلى سلطة حزب الله وسطوته، فهو الذي ضَمن معادلاتها الحكومية، ونظام المحاصصة والفساد فيها، وأدار بشكل مباشر سياساتها الخارجية والداخلية، معتمدا على تفاهمات وتحالفات مع قوى سياسية جوهرها تسليم هذه القوى بدوره الاستراتيجي والعسكري وتبني الحكومة لرؤيته، في مقابل حمايته لنفوذ هذه القوى وصون مكاسبها وهي في غالب الأحيان غير مشروعة.

اليوم يبدو حزب الله واقفا أمام انهيار السلطة والدولة التي شكّلَهَا على صورة دولة سماها “دولة مقاومة”، يحكمها محور المقاومة، يمتلك القدرة فيها على استصدار ما يريد من قرارات ومنع ما يشاء. هذه السلطة التي قامت وتشكلت على صورته، باتت اليوم رغم فائض القوة الذي تمتلكه من خلال حزب الله، عاجزة عن اتخاذ أي قرار رغم أنها قادرة ماديا على اتخاذه. فحزب الله يستطيع أن يشكل الحكومة التي يريد، ويستطيع أن يلزم حلفاءه، بأي حكومة يراها، لكن الواقع يقول إن أي حكومة ستكون مسيئة له أكثر مما هي مفيدة، لأن أي حكومة محاصصة تابعة له، ستكون مرفوضة شعبيا فضلا عن أنها ستكون عاجزة عن القيام بأي خطوة إيجابية تستدرج دعما دوليا، وإذا كانت حكومة مستقلين فعلا، فإن دورها سيكون إنهاء سلطة المحاصصة والمحسوبيات التي يستند عليها نفوذ حزب الله.

ولعل أبرز ما تكشفه تداعيات الوضع اللبناني أن استعراض القوة الذي مارسه حزب الله في الداخل وفي الخارج العربي، كان نفوذا يرتكز في بطشه الأمني والسياسي والعسكري، على مستوى من التناغم مع المصالح الخارجية والدولية.

ومع بداية رفع الغطاء عن دوره ونفوذه العسكري والأمني من خلال العقوبات المالية، وأخيرا من خلال ما مثلته عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني من تأثير على دور الأذرع الإيرانية ومنها حزب الله، فإن هذه القوة التي استعرض بها حزب الله بدت وهمية، ومربكة وعاجزة عن مواجهة أزمة اقتصادية ومالية في بلد كلبنان، وهي التي كانت تقدم نفسها على أنها قوة إقليمية قادرة على إدارة محور المقاومة، إلا أنها انكشفت على أنها تنتمي إلى نموذج حكم يكمن عنصر قوته في الإفساد والفساد وعلى تغييب نموذج يتمتع بمواصفات تنتمي إلى مفهوم الدولة.

الهشاشة التي يظهر فيها حزب الله اليوم، ترتكز على منهج القوة بمفهومها العسكري، فهو أسس لها وبناها منطلقا من ضعف الدولة، بل تحول إضعاف الدولة إلى شرط لقوته ونفوذه، متصورا أن تشغيل الدولة في خدمة مشروعه الحزبي كفيل بتحصينه، وأن ترسيخ ثنائية السلطة يجعل منه قويا على طول الخط، وأن تحويل الديمقراطية إلى مجرد آلية خالية من أي مضمون يحترم التنوع السياسي ويحميه، سيجعل من الديمقراطية الشكلية في خدمة سلطة الاستبداد التي لا يستقيم من دونها.

تنكشف سلطة حزب الله اليوم على الخواء، إذ لم يعد في لبنان من يطالب بنزع سلاحه لأنه فقد قدرته على ابتزاز الداخل والخارج، لا يذكر أحد من المنتفضين نزع هذا السلاح في سلة مطالبه، ولا يبدو أن أحدا هذه الأيام مهتم ببقائه أو عدمه. لقد خرج هذا السلاح من المعادلة، بل لم يعد أحد من اللبنانيين يهتم بمقايضته بثمن سياسي أو بغيره. هذا السلاح دخل في مرحلة الصدأ، بعدما صار لبنان أمام تحديات لا يستطيع السلاح أن يوفر لها أجوبة عملية، في وجوده أو في إنهاء وجوده.

السمة الوطنية لم تعد ملكا لحزب الله ولا لحلفائه، فبعد كل هذا الفساد والإفساد الذي مورس بقوة السلاح أو بالتحالف معه، وأدى إلى انكشاف لبنان وضعف الدولة فيه، وأدى إلى الوقوف على أعتاب الدول لاستجداء المساعدة، كل ذلك كشف أن القوة الفعلية للبنان جرى تقويضها عبر سياسة استباحة الدولة والدستور والقانون، والأهم في محاولة جعل لبنان مجردا من علاقاته العربية، ومستعديا لكل من كان يقرره الراحل قاسم سليماني على أنه عدو. والعنف الذي استخدمه حزب الله لترسيخ وجوده الشرعي وغير الشرعي في المجتمع والدولة، هو ما ينتظره، فالمقاومة التي طالما كانت في زمن حزب الله وسيلة لإلغاء أي مخالف، صارت اليوم واقعا مختلفا في نفوس اللبنانيين الذين صار معظمهم يدركون أن شرط بقاء لبنان هو استعادة الهوية الوطنية التي أفسدتها “سلطة المقاومة” وشوهتها دكتاتورية المقاومات الإيرانية باسم الدين حينا، وباسم المذهبية في معظم الأحيان.

السابق
باسيل يلوّح بعدم المشاركة في «دافوس».. ويتحجج بالحكومة!
التالي
الباصات إنطلقت من طرابلس.. هل تشتعل شوارع بيروت الليلة أيضاً؟