هل تصدق مقولة ترامب اتجاه إيران؟

ترامب

التكلفة الباهظة

مع تنامي غضب محور الممانعة الذي ترأسه إيران من قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في ضربة جوية أميركية، وتهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد إقرار برلمان العراق قانونَ إخراج القوات الأجنبية من البلاد بـ”فرض عقوبات على بغداد ستكون عقوبات إيران في موازاتها شيء صغير”، وقوله للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية بأن “على العراق إذا غادرت القوات الأميركية أن يدفع لواشنطن التكلفة الباهظة لقاعدة جوية بمليارات الدولارات.

اقرأ أيضاً: هل «تستثمر» أميركا وإيران في إزاحة سليماني؟!

لن نغادر إلا إذا دفعوا”، في ظل حرب ردود وردود مضادة شعواء بين إيران والولايات المتحدة وفي وقت بدأت أبواق الممانعة داخل العراق تتحدث عن وجود أميركي أشبه بالاحتلال، وتشي الخطابات النارية من الطرفين بقوة بأن الحرب الهوجاء ستنفلت من عقالها لأدنى حادث في الشرق الأوسط، بعد أن ثبُتَ بالعيان أن الرئيس الأميركي ينفّذ ما يقول، فقد وعد الأميركيين بتحسين الاقتصاد وفعل، ووعدهم بقتل أعداء أميركا فاصطاد أبا بكر البغدادي أولًا، ثم قاسم سليماني ثانيًا، ووعدهم بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وفعل، ووعدهم بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران وفعل، والآن يعدهم بضرب إيران إذا تورطت بأي اعتداء على الأميركيين ومن المحتمل أن يفجّر عند أدنى تحرش إيراني حربًا مدمرة لا قِبَلَ لإيران بها مع قوات في المنطقة قوامها 60 ألف جندي بينهم 5200 في العراق، فتلقف الإيرانيون هذه الحقيقة المرّة، وفهموا – وهم دهاقنة السياسة – عند تلقّيهم رسالة من واشنطن سلمهم إياها القائم بالأعمال السويسري في طهران وتتضمن طلبًا بـ”ألّا يتجاوز الرد الإيراني سقف الانتقام لسليماني فقط”.

الدفاع عن النفس

إن مرادَ الرئيس الأميركي هو التوصل إلى مخرج للطرفين ينهي الأزمة، فاستجابوا برد بالغ الوضوح من المتحدث باسم هيئة الأركان الإيراني العميد أبو الفضل شكارجي، وفيه أن “الأميركيين سيتلقون ضربة أقوى في حال ارتكبوا أي جنون بعد رد طهران”، وبتصريح من مستشار خامنئي العسكري لـ”سي. أن. أن.” بأن “الرد سيستهدف مواقع عسكرية أميركية، والقيادة الإيرانية لا تسعى للحرب، وعلى واشنطن أن تتقبل ردًّا يتناسب مع فعلها”، وسرعان ما جاء الرد فجر الأربعاء، بإطلاق إيران 6 صواريخ باليستية استهدفت قاعدة عين الأسد الأميركية في الأنبار، تلاه بيان عبر التلفزيون الإيراني تضمن، على طريقة أحمد سعيد ومحمد سعيد الصحّاف، أنّ 80 قتيلاً أميركيًّا سقطوا في الهجمات، وأن “عين إيران على 100 هدف آخر، وردها في حال وقوعِ هجوم أميركيٍّ جديد سيكون أكثر تدميرًا”، فيما قال الرئيس الأميركي في تغريدة: “نجري تقييمًا للأضرار وكل شيء على ما يرام حتى الآن، فلدينا الجيش الأقوى والأكثر تجهيزاً في العالم، وسأدلي ببيان صباح الغد”.

الولايات المتحدة تسعى لإفهام إيران أن الآلة العسكرية الجبارة التي أسقطت عراق صدام حسين وسمحت لإيران ببناء إمبراطوريتها المسماة “محور الممانعة” جاهزة لتكرار السيناريو نفسه مع إيران في أي ساحة

وغرّد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف قائلًا: “استَهدفت إيران في إطار الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة القاعدة التي انطلق منها هجوم مسلح جبان على مواطنينا وكبار مسؤولينا. لا نسعى إلى التصعيد أو الحرب لكن سندافع عن أنفسنا في وجه أي عدوان”.
ومع إسفار الصباح نقلت “سي. أن. أن.” عن  مسؤول عسكري أميركي أن “المنطقة التي ضُربت في عين الأسد لم تكن تحتضن أميركيين”، فيما جاء قول مسؤول عسكري أميركي لشبكة “سي أن أن” ليجلوَ حقيقة المسرحية ويكشف خيوطها كاملةً، وهو أن “الجيش الأميركي تلقى إنذاراً مبكراً بشأن الضربة الصاروخية الإيرانية فتمكن العسكريون من الوصول إلى الغرف المحصنة في القاعدة”.

الوجود الأميركي في العراق!

وعودًا على بدء… هل يُعتبر القانون العراقي الجديد مُلغيًا لقانون أو اتفاقية سبقاه ويسمحان للقوات الأميركية بالوجود على أرض العراق حتى الآن؟
لقد بدأ الوجود الأميركي على أرض العراق باجتياح القوات الأميركية والبريطانية في 19 آذار 2003 العراق من دون أي غطاء أممي، ما جعله في حكم قوات احتلال، لولا مسارعة مجلس الأمن الدولي بعد مضي حوالى الشهرين (في 22 أيار من العام ذاته) إلى إصدار القرار 1483 القاضي بتأسيس “صندوق التنمية العراقي”، الذي أعطى القوات الغازية بعض الشرعية بإيكاله إلى الإدارة العراقية الموقتة الجديدة التي أنشأها التحالف المحتل برئاسة جاي غارنر وبول بريمر بصفتها تدير البلاد بالأمر الواقع، تنفيذ الفقرة 14 من القرار التي تنص على «التصرف بأموال الصندوق بشفافية لإشباع حاجات الشعب العراقي الإنسانية وإعادة بناء الاقتصاد وإصلاح البنية التحتية»، وحُوِّلت كل المبالغ المتبقية في «برنامج النفط مقابل الغذاء» الملغى إليه، إضافة إلى عائدات صادرات النفط الخام والغاز، الى حين اختيار حكومة عراقية معترف بها دولياً، وبقيت هذه الشرعية المنقوصة لقوات الاحتلال حتى العام 2008، حين أُبرمت الاتفاقيةُ الأمنية بين الولايات المتحدة وحكومة العراق برئاسة نوري المالكي المسماة “اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعمل القوات الأميركية في العراق”، القاضية بأن “على القوات الأميركية أن تنسحب من البلدات العراقية بحلول منتصف عام 2009 وأن تغادر البلاد بشكل كامل بحلول 31 كانون الاول عام 2011”.

وبالفعل، أعلنت الولايات المتحدة في عام 2011 رسميًّا سحب القوة المتبقية المقدرة بـ50 ألف جندي من العراق وإنهاء مهامها القتالية، بعد أن كانت سحبت معظم جنودها في 2010 وأبقت هذه القوة لتدريب الجيش العراقي وتقديم الدعم الجوي إليه في محاربة الإرهاب وكمستشارين، بعد أحداث كثيرة وعاصفة جدًّا لا مجال لذكرها هنا. لكن القوات الأميركية عادت إلى العراق في منتصف 2014  بعد وصول التمرد إلى مستويات مرتفعة جديدة، وسيطرة “داعش” في بدايات حزيران على الموصل وتكريت واستعداده لاحتلال بغداد، وسيطرة القوات الكردية على منشآت النفط في كركوك، ورفْض البرلمان العراقي طلب الرئيس المالكي إعلان حالة الطوارئ لزيادة سلطاته، ما اضطره من دون إذن البرلمان إلى تقديم طلب رسميّ من حكومة العراق إلى الولايات المتحدة لتقديم دعم جوي للقوات العراقية والمساعدة في إيقاف تقدم داعش، فأعادت أميركا جنودها إلى العراق عام 2014، وبقيت هناك مسكوتًا ومرضيًّا عنها بحكم حاجة النظام وساداته الإيرانيين إليها لمحاربة أعداء إيران من التنظيمات المتطرفة، ولما تحوّلت إلى محاربة إيران وإيلامها بقتل سليماني باتت في حكم المغضوب عليها.

وهل يجوز يجوز للحكومة العراقية دفع ادعاء ترامب بحقه في ثمن القاعدة العسكرية انطلاقًا من بند في اتفاقية 2008 التي أصبحت في حكم الملغاة ولم تعد تحكم علاقة الطرفين بعد الانسحاب الأميركي في 2011، وهو البند القائل بأن “كل المباني الثابتة التي تستخدمها القوات الأميركية تصبح ملكًا للعراق، وتسلَّم كل القواعد العسكرية الأميركية للعراق عندما تنسحب منها القوات الأميركية”؟

الرفض الأميركي

وكيف نستطيع الربط بين رفض الرئيس الأميركي الانسحاب من العراق إلا بشروط وبين خبر أوردته وكالة “فرانس برس” وغيرها الإثنين، عن توجيه رسالة أميركية رسمية موقّعة من العميد ويليام سيلي الثالث قائد عمليات القوة المشتركة في العراق إلى نائبه الفريق الركن عيد الأمير رشيد يارالله، تفيد بأن قوات التحالف تقوم بـ”إجراءات معينة لضمان الخروج من العراق بشكل آمن وكفوء… وبإعادة تمركز خلال الأيام والأسابيع القادمة”، وأنه “خلال هذا الوقت ستكون هناك زيادة برحلات الطائرات المروحية داخل وحول المنطقة الخضراء خلال ساعات الليل زيادة في الحيطة وليس لأنه يتم جلب المزيد من القوات”، ثم إعلان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر في وقت لاحق من اليوم ذاته (الإثنين)، نقلًا عن “رويترز” أن لا خطط لدى بلاده للانسحاب من العراق، ولا نؤكد أن الرسالة حقيقية”، ليأتي الخبر اليقين أخيرًا حول الرسالة من رئيس الأركان الأميركي مارك ميلي الذي أعلن أنها “مسوَّدة غير موقَّعة وربما تكون أُرسلت بالخطأ”.

اقرأ أيضاً: لا خسائر بشرية في المواقع الاميركية.. هل تجنبت ايران ازهاق الارواح؟

التصريحات العنترية

لم تُظهر الولايات المتحدة بعد ضربة سليماني أيَّ تراجع في مواجهة إيران، التي استمرت وأذرعها في المنطقة كما كان متوقعًا بإطلاق التصريحات العنترية، مثل “قصف حيفا” و”منع تدفق النفط الخليجي” و”إزالة أميركا من المنطقة” و”تحويل القواعد الأميركية إلى ركام” و”محو إسرائيل” و”نهاية الوجود الأميركي في غرب آسيا” و”تخصيب اليورانيوم بلا قيود”… وغيرها، في وقت أمر البنتاغون بإرسال ست قاذفات استراتيجية بي 52 إلى قاعدة العيديد الجوية في قطر ونشرت القيادة الوسطى الأميركية صورًا لها بعد وصولها، وذلك بعد أيام من إرسال واشنطن مجموعة سفن هجومية إلى المنطقة تقودها حاملة الطائرات “يو أس أس أبراهام لنكولن” وأعلنت هيئة قناة السويس المصرية عن عبورها القناة، كما أرسلت أرتالًا عسكرية وطائرات شحن مروحية بشكل كثيف إلى معسكر التاجي شمال بغداد، وهو حشد المقصود منه في المقام الأول إفهام إيران أن الآلة العسكرية الجبارة التي أسقطت عراق صدام حسين وسمحت لإيران ببناء إمبراطوريتها المسماة “محور الممانعة” جاهزة لتكرار السيناريو نفسه مع إيران في أي ساحة، وأن ما قبل قتل سليماني ليس كما بعده، وما بعده هو وضع إيران في موقع دفاعي بعد أن بقيت 40 سنة في موقف هجومي واستباحت “أربع عواصم عربية” كانت موضع تفاخر وشماتة صدرت عن أكثر مسؤول إيراني، يلي ذلك إجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات بشأن الملف النووي بعد تغريدة لترامب جاء فيها “إيران لن تمتلك أبداً سلاحاً نووياً”، والتفكير الجدي في تقليص نفوذها في المنطقة وتوقفها عن دعم ميليشياتها المسلحة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين، وتهديد دول الخليج، مقابل فوزها بـ”الجائزة الكبرى” التي كان عرضها ترامب عليها في وقت سابق، وهي أن تكون أغنى دولة في المنطقة، وهي لا تزال معروضة حتى الآن حين قال ترامب إن “إيران التي لم تكسب معركة عسكرية تستطيع أن تكسب على طاولة المفاوضات”، فهل تأتي جمهورية الولي الفقية طائعة إلى هذه الطاولة؟ 

السابق
لبنان على موعد مع عاصفة ثلجية.. والدفاع المدني يوصي بالتنقل عند الضرورة!
التالي
حكومة دياب «ضعيفة» بنظر الفرنسيين: أمامها 60 يوماً