إيران بين تحديات الخارج ومعركة الداخل

حسن فحص
تحديات غير مسبوقة على الصعيد الإقليمي وما فيها من إعادة رسم أوزان للحلفاء.

في الوقت الذي يواجه النظام الإيراني تحديات غير مسبوقة على الصعيد الإقليمي وما فيها من إعادة رسم أوزان لحلفائه في مناطق نفوذه، فإن تحدياً أكثر إلحاحاً بدأ الجدل حوله في الارتفاع على الصعيد الداخلي، محوره الانتخابات البرلمانية التي باتت قاب قوسين أو أدنى، وما تشكله النتائج التي ستسفر عنها في تعزيز قبضة التيار المحافظ وسيطرته على مراكز القرار، خصوصاً السلطة التشريعية، بعد الخلل الذي أصاب أداءها في المرحلة السابقة والأصوات التي ارتفعت من بعض النواب معترضة على السياسات الاقتصادية، وما يتعلق بقرار النظام ممثّلاً بالسلطات الثلاثة والسلطتين الأمنية والعسكرية، رفع أسعار الوقود الذي نتج عنه حركات احتجاجية جرى التعامل معها بكل قسوة وقمع مفرط، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى وخسائر اقتصادية ومالية جسيمة.

وفي هذا الإطار، يبدو أن الجناح المتشدد يراهن كثيراً على المعركة الانتخابية البرلمانية، ويحاول استجماع كل مفردات القوة التي يمتلكها في هذه المواجهة، من أجل إخراج كل المنافسين من القوى من السباق الانتخابي أو تحجيم حصته إلى الحد الأدنى، بحيث لا يشكل عائقاً أمام تمرير وفرض سياسات النظام التشريعية، من خلال السعي الدائم والمستمر لتوحيد صفوفه وتشكيل جبهة موحدة من القوى والأحزاب الموالية للنظام، تكون قادرة على تحقيق سيطرة مريحة على البرلمان، تكون بمثابة الذراع التشريعية والقانونية لقيادة النظام في إسباغ الشرعية على كل الخطوات التي قد تكون بحاجة لها.

من هنا يمكن فهم الموقف الذي أعلنه اسماعيل كوثري اللواء في حرس الثورة، نائب قائد مقر ثار الله المسؤول عن العاصمة طهران، والذي سبق أن شغل مقعداً نيابياً عن العاصمة في الدورة السابقة للبرلمان، حين قال “يجب أن يكون المجلس المقبل منسجماً مع تطلعات المرشد”، ما يعني أن القوى التي تسعى للسيطرة على المشهد البرلماني ستعمل على توظيف ما تملكه من قدرات ومواقع في السلطة من أجل تحقيق هذه الرؤية، وتوظيف كل الوسائل لتوفير الأرضية التي تضمن وصول نواب لا يعارضون إرادة المرشد، ويعملون على تأمين الغطاء التشريعي “نيابة عن الشعب” لهذه التطلعات، وذلك من خلال استخدام سلاح “هيئة الرقابة” في مجلس صيانة الدستور، التي تتولى دراسة أهلية المرشحين وإذا ما كانت مواقفهم وآراؤهم السياسية لا تتعارض مع الأسس الدستورية للنظام، خصوصاً ما يتعلق بمبدأ “الالتزام بولاية الفقيه المطلقة”، وذلك من أجل استبعاد كل الأسماء الإصلاحية وغير الإصلاحية وحتى المعتدلة، التي يمكن أن تشكل مصدر قلق وإزعاج داخل البرلمان، وتكون تعبيراً عن رأي شريحة اجتماعية تعارض النظام أو لديها رؤية سياسية وإدارية واقتصادية لا تنسجم مع رؤية النظام وأركانه.

اقرأ أيضاً: سيناريوهات المواجهة الإيرانية – الأميركية في العراق

ومن ناحية أخرى، واستكمالاً لهذه الخطوة، يراهن التيار المحافظ والمتشدد على تراجع المشاركة الشعبية في الانتخابات، التي تعني في حساباته تراجعاً واضحاً في حظوظ القوى المنافسة والمعارضة في تحقيق إنجاز كما حصل في الانتخابات الماضية، والتي سمحت لهم بأن يشكلوا كتلة نيابية مشاكسة ومعترضة، برزت بشكل واضح عندما دفعت باتجاه مساءلة الحكومة والنظام عن الإجراءات القمعية التي رافقت قرار رفع أسعار الوقود، ما أجبر المرشد أن يدفع بأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، للمثول أمام البرلمان وتقديم مرافعة دفاعية عن هذا القرار، مؤكداً أنه جاء بناء على رؤية وقرار المرشد الأعلى، الأمر الذي أسكت هذه الأصوات وأجبرها على التراجع والتزام الصمت.

وإذا ما استطاع التيار المتشدد استعادة السيطرة على السلطة التشريعية وإنهاء الجدل حول هويتها الملتبسة في الدورة الحالية، يعني أنه استطاع السيطرة على اثنتين من السلطات الثلاثة (القضائية والتشريعية) المكونة لمراكز القرار في النظام دستورياً، وانتظار الانتخابات الرئاسية عام 2021 لاستكمال العقد، سيستمر في محاصرة موقع الرئاسة والحكومة وفرض السياسيات التي يريدها من دون أن يتحمل مسؤوليتها، بما يمهد له أن يتحول إلى منقذ ومصدر خلاص “وطني” من الأزمات التي تسببت بها الحكومة. وبالتالي من المتوقع أن يكون عام 2021 عاماً مفصلياً في مساعي التيار المحافظ، في الاستحواذ الكامل على مفاصل النظام السياسية والتشريعية والقضائية والأمنية والعسكرية، التي لم تتوفر له على مدى العقود الماضية بسبب التوازنات التي فرضت تقاسماً بينه وبين القوى الإصلاحية عبر الانتخابات وصندوق الاقتراع.

هذه المساعي قد تساهم في تغيير طبيعة النظام وتضرب البعد الجمهوري في تركيبته، خصوصاً وأن جهود “هندسة” العملية الديمقراطية والعمليات الانتخابية والتحكم بنتائجها والآليات التي تضمن الصورة الجمهورية للنظام، تتجه صوب التراجع لصالح نظام “ممسوك” ومركزي، تمنح المرشد أو من يخلفه صلاحيات وسلطات مطلقة.

ولعل هذه المخاوف هي التي دفعت أصواتاً تحسب تاريخياً على التيار المحافظ، مثل الشيخ مسيح مهاجري الذي يتولى رئاسة تحرير صحيفة “جمهوري إسلامي”، التي أسست لتكون الناطقة باسم الحزب الجمهوري الذي تولى أمانته العامة في مطلع الثمانينات المرشد الأعلى، والتحذير الذي أطلقه من تحول النظام الإسلامي إلى نظام ملكي يشبه النظام السابق، عندما قال “إذا أزال أصحاب المواقع جلد السلطة ونزعوا فراء القدرة والأقنعة عن وجوههم، وقاموا بالتدقيق في أعمالهم وتصرفاتهم، فسنصل جميعاً إلى نتيجة بأننا أصبحنا ملوكاً، فإذا كانت الملكية هي التعلق بالألقاب، فنحن لدينا هذا التعلق، وإذا كانت بعدم الاهتمام بمعيشة الشعب فنحن لا نهتم، وإذا كانت بالابتعاد عن الشعب فنحن ابتعدنا، وإذا كانت في عدم الإصغاء لكلام الضعفاء، فنحن لا نصغي، وإذا كانت في تحويل المجتمع إلى مجتمع طبقي، فنحن قمنا بهذا العمل، وإذا كانت في إنشاء معامل تنتج المستضعفين، فنحن الآن نقول بشكل رسمي: لدينا 60 مليون مستضعف”.

السابق
2020: دخان أسود من العراق إلى ليبيا
التالي
بالفيديو: إغلاق «مغارة علي بابا» في المرفأ؟.. الحراك يطالب