روسيا قلقة.. الثورات تهدد حلف الأقليات

روسيا

على أبواب بيروت وبغداد، تُجدد موسكو التمسك بموقفها السلبي من ثورات الربيع العربي، وربطها سياسيا وثقافيا بأجندات غربية ترى موسكوا أنها كانت وراء الثورات الملونة التي هددت الاستقرار العالمي. لهذا تبرر انحيازها الكامل للأنظمة بوجه خيارات الشعوب؛ وهي لا تزال ترى أن مصالحها مرتبطة بهذه الأنظمة خصوصا تلك التي تقع في مجالها الحيوي وامتداداتها الجيوسياسة، ولم تتردد موسكو في الانخراط مباشرة في قمع الثورات وفي الوقوف إلى جانب الثورات المضادة.

يوجد عاملان خلف الموقف الروسي هذا؛ عامل داخلي مُصاب بالقلق الدائم من انتقال عدوى التظاهرات إلى الداخل الروسي، وخصوصا أن تظاهرات الصيف الفائت في موسكو وعدد من المدن الروسية الكبرى كسرت حاجز الخوف وهيأت الأرضية لها. أما العامل الثاني فهو قلق استراتيجي يهدد مشروع موسكو في إعادة بناء نفوذها الخارجي.

اقرأ أيضاً: إيران… ثنائية المركزية والمخاطر

فموسكو المسكونة بهواجسها الإمبراطورية القارية، نجحت في تحييد أنقرة واحتوائها وساعدها التردد الأميركي في تدجينها سياسيا وجغرافيا، كما أن موسكو لم ولن تتردد في الدفاع عن استقرار النظام الإيراني واستمراره لاعتبارات عديدة تاريخية عقائدية وجغرافية كون إيران شكلت منذ قرون بوابتها الأكثر أمنا باتجاه الشرق خصوصا منطقتي شرق المتوسط والخليج العربي.

فما بين الجغرافيا والمصلحة عمدت النخب السياسية والإعلامية الروسية إلى شيطنة انتفاضة الشعبين اللبناني والعراقي، واعتبرت أن ما يحدث هو فوضى مصطنعة نتيجة لأسباب معيشية تستغلها قوى خارجية لإضعاف نفوذ حليفتها طهران.

وفي هذا الصدد ينقل الخبير في الشؤون الروسية الدكتور باسم المقداد عن صحيفة البرافدا أن “الأحداث في البلدين مرتبطة برغبة الولايات المتحدة وحلفائها المحافظة على هيمنتها في الشرق الأوسط، وهي تستغل هفوات الأنظمة الحاكمة في البلدين، مما ينبغي أن يشكل درسا لجميع البلدان التي تطمح إلى التطور المستقل”.

هذا المنطق في التشويه المتعمد للأحداث لا ينفصل عن ما قاله السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسيبكين في حديث تلفزيوني: “موقفنا دائما هو أننا نعتبر أن “الثورة المهرجانية والفولكلورية” يمكن أن تتحول إلى أشياء مأساوية، ويجب الاستعجال من قبل السلطة والتحرك لترتيب الأمور اليوم قبل غد… إن لم يتم تشكيل الحكومة بشكل عاجل ستزداد المشاكل”.

كلام سفير موسكو في بيروت يتصل بموقف روسيا الرسمي الذي عبر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قام بزيارة لبغداد في أكتوبر والتقى نظيره العراقي ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، وأكد في لقاءاته على دعم موسكو للمنظمة السياسية الحالية التي تدور بالفلك الإيراني وعلى تعزيز الشراكة معها خصوصا في قطاعي النفط والغاز حيث تستفيد موسكو من التسهيلات التي تمنحها طهران عبر الحكومة العراقية الموالية لها للشركات الروسية والصينية الكبرى للاستثمار في مجال الطاقة بهدف خلق منافسة للشركات الأميركية التي تراجعت استثماراتها بعد قرار إدارة باراك أوباما الانسحاب من العراق سنة 2009.

وقد علقت صحيفة” فورين بوليسي” الأميركية، على زيارة لافروف في هذا التوقيت بأنها لم تكن على غرار الزيارة الدبلوماسية السابقة، حيث كان أغلب أعضاء الوفد الروسي من رجال الأعمال، إضافة إلى ممثلين عن شركات النفط والغاز الروسية الكبرى.

فمما لا شك فيه أن موسكو المندفعة منذ عقد تقريبا باتجاه المياه الدافئة وتعمل على إعادة الصياغة الجيوسياسية لمحطات طريق الحرير والعمل من أجل ضمان العلاقة المتينة بدول ممرات الطاقة (تركيا وسوريا) وحماية دول الإنتاج (إيران والعراق) إضافة إلى لبنان باعتباره موطئ قدم لحليفتها طهران على مياه المتوسط، وذلك بهدف قطع الطريق على قرار أميركي محتمل في إعادة التموضع الاستراتيجي شرق المتوسط.

وفي السياق، تتعالى الأصوات الأميركية بضرورة مواجهة النفوذ الروسي المتصاعد في هذه المنطقة الحيوية وعبّر عنه سفير واشنطن السابق في بيروت جفري فليتمان في شهادته أمام اللجنة الفرعية لمجلس النواب الأميركي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حين قال “إن روسيا تنظر إلى لبنان كمكان لمواصلة توسعِها الإقليمي والمتوسطي، وإن موانئ لبنان الثلاثة ومخزوناته النفطية البحريةَ ستضيف إلى موسكو الإحساس بالفوز في شرق وجنوب المتوسط على حساب الأميركيين”.

وعليه فموسكو، التي ضاق ذرعها من ثورات الربيع العربي خوفا من انتقال عدواه إلى الفضاء الإسلامي جنوبها، حيث القواسم الدينية المشتركة ما بين الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى وبلدان الربيع العربي، تتعامل بحذر شديد مع ما يمكن تسميته بالربيع الشيعي في العراق الذي يؤثر مباشرة على لبنان وإيران وهي معنية بحفظ استقرار جارتها الجنوبية خصوصا بعدما لمست حجم التأثير العراقي على إيران وقدرة العراق على تصدير ثورته إلى الداخل الإيراني وتأثير لبنان المباشر على الوضع الاقتصادي في سوريا المنهكة اقتصاديا واجتماعيا الأمر الذي يهدد حلف الأقليات الذي تديره بالشراكة مع طهران.

السابق
مسلسل الموت مستمر.. إمرأتان قتيلتان في ظروف غامضة
التالي
نصرالله بنسخته اللبنانية!