جمهورية الخوف المصرية في كتاب «طبائع السلطوية الجديدة»

غلاف كتاب
تُشَكِّلُ "السياسة في برِّ مصر بين 2013 و2019"، محورية كتاب "طبائع السلطوية الجديدة".

وهذا الكتاب الصادر، حديثاً عن “دار رياض الريس” في بيروت، وفي طبعة أولى 2019. هو كتاب جديد لأستاذ العلوم السياسية الدكتور عمرو حمزاوي، (باحث أول، حالياً، في مركز الديمقراطية والتنمية وحُكم القانون في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأميركيّة)، (وهو يكتب – أكاديميا وصحفياً – عن قضايا الديموقراطية في مصر والعالم العربي).

اقرأ أيضاً: مارغريت دوراس الدَّاعية إلى تدمير كل ما «يُدمِّر».. المعرفة

وتتألف محتويات الكتاب من: “توطئة”؛ و”مقدمة”؛ و”أربعة فصول”؛ و”خاتمة”. يعالج الفصل الأول “عدة السلطوية الحاكمة وممارساتها”؛ والفصل الثاني يبحث في “التطويع السلطوي للدستور والقانون”؛ ومضمون الفصل الثالث هو: “الحراك المجتمعي الجديد أو مقاومة السلطوية بعيداً عن السياسة الرسمية”؛ أما الفصل الرابع والأخير، فيدور حول: “جمهورية الخوف والأمّة القلقة”.

يوضح الكاتب في نصّ “التوطئة”، أنه أنجز “فصول هذا الكتاب بين عام 2015 وعام 2018.

ومما حفلت به مقدمة الكتاب والتي تحمل عنوان: “الإشتباك مع الاستبداد دون إطالة أمده”، نقتطف الآتي: هل تقدم العلوم السياسية تفسيرات قاطعة لعوامل نجاح التحولات الديمقراطية أو فشلها؟ هل في جعبتها إجابات حاسمة عن الأسئلة المتعلقة بأسباب استمرار الحكومات السلطوية أو انهيارها؟ في الحقيقة، لا.

توجد اجتهادات مهمة تفسير كيف غادرت أغلبية بلدان أميركا اللاتينية وأوروبا الوسطى والشرقية وطائفة من البلدان الإفريقية والآسيوية بين ثمانينات القرن العشرين واليوم خانات الحكم السلطوي، وانفتحت تدريجاً على عمليات انتخابية نزيهة تشكلت وفقاً لها البرلمانات (المؤسسات التشريعية) والحكومات (المؤسسات التنفيذية) وتحسنت معها اوضاع حقوق الإنسان والحريات وسيادة القانون واستقلال السلطات القضائية.

ومما يقوله الكاتب عن حالة مصر الحالية في هذا المجال: أما في برِّ مصر، فتسيطر على المجتمع منذ صيف 2013 حكومة سلطوية ضالعة في تسفيه الاختيار الحُرّ للناس… في برّ مصر حكومة سلطوية تجدد سطوة المؤسسات الأمنية والاستخبارية على المواطن والمجتمع بعد عامي الانتقال الديمقراطي 2011 و2012، وتعيد عسكرة مخيلة الناس الجماعية بفرض الحاكم ذي الخلفية العسكرية منقذاً والمؤسسة العسكرية مؤسسة قائدة وحيدة، وتحجب الحقائق والمعلومات التي تتناقض مع الترويج لإنجازات الحاكم المزعومة، أو تدفع إلى جعل المؤسسة العسكرية مسؤولة فقط عن مهماتها الدستورية، وهي حماية البلاد وإقليمها والابتعاد عن السياسة والاقتصاد وغيرهما من الشؤون العامة.

تغوص مصر اليوم في ظلام انتقام السلطوية من المواطن الذي طالب بالحق والحرية في 2011 و2012، ومن المجتمع الذي انتفض طلباً للشفافية ومحاربة الفساد وإخضاع الحكومة للرقابة والمساءلة والمحاسبة وتفعيل الأدوار المستقلة للمؤسسات التشريعية والقضائية والمجتمع المدني والأحزاب السياسية والفضاء العام. في برّ مصر حكومة سلطوية تلغي اختيار الناس الحرّ وتحيطهم بجمهورية خوف تقمع وتعاقب وتمنع وتسفِّه.

ويضيف حمزاوي مؤكداً: أكتب من موقع الخصومة مع الحكم الراهن في مصر، وهي خصومة فرضها هو برفضه التعبير الحرّ عن الرأي، وإغلاقه للفضاء العام، وتورطه في انتهاكات لحقوق الإنسان، وتعقبه للمجتمع المدني المستقل، وإلغائه للمضامين الديمقراطية للسياسة من حيث هي نشاط تعددي يقيم المساواة بين الناس امام القانون ويحقق التداول السلمي للحكم والتوازن بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية. صرت أختصم الحكم في بلادي بعد أن أطلق العنان لهيستيريا التخوين والتآمر والمؤامرات باتجاه المعارضين السلميين، عوضاً عن التمييز بينهم وبين عصابات الإرهاب ومجموعات العنف وحمل السلاح، وبعد أن جُرَّم الاحتجاج السلمي والمطالبة الشعبية بالتغيير الديمقراطي ووظِّف القمع لكيلا يعاود الناس الخروج إلى الفضاء العام كما فعلوا في 2011، وبعد أن أولج في التعامل الإنكاري مع انتهاكات الحقوق والحريات، وامتنع عن تحمّل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية إزاء الضحايا وذويهم وإزاء عموم المجتمع الذي يئن من الظلم. أختصم الحكم الراهن، غير أنني، وكما أشرح أدواته القمعية، أبحث في سبل التقليل من غلواته السلطوي ومساحات الإصلاح الممكنة وآلياتها، وأدقُّ ناقوس خطر الاستبداد على المواطن والمجتمع ومؤسسات الدولة التي لا أريد لها سوى الاستقرار والمنعة والفاعلية.

كما ويؤكد الكاتب في نهاية المقدمة قوله: وليست الأفكار والملاحظات التي تحملها الصفحات القادمة (أي صفحات فصول الكتاب وخاتمته) سوى محاولة لشرح الحقائق المؤلمة التي يرتبها استمرار السلطوية وتغوّل أجهزتها الأمنية، ولتفصيل المسارات التي يمكن أن تأخذ مصر بعيداً عن هاوية الأمنوقراطية (حُكم الأمنيين) وإماته السياسية وتشويه المؤسسات وحروب إلغاء المجتمع المدني وقمع المواطن.

اقرأ أيضاً: «مرايا الشمس»: شعر للناشر محمد حسين بزّي

ولقد جاء في خاتمة الكتاب: نحن بين صخب فاسد للسلطوية الجديدة تنتجه دوائر رسمية ونخب اقتصادية ومالية وإعلامية وحزبية تقبل استتباعها للحكم نظير الحماية والعوائد، وبين نزوع البعض داخل الحركة الديمقراطية المصرية إلى التورط في استدعاء سلطوي ومزدوج المعايير لفكرتي الصدقية الأخلاقية والاتساق الفكري على نحو يمارس ديكتاتورية الرأي الواحد بإسم الحق ويرتب رفض الاختلاف بإسم الحرية ويحدث بإسم العدل ضجيجاً لا ينتهي من المزايدات الفارغة المضمون. تختلط القيم والمبادئ والمفاهيم على الناس، وتتداخل مضامينها لتنفر الكثيرين من مواصلة الاهتمام بالشأن العام، وتغيب عن الأذهان مقتضيات إخراج مصر من متواليات الاستبداد والإرهاب والتخلّف المتكالبة عليها وتضيع تفاصيل الآراء والمواقف وتشوّه الهوية وعبر التاريخ.

هنا نصبح إزاء مسؤولية عظيمة تتمثل في مقاومة صخب السلطوية الجدية وضجيج المزايدين دون خوف، وإجلاء المضامين الأساسية لقيم الحق والحرية والعدل ومبادئها ومفاهيمها دون تردد، والتأسيس لوضع مقتضيات مواجهة الاستبداد والإرهاب والتخلف أعلى سُلَّم أولويات الوطن دون مساومة.

السابق
بالفيديو.. محاولة إنتحار في الضاحية!
التالي
المولى تمثل الجامعة الاسلامية في مؤتمر بلونوتس في دبي