الباص الأخضر في سوريا.. حكاية موت عابرة للحدود

باص اخضر
رحلة بدأت للتنقل في دمشق وانتهت بجحيم أرعب السوريين، وما زالت فصول «الباص الأخضر» تكتب بيد نظام الأسد

تعود الذاكرة إلى قبل عام 2011، حيث أصدر النظام السوري قراراً باستيراد باصات للنقل الداخلي وتسييرها لصالح مؤسسة معنية بالنقل داخل العاصمة دمشق، ورغم أنه عاد ليفتح باب الاستثمار الخاص في قطاع النقل إلا أن الصدارة بقيت للباص الأخضر بشاشة إلكترونية ورقم تعريف عن الخط الذي يتبعه الباص للوصول إلى وجهته.

تغير الحال بعد عام 2011 والباص الذي كان متوفراً لنقل الركاب أصبح عامل أرق لدى المواطن السوري حين يراه، عزلت الشاشة الإلكترونية ومحي اسم الخط وتكسرت النوافذ وكتب على الباص بالأسود “شبيحة للأبد” وبقي الباص.

صورة من ريف حلب “رويترز”

فمنذ اندلاع الثورة السورية استخدمت قوات الأمن الباص الأخضر لقمع المتظاهرين عبر مروره بسرعة في الطرقات دون لوحة مرورية وامتلائه بقوات الأمن وسحب المتظاهرين إليه، ليغدو مهجع الاعتقال المتنقل لسوق المعتقلين إلى السجون.

حينها اضطر النظام بعد حملة هجوم واسعة عليه لاستخدام هذه الباصات إلى سحبها من السوق أي من أمام المواطنين كوسيلة نقل عامة وحكر ملكيتها لفروع الامن لتمارس بها مهامها في التشبيح والاعتقال والتعفيش.

تعبت الباصات حالها حال المواطن، تكسرت من كثرة العنف وجعل النظام منها صورة قاتمة تثير الخوف والرعب كلما مر هذا الباص أمام المواطن السوري.

إقرأ ايضاً: يوم «الانهيار» الأكثر إيلاماً في سوريا.. الدولار على عتبة الألف ليرة

ومع سيطرة الأسد على قطاعات واسعة من سوريا، أوكلت للباصات الخضر مهمة جديدة لا تقل سوءاً عن التي قبلها بنقل حاملي السلاح من المعارضة وذويهم إلى خارج مناطق سيطرة النظام وما عرف بـ”التهجير” الديموغرافي نحو الشمال السوري تحت مسمى اتفاقات وقف التصعيد التي رعتها جهات دولية ساهمت في بقاء النظام وتقليص نفوذ المعارضة على الأرض.

مشهد التهجير جعل كثير من السوريين يغادرون في هذه الحافلات للمرة الأخيرة قبل أن يجري استخدامها في عام 2019 بمنطق جديد وهو إعادة اللاجئين السوريين إلى الداخل من بوابة لبنان، وهكذا عاد الباص الأخضر للواجهة مع عبوره المصنع الحدودي، وتوجهه إلى مراكز خصصتها قوات الأمن العام اللبنانية لتجمع اللاجئين الذين قرروا العودة “طواعية” إلى بلادهم.

الباص الأخضر في لبنان

ومع انتشار الباص الأخضر إلى خارج الحدود ومحاولة نظام الأسد ربطه في كافة مفاصل قمعه للثورة، تمتد صورة الباص النمطية من مجرد وسيلة نقل تتسع لخمسين راكباً إلى مسلسل رعب حقيقي وكأن مساحة كل قدم في أرضية الحافلة شاهدة على قصة تنكيل من قبل نظام الأسد بحق شعبه.

السابق
في هلوسات أعداء الثورة
التالي
جنبلاط «ينعى» الدستور.. و«يحيي» العلاقة مع بري