الإستقلال بين إدوارد سبيرز وثورة الشباب

مكرم رباح

يأتي عيد الاستقلال في كل عام ليذكر الشعب اللبناني بأن استقلالهم عن الانتداب الفرنسي في تشرين الثاني من العام 1943 كان نتيجة مساعي بل تآمر الجنرال إدوارد سبيرز مع رجلَي الاستقلال الرئيس بشارة الخوري ورياض الصلح ضد السلطات الفرنسية آنذاك والذي أفضى إلى ثورة شعبية دامت أسابيع عدة وأعطت لبنان سردية مقاومة الاحتلال والاستقلال المزعوم.

“كذبة” الاستقلال لم تمنع الشعب اللبناني من إظهار محبتهم للجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية، إن كان عبر تكريم العلم اللبناني أو عبر إلباس أطفالهم الزيّ العسكري – وهي عادة غير محببة وفاشية في الوقت عينه – في أسبوع الاستقلال، أو مشاهدة العرض العسكري لآليات تعود إلى الحرب الباردة.

اقرأ أيضاً: الثورة بين بيت العنكبوت وبيت العقرب

شاءت الصدف أن تندلع ثورة السابع عشر من تشرين الأول في الأسبوع نفسه الذي كنت أناقش فيه مع تلامذتي في الجامعة الأميركية في بيروت الميثاق الوطني والتحالف بين الخوري والصلح اللذين أتَيا ليثبتا حيادية لبنان ويقسما المغانم بين المسيحيين والمسلمين بطريقة ترضي كل الأطراف. معظم تلامذتي تفاجأوا من أن تكون تلك التسوية غير المكتوبة كافية لوضع لبنان على المسار الصحيح – ولو لبضع سنوات – منتقدين الطريقة التي قام بها الآباء المؤسسين للبنان، كميشال شيحا وشارل قرم وعادل عسيران وأمثالهم في اختصار إرادة الشعب اللبناني في نظام هجين يراعي التوازنات السياسية والاقتصادية لطبقة من المحتكرين شئنا أن نطلق عليهم لقب الزعماء.

جاء رد تلامذتي وجيل الشباب الذي ينتمون إليه، عبر الشارع. لقد أتت ثورة 17 ت1 لتدمر فكرة لبنان القديم، ومن ضمنها الميثاق الوطني واتفاق الطائف اللذان وضعا الشعب اللبناني في الأسر المذهبي ومنعا هذا الشعب من الوصول إلى أبسط حقوقه في المواطنة جاعلاَ من تاريخه ذخيرة للتراشق السياسي والعنصري.

في الماضي كنت من المشككين بجيل الشباب من منطلق أن الأحزاب التقليدية قادرة على استقطاب تلك الطبقة عبر شعارات وعقائد خشبية تخاطب الغرائز وتحوّل جيل الشباب إلى قوة ضاربة في مشاريع طائفية وحتى إقليمية بعيدة كل البعد عن مصالح لبنان وشعبه. اليوم تغير هذا المنطق، فالثورة في شوارع لبنان وبلاد الاغتراب هي معركة الاستقلال الحقيقي، الاستقلال عن نظام زبائني تمكن – وعلى مرّ سنين طويلة- من البقاء في السلطة، إما من باب لوم الخارج على انتهاكات اقتصادية وسياسية هي من صنع أيديهم أو من نافذة استعمال شارع مقابل شارع آخر، ولو على حساب دماء الأبرياء.

الذكرى السادسة والسبعين للاستقلال تتزامن هذا العام مع المئوية الأولى لقيام دولة لبنان الكبير، وهي مناسبة مميزة ليس للاحتفال بإنجازات وإخفاقات الشعب اللبناني فحسب بل أيضا لدفن الاستقلال الزائف والانطلاق نحو عقد وطني جامع تكون فيه المواطنة الركن الأساس لقيام دولة حديثة قادرة على حماية معتقدات الأفراد والجماعات سواء كانت تلك الأفكار متطرفة أو معتدلة.

في ذكرى الاستقلال هذه، على الشعب اللبناني مواكبة مراسم تكريم رجالات الاستقلال السنوية ووضع زهرة على أضرحة الماضي على أن يقطعوا عهدا على أنفسهم بإحراق الجسور العتيقة، حيث أن العودة إلى الوراء قد دفنت مع ما تبقى من لبنان القديم.

السابق
هكذا احتفلت طرابلس بعيد الاستقلال
التالي
هيفا وهبي: أتمنّى أن ينعم وطني بإستقلال حقيقي والاّ يكون ساحة للصراعات