هل بكى نصرالله عندما إستمع الى عون؟

احمد عياش

خيّم الصمت تقريبا على وسائل الاعلام الموالية لإيران في بيروت وتلك الناطقة بإسمها في طهران حيال ردود الفعل التي جاءت بعد الاطلالة التلفزيونية مساء الثلثاء لرئيس الجمهورية ميشال عون.ومثل هذا الصمت يمثل أمرا نادرا في تعامل الجمهورية الاسلامية وحلفائها مع مواقف الرئيس عون التي قلما خلت من مواد تثير الارتياح في دوائر القرار الايرانية.فإلى ماذا يشير هذا الصمت؟

قبل مقاربة الجواب على هذا السؤال لا بد من الاشارة الى المواقف الايجابية التي إتخذها عون في المقابلة التلفزيونية من “حزب الله”.وعلى رغم ان هذه المواقف ليست الاولى من نوعها منذ أن عاد عون من منفاه الباريسي الى لبنان عام 2005 ،إلا انها إنطوت على دلالات إستثنائية في ظروف معقدة تحيط بالحزب الذي نظر ولا يزال بعين الريبة الى التطورات المتدحرجة منذ 17 تشرين الاول الماضي ،أي منذ إندلاع الاحتجاجات المعيشية والاقتصادية .وفي جوهر نظرة الحزب الى هذه التطورات انها تهدف الى إقصائه عن السلطة التنفيذية بتدبير أميركي.ومما قاله رئيس الجمهورية في المقابلة :”…لا يمكن أن يفرض أحد علينا استبعاد حزب يشكل على الاقل ثلث الشعب اللبناني.”

اقرأ أيضاً: لبنان ولعبة الانتفاضة والعهد

على الرغم من هذه التحية المهمة التي وجهها عون الى “حزب الله” لم يرد الاخير بمثلها، على الاقل إعلاميا.والسبب في رأي اوساط قريبة من الجانبيّن يعود الى ردود الفعل السلبية الواسعة والتي فاجأت اوساط الحزب بعد بث المقابلة.وزاد في الامر سوءا سقوط قتيل ،هو الضحية الاولى في مسار احداث 17 تشرين الاول.

لا تتأخر اوساط سياسية ليست مصنّفة معارضة للعهد الحالي في تسجيل تحفظها حيال المقابلة التلفزيونية لعون شكلا ومضمونا.في الشكل، تقول هذه الاوساط ان رئيس الجمهورية بدا في إجوبته لاسيما في القسم الاخير من المقابلة التي تميّزت بالحدة والسلبية إزاء المتظاهرين ،وكأنه وقع تحت ضغط الاسئلة التي وجهها اليه الزميلان نقولا ناصيف وسامي كليب على رغم انهما كانا يمارسان دور المحاور نيابة عن المتظاهرين من إجل إحداث توازن في المقابلة.لكن طول وقت المقابلة نسبيا أدى الى حالة من الانفعال تسببت بمواقف لم تكن في مصلحة الرئاسة الاولى.أما في المضمون، فترى هذه الاوساط ان رئيس الجمهورية ،وفي مرحلة دقيقة كان من الافضل له ان يكتفي بالكلمات المسجّلة التي أطل بها من 17 تشرين الماضي كي يبقى مسيطرا على ردات الفعل.لكن قرار الذهاب الى الحوار المباشر أدخله الى حقل ألغام تصاعدت منه الانفجارات ولا تزال منذ إنتهاء المقابلة.

الى أين تتجه الاحداث الان؟في حلقات المناقشة التي إنعقدت منذ الايام الاولى لما صار متعارفا عليه بأن لبنان يشهد ثورة ،وضمت خبراء سياسيين وباحثين أكاديميين وناشطين وإعلاميين ، كان هناك موضوع رئاسة الجمهورية التي يجب ان تلقى محاسبة كما حصل مع رئاسة الحكومة. لكن الرأي الغالب في هذه المناقشات هو عدم إستعجال الامور والاكتفاء فقط بالتركيز على ملف الحكومة تكليفا وتأليفا.غير ان تسارع الاحداث منذ مساء الثلثاء دفع موضوع الرئاسة الاولى الى الواجهة ناقلا الحدث الى قصر بعبدا بعدما كان مستقرا منذ 27 يوما تقريبا في السراي.

ما زالت عبارات الامين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله بعد يوميّن من ثورة 17 تشرين الاول طرية العود.ففي كلمة له في  ختام مسيرة الأربعين التي نظمها الحزب في مدينة بعلبك قال نصرالله:”…عندما ينزل البعض أو يطلب من قواعده أن تنزل إلى الشارع والعنوان هو إسقاط العهد ومواجهة العهد، يعني لم يعد هناك حديث مطلبي، لم يعد هناك حديث اجتماعي، أصبح هناك استغلال للحراك الشعبي في صراع سياسي، في تصفية حسابات سياسية…ولا أريد أن أذكر أسماء، التي تريد الآن في هذا التوقيت السيء والحساس أن تخوض معركة إسقاط العهد، أقول لهم اسمعوا هذه النصيحة مني، تضيعون وقتكم وتتعبون أنفسكم وتتعبون البلد وتضيعون وقت البلد وهذا توقيت خاطئ والعهد لا يمكن أن تسقطوه”.

قبل إطلاق نصرالله في تلك الكلمة “لا” لإسقاط العهد، أطلق “لا”مماثلة بشأن الحكومة التي مضت الى الاستقالة خلافا لما اراده زعيم “حزب الله”.فهل تمضي ال “لا” الثانية الى المصير الحكومي نفسه؟

بالطبع ليس هناك من معطيات تؤيد هذا السؤال.لكن تدهور الموقف في الساعات الماضية يفتح باب الاحتمالات على مصراعيه.

بعد مقابلة الرئيس عون التلفزيونية إنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو ظهر فيه نصرالله يجهش بالبكاء مع تعليق “بعد كلام الرئيس”. بالطبع، لا صلة لهذا الشريط بمواقف بمقابلة عون وإنما هو مأخوذ من مناسبة عاشوراء الشهر الماضي. لكن هذه السخرية لا تبتعد كثيرا عن واقع يثير الحزن والبكاء معا.ففي بداية مسار جديد أطلقه رئيس الجمهورية يمكن الاكتفاء بسؤال: لبنان الى أين؟

السابق
عون يأمل ولادة الحكومة خلال الايام المقبلة
التالي
نصرالله: الاقتصادي السيء