لماذا يتمسك «حزب الله» بباسيل؟

جبران باسيل

لماذا لم يستطع الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله التقاط إشارة الشارع منذ اليوم الأول للاحتجاجات؟ الثمن المطلوب لم يكن كبيرا! تعديل وزاري يطيح بجبران باسيل وآخر من حركة أمل وثالث من تيار المستقبل، كان سيمتص الحجم الأكبر من غضب الناس!

وفي الأيام الأولى من الاحتجاجات لم يكن “حزب الله” على رأس لائحة المستهدفين بشعارات المحتجين. في خطبته الأولى استدرج نصرالله غضبا، وفي الثانية بلغ الغضب ذروته. لماذا فعل ذلك؟ قليل من الحكمة والدراية وقراءة المشهد كانت ستفضي إلى أداء مختلف!

“حزب الله” أطلق رصاصة على قدمه. شارك في التظاهرة آلاف من مؤيديه، وآلاف أخرى من محيطه السياسي، وعشرات الآلاف من محيطه المذهبي، وعلى رغم ذلك أصر على عدم الإطاحة بجبران باسيل، وذهب بالمواجهة وخسرها. نعم خسرها، طالما أن نصرالله قال إن الحكومة لن تستقيل، وهي استقالت، وطالما أنه اليوم في عنق زجاجة حكومة بديلة لا يمكن أن تنجح مساعي تشكيلها طالما أنه مستمر بالتمسك بجبران باسيل.

اصطدم الحزب بنفسه وبصورته، وشطّب وجهه وصدع موقعه، في وقت لم تكن المعركة مصيرية بالنسبة إليه

يعيننا تفسير تصرف الأمين العام لـ”حزب الله” في استشراف وجهته في المرحلة الانتقالية. كيف له أن يعتقد أنه من الممكن الإبقاء على جبران باسيل بينما هتف نحو مليونا لبناني بصوت واحد ضده؟ فعلا الأمر محير، والإجابات كلها غير مقنعة.

فالحزب استدرج خصومة لم يسبق لها أن انعقدت ضده. خرجت أصوات لطالما صدحت له، لتعلن ضيقها بتعنت الحزب وبإصراره على أن يعلن بأنه هو السلطة، وهو من يقبل ويرفض ويفاوض باسمها. وهو كذلك فعلا، إلا أنه هذه المرة قرر أن يمتص بصدره فساد السلطة وفشلها.

اصطدم الحزب بنفسه وبصورته، وشطّب وجهه وصدع موقعه، في وقت لم تكن المعركة مصيرية بالنسبة إليه. كانت مصيرية بالنسبة لباسيل ولمستقبله السياسي، ولكن ما الذي يمنع الحزب من أن يرى أن حليفه هوى، وأن التمسك به خسارة تعقبها خسارة، وأنه من المنطقي والواقعي أن يقول له تنحى أيها الرجل، وللحزب عشرات البدائل في التيار العوني وخارجه.

سعد الحريري حين أعلن استقالته بعد نحو 12 يوماً من الاحتجاجات، لم يفعلها لأنه قرر أن يطيح بوزير خارجيته. فهو حاول إيجاد مخارج له. “الورقة الإصلاحية” كانت إحداها، لكنه عاد والتقط المشهد واستنتج أنه لا يمكن أن يبقى في منصبه وإلى جانبه جبران باسيل.

من المفترض أن يكون نصرالله أكثر قدرة على التقاط المشهد. وخسارته باسيل لن تهز حضوره ودوره، فهو “له الجمل بما حمل”، والتظاهرة نفسها أدرجته في البداية في أسفل قائمة المستهدفين بالشعارات. وفي الأيام الأولى قاوم الكثير من المتظاهرين إدراج نصرالله في “كلن يعني كلن”، إلى أن أبلغهم هو بنفسه عبر خطبه بأنه واحد من “كلن يعني كلن”. فما الذي دهاه؟

الأرجح أن الجواب هو نشوة السلطة. فهل يعقل أن يعصى اللبنانيون أمر الحزب؟ جاء الخطاب الأول ليقول لهم هذا حرفيا، وتوج نصرالله هذا القول في الخطاب الثاني، فكان أن استقالت الحكومة، وعصى سعد الحريري هذا القرار، وها هو الحزب غارق اليوم بحالة نزق على سعد الحريري قد تفضي إلى ذهابه في خيار بديل سني يعيد رسم خط الانقسام السني والشيعي وإعادته إلى مرحلة الذروة.

اقرأ أيضاً: تغطية «سموات» الثورة بـ«قبوات» المقاومة!

هذا ما يرشحه لأن يدخل لبنان في مغامرة “غير واقعية” جديدة قد تأتي على ما تبقى من الهيكل

ما يعزز القناعة بهذا الاحتمال هو أن نصرالله سبق وفعلها في لحظة انتشاء. في انتخابات العام 2009 كانت كل الترجيحات تعطيه احتمال الفوز على “14 آذار”، وكان الحريري بدأ يتخبط بأزمته المالية، وخرج السيد بخطبة “اليوم المجيد” التي تكفلت بقلب الطاولة عليه وبفوز “14 آذار”.

يشعر المرء أن حزب الله يكرر هذه التجربة. تسمية رئيس حكومة من 8 آذار ستكون فرصة كبيرة لسعد الحريري ليعود ويلملم ما يمكن لملمته من حطام زعامته. وفي المقابل لن تصمد هذه الحكومة أكثر من أسبوع واحد في ظل التحديات الاقتصادية والمالية الكبرى التي تواجه لبنان. سينهار الهيكل على الحكومة وعلى الحزب.

هذه الاحتمالات تجعل مما يشاع عن أن الحزب يريد رئيسا للحكومة من بين حلفائه في “8 آذار” غير واقعية. لكن في المقابل لا بد أن نلاحظ أن الحزب كان غير واقعي في تمسكه بجبران باسيل، وقبلها كان غير واقعي في واقعة “اليوم المجيد”، وهذا ما يرشحه لأن يدخل لبنان في مغامرة “غير واقعية” جديدة قد تأتي على ما تبقى من الهيكل.

السابق
بشرى سارة الى اللبنانيين.. خفض غرامة التأخير عن دفع «الميكانيك»
التالي
توجه لتكليف شخصية نسائية لتأليف الحكومة.. وهذه الاسماء المتداولة