انتفاضة لبنان لإسقاط «مرشد الجمهورية» وصهرها ويتيمها

“ما أجمل هذا المجهول الذي تأخذنا إليه التظاهرة”، هذا ما كتبه روجيه عوطة رداً على تساؤلات قال أصحابها “ثم ماذا بعد”؟، ذاك أن “الورقة الإصلاحية” التي من المفترض أن يعرضها رئيس الحكومة سعد الحريري، ستكون هزيلة أمام الحدث اللبناني مهما تضمنت من بنود. الإجابة بورقة على حدث بحجم الزلزال، تنطوي على عدم تقدير للمشهد، وهو أصاب الجميع، ولعل أقل من أصابه هو رئيس هذه الحكومة سعد الحريري. لا بل أن إسقاط الحكومة وإسقاط العهد يبدوان هزيلين حيال قرار اللبنانيين بالنزول إلى الشارع سوية. فالحكومة والعهد هما ثمرة نصاب سياسي تشكلا بعد انتخابات العام 2018 النيابية، والتي جرت في ظل قانونٍ انتخابي فرضه منتصرون في حروب داخلية وإقليمية وعلى رأسهم حزب الله، وهذه القوى هي من تولت تقميش المشهد السياسي الراهن.

التظاهرة اللبنانية أكبر بكثير من “ورقة إصلاحية”، وسقوط الحكومة سيمثل استعصاءً ستعود من خلفه القوى المذهبية لتتولى صياغة المشهد. فنحن حيال فشل نظام سياسي يبدو فيه سعد الحريري مجرد فاسد بين فاسدين. والتظاهرة بدت ذكية إلى حدٍ نجحت فيه بعدم تجرع “الطعم”، فالحريري كان في آخر قائمة المستهدفين بالشعارات، على رغم محاولات يساريي حزب الله تحويله كبش فداء الطبقة السياسية. التظاهرة تصرفت حيال حسن نصرالله بصفته “مرشد جمهورية الفساد”. تورية اسمه في الشعارات ترافق مع ابتسامات مرددي الشعارات، ذاك أن استهدافه المباشر بالأناشيد يدفع على الخوف. وعلى رغم ذلك شهدنا لحظات أفلت فيها المتظاهرون من خوفهم وأشهروا غضبهم منه، وكانت عبارة “كلن يعني كلن ونصرالله واحد منهم” خاتمة الكثير من أهازيج التظاهرة.

اقرأ أيضاً: ثورة في لبنان في عهد «حزب الله»

“ثم ماذا بعد التظاهرة”؟، جواب روجيه عوطة يمكن الذهاب به إلى ما يعنيه المجهول، وهو أفضل على كل حالٍ من المعلوم الذي كان اللبنانيون يعيشونه في أعقاب تشكيل حكومة الفساد والفشل والارتهان. المجهول هو ما من المفترض أن تعدنا به التظاهرة في أعقاب سقوط المجلس النيابي الذي أنتج الحكومة والعهد. المجلس النيابي الذي انتخب رئيس الجمهورية، والذي أعطى الثقة لهذه الحكومة. حل المجلس النيابي سيعني انتخابات نيابية من المفترض تنتج تغييراً في الطبقة السياسية. وقول نصرالله بالأمس أن الانتخابات ستأتي بنفس الوجوه ليس صحيحاً، ذاك أن الأيام الثلاثة الفائتة كشفت تغيراً هائلاً في مزاج اللبنانيين، وهو اذا لم يترجم في صناديق الاقتراع، فعلينا أن نعود إلى بيوتنا وأن ندفع الضريبة التي يفرضها محمد شقير وغيره من الوزراء.

الفشل أعمق من الضريبة على “واتس آب”. الفشل عميق جداً، وهو أعمق من فساد نبيه بري وجبران باسيل، ومن مغامرات  يتيم الجمهورية سعد الحريري العاطفية مع عارضة الأزياء الجنوب أفريقية. الفشل هو في أننا ذهبنا إلى العقوبات الأميركية على أقدامنا، وأننا قررنا أننا أقوى من الشروط الدولية. العراق فعل ذلك فاشتعل شارعه، وها هو دورنا قد حان. ونحن اذ توجهنا بملء ارادتنا إلى هذا المصير فعلنا ذلك لأن الانتخابات النيابية أنتجت لنا سلطة هذه وظيفتها الإقليمية. ولعل محاولات القول بأن المصارف هي المسؤولة عن الكارثة المالية والاقتصادية هي امتداد لهذه الوظيفة، ذاك أن المصارف أبدت مقاومة حيال الاندراج بهذه الوظيفة، وهي لم تنج من تلميحات مرشد السلطة في كلمته يوم السبت.

ثمة إصرار في التظاهرة على استهداف من لم يتجرأ أحد في السابق على استهدافه. حزب الله مستهدف، أحياناً جهاراً وأحياناً تورية. أما عن ترتيب المستهدفين بحسب أولويات المتظاهرين، فيمكن القول بأن أولهم جبران باسيل وثانيهم نبيه بري وثالثهم حزب الله ورابعهم سعد الحريري. وهو ترتيب الفائزين في الانتخابات وترتيب أصحاب المقاعد الوزارية من قادة الكتل النيابية.

مشهد بيروت اليوم يغري بمغامرة في المجهول. طرابلس تهتف متعاطفة مع صور. طرابلس “عاصمة السنة” تهتف ضد الحريري وميقاتي وتتضامن مع صور، “عاصمة الشيعة” التي قمعتها بالأمس الآلة الميليشيوية لحركة أمل. جرى ذلك في ظل شقاق مذهبي كبير يشطر المنطقة كلها. والذهاب بالشعارات من اسقاط الحكومة إلى إسقاط المجلس النيابي لن تكون مبالغة، ذاك أن هذا المجلس هو المسؤول عن هذا المشهد. هو من انتخب رئيس الجمهورية وهو من شكل الحكومة. واليوم نشهد انعطافة كبرى في الأمزجة، وهي تستحق أن تترجم بانتخابات.      

السابق
المحتجون يهتفون بوجه روكز: «كلن يعني كلن»
التالي
ثورة لا يحميها حراميها!