واشنطن عاجزة عن مواجهة إيران.. إنها الحرب إذاً

واشنطن

الحرب التي تريدها واشنطن ستكون مفاجَأة لملالي إيران، الذين لن يجدوا الوقت الكافي للرد عليها، فهي حرب ستحسم دون أن تمنحهم فرصة للتفكير أو القيام بردة فعل.

الجيش الأميركي عاجز عن مواجهة القوة الصاروخية الإيرانية الهائلة. هذا ليس تصريحا منقولا عن مسؤول إيراني، مصاب بجنون العظمة، وليس نقلا عن مصدر في حزب الله، أو حديثا لسائق تاكسي مزعج يطوف بك في شوارع مدينة عربية.

إنه خلاصة تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية مؤخرا، ويمكن تفسيره بطريقة واحدة هي أن الحرب باتت وشيكة.

اعتادت الولايات المتحدة قبل الدخول في أية مواجهة عسكرية تضليل الخصم وإقناعه، بطريقة غير مباشرة، أنه قوي يمكن أن يلحق بها الضرر، وأنها تحسب له ألف حساب. حدث هذا في الماضي، وهو يحدث اليوم.

قبل أن تتخذ الإدارة الأميركية قرار الحسم باللجوء إلى الوسائل العسكرية، تحرص على أن تقنع الجميع أنها استنزفت كل الحلول السلمية الممكنة، ولهذه الغاية تلجأ إلى إيهام الخصم بأنه الأقوى، ليصر على مواقفه العدائية المتشددة. وتظهر الخوف منه ليتوهم أنه قادر، ليس فقط على صد أي هجوم محتمل، بل على إلحاق الهزيمة بها، وتحقيق النصر عليها.

سلوك النظام الإيراني العدواني على مدى أربعين عاما لن يتوقف اليوم، رغم أن الفرصة ما زالت أمامه للتراجع

ليس أمرا صعبا أن تخدع إنسانا مصابا بالغرور، وفي الحالة الإيرانية الخديعة سهلة لأكثر من سبب، أهمها اعتقاد الملالي أن الله يؤيدهم بجنود لا يراهم أعداؤهم.

تقرير “فورين بوليسي” محبوك بطريقة لا تثير الريبة، ومن يطلع عليه يقتنع بأن القوات الأميركية عاجزة عن الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران. ويعزو التقرير تردد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالرد على الهجوم الذي استهدفت فيه إيران “أرامكو”، إلى عجز واشنطن عن استخدام قواتها في منطقة الخليج وأن خياراتها في مواجهة إيران محدودة للغاية.

خديعة مثل هذه يجب أن تكون محبوكة بشكل جيد، وهذا ما فعله التقرير الذي تحدث عن جيل جديد من الغواصات الهادئة، وعن تطور في صناعة الطوربيدات التي تجعل العمليات العسكرية القريبة من السواحل أكثر خطورة مما كانت عليه في الماضي. وأن حاملات الطائرات الأميركية لم تعد محصنة ضد المخاطر في حال اقترابها من المياه الإقليمية للعدو. وللمزيد من المصداقية، استشهد التقرير بخبراء من البحرية الأميركية سبق لهم أن حذروا من هذا السيناريو منذ بضع سنوات.

وكان خبراء قد توقعوا في عشرينات القرن الماضي نهاية البارجة، باعتبارها واحدة من أفضل قطع السلاح البحري. ليمضي التقرير بالقول إن القطع البحرية الأكثر كلفة، أصبحت بالكاد قادرة على إحداث تأثير استراتيجي، وأن قطع البحرية معرضة للهزيمة في المعارك، وعرضة للتدمير أو العطب أو التحييد.

التقرير بهذه الصياغة، رسالة واضحة للإيرانيين، تشجعهم على التشدد في موقفهم الرافض لأية حلول دبلوماسية. إنهم الطرف الأقوى الذي تخشاه واشنطن، فلماذا يقدمون التنازلات؟

التمادي في الخطأ كان واضحا على الصعيد الدبلوماسي، عندما رفض الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الرد على مكالمة، للرئيس ترامب. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو من نسق المكالمة الهاتفية بين الرئيسين، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت في نيويورك الأسبوع الماضي.

وفي الوقت الذي قال فيه ترامب إنه رفض اقتراحا إيرانيا برفع العقوبات عن طهران، مقابل عقد لقاء مع روحاني، سارع هذا الأخير إلى القول إن واشنطن هي التي عرضت رفع جميع العقوبات المفروضة على طهران مقابل استئناف المحادثات.

قبل أن تتخذ الإدارة الأميركية قرار الحسم باللجوء إلى الوسائل العسكرية، تحرص على أن تقنع الجميع أنها استنزفت كل الحلول السلمية الممكنة، ولهذه الغاية تلجأ إلى إيهام الخصم بأنه الأقوى

واضح تماما أن ملالي إيران ابتلعوا الطعم، وباتوا على قناعة أن الولايات المتحدة تخشى قوتهم وبأسهم ولا طاقة لها على مواجهتهم.

آخر ما تريده واشنطن أن يقال إنها واجهت عدوا ضعيفا مستخدمة قوة تدمير شديدة، لذلك تجتهد لإقناع العالم أن إيران خصم قوي، ردعه يتطلب أكثر من مجرد قطع بحرية تجول في المنطقة.

الحرب التي تريدها واشنطن ستكون مفاجَأة لملالي إيران، الذين لن يجدوا الوقت الكافي للرد عليها، فهي حرب ستحسم دون أن تمنحهم فرصة للتفكير أو القيام بردة فعل.

سلوك النظام الإيراني العدواني على مدى أربعين عاما لن يتوقف اليوم، رغم أن الفرصة ما زالت أمامه للتراجع، خاصة وأن جيرانه يبدون الحرص على تجنيب المنطقة مواجهة عسكرية مؤلمة للجميع.

في الأثناء، ستبذل واشنطن جهدها لاستدراج ملالي طهران إلى مغامرة جديدة، ولن يطول انتظار واشنطن قبل أن يرتكب حكام طهران حماقة تكون بالحجم والتأثير الذي يمكن معه للولايات المتحدة انتزاع تكليف دولي، يخوّلها تأديب النظام الإيراني وانتزاع مخالبه.

اقرأ أيضاً: من العراق إلى لبنان: تحدّيات الأمن والاقتصاد والفساد وقيام الدولة

السابق
تجدّد اطلاق النار في بغداد.. وارتفاع حصيلة قتلى الاحتجاجات الى 12
التالي
بالتفاصيل.. الوساطة العراقية بين السعودية وإيران