لبنان المحكوم بالإعدام البطيء

بدون مقدمات نقول ، في لبنان من لم يمت بالسرطان مات بحادث سير على طرقات لبنان .

في اليومين الماضيين إحصائية كارثية لغرفة التحكم المروري أظهرت أن الأسبوع الماضي أقفل على 155 حادث سير نتج عنها 23 قتيل و 194 جريح، إحصائية أخرى أو بالأحرى خريطة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني توثق 600 حالة سرطان في بلدة بر إلياس البقاعية هذا عدا العشرات الذين قضوا نحبهم من جراء هذا المرض في نفس البلدة.

 نعم أيها السادة إنه إنتحار جماعي يقوم به الشعب اللبناني على الطرقات، إنتحار تشارك به الدولة عبر تقصيرها في صيانة الطرقات من إغلاق الحفر والتزفيت والإنارة، والتقصير الأكبر يبقى في عدم تطبيق القوانين وعدم نشر الرادارات على الطرقات لمراقبة السرعة، والتشدد في تطبيق منع إستعمال الهاتف أثناء القيادة، وهي الحالات التي يشارك بها بعض الشعب اللبناني في نحر نفسه ونحر غيره من المواطنين على الطرقات.

اقرأ أيضاً: الحكومة «تستنهض» نفسها.. واستنفار أمني مرتقب لضبط الحدود

نعم أيها السادة … إنه إعدام جماعي ما يجري على ضفاف الليطاني ومجراه، إعدام يتسبب به أصحاب المصانع والمعامل التي ترمي نفاياتها وسمومها في النهر من أجل حفنة من الدولارات أكثر، وأيضا وأيضا تساهم به الدولة بتقصيرها في الرقابة وتطبيق القوانين تحت حجج واهية وأي حجة يمكن أن تكون سببا مقنعا لإعدام قرية بكاملها لا بل منطقة شاسعة تضم العديد من البلدات، بل ونقول أكثر، إنها إبادة جماعية لمنطقة من مناطق هذا الوطن.

قديما قيل أعجب لمن لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه. نقول اليوم في ظل هذا الخنوع الشعبي والقبول بهذا الوضع البائس، أعجب لمن يموت أطفاله وآل بيته موتا بطيئا كيف لا يخرج على زعيمه شاهرا على الأقل صوته، وصراخه ألماً وليس ثورة لأن الثورة في لبنان للأسف باتت من الكماليات.

ورغم ذلك لا نجد مسؤولا يتحرك سوى بإصدار بيانات بمعنى آخر نسمع جعجعة ولا نرى طحينا ، لا في الإقتصاد ولا في التنمية ولا في البيئة ولا في الصحة ولا حتى في التربية، مشكلة الشعب اللبناني عوضا عن حكومته ودولته، باتت مشكلة تربوية وثقافية، مشكلة التجهيل والجهل الذي زرعته فينا السياسة، فكل شيء في لبنان بات مسيسا حتى الشعب بات لا يهمه من الحياة إلا السياسة والطائفية والمذهبية والعصبية المناطقية والعشائرية وحتى العائلية. لا أحد في لبنان يقوم بواجباته لا زعيم ولا مسؤول ولا مواطن للأسف.

اقرأ أيضاً: يوميات من «عرق» الفساد.. لا الجبين

من منا قرأ أو سمع يوما نائبا من نواب الأمة يطرح سؤالا عن أي مشكلة للحكومة ويطالب بمحاسبتها أو محاسبة الوزير المسؤول؟ من منا سمع يوما بإستقالة أو إقالة وزير أو حتى مدير عام بسبب مشكلة من المشكلات وما أكثرها؟ من منا سمع يوما عن إستقالة مسؤول بسبب عجزه عن تحقيق ما وعد به؟ الكل يتهم الكل، والكل يدعي أن الآخرين يعرقلون عمله ومحاولته لإصلاح ما تيسر، ولا نرى في الحقيقة إلا كذبا ونفاقا ومحاصصة بغيضة وسلطة مافياوية نجحت في ترويض أتباعها من المريدين وفرض سلطتها الترهيبية على المعارضين أو الأكثرية الصامتة التي حان الوقت لكي تعرف وتتحرك وفق قاعدة أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

تغيروا فيتغير ما بكم من بلاء وفساد وموت ذليل.

السابق
سوزان المحمَّد تُظْهرُ تجليّات مفهوم الزّمن في شِعر أدونيس
التالي
«القوات» لأبو صعب: حقدك أعماك