المعشّر «يُشرّح» «صفقة القرن» من بيروت.. كارثة تسري من تحت أقدام العرب

"صفقة القرن" أو ذلك السيناريو الذي يلتبس بين الحقيقة الفلسطينية والعربية القاسية من جهة، والغموض الذي لا يزال يثير المزيد من الأسئلة والتساؤلات حول مضمون هذا العنوان ومآلاته على صعيد القضية الفلسطينية من جهة ثانية.

“صفقة القرن” أو كما هو معلن، خطة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للسلام. هي خطة أعدها ترامب تهدف إلى حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تشمل انشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، وهي خطة يشرف على ترويجها وتنفيذها جرايد كوشنير (صهر ترامب).
حول هذه الصفقة وأبعادها وتداعياتها، نظمت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في بيروت (الاربعاء) جلسة حوار مع نائب رئيس المؤسسة للدراسات ووزير خارجية الأردن السابق مروان المعشّر، شارك فيها عدد من الباحثين والزملاء الصحفيين في مقر المؤسسة في بيروت.

ملامح “الصفقة” واجراءاتها
لعل السؤال الذي لايزال يتردد منذ نحو عامين، متى ستعلن واشنطن عن كامل مضمون “الصفقة”؟ يقول المعشر، ربما سيبقى السؤال يتردد بعد الانتخابات الإسرائيلية في الشهر الجاري، كوشنير قال انه سيكشف عن مضمونها بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولكن ربما يرحل موعد الإعلان الرسمي الى وقت لاحق، لأسباب شتى، منها الدخول في سنة الانتخابات الرئاسية الاميركية. يتابع المعشّر، المسألة ليست مرتبطة فعليا بالاعلان، فالاجراءات المتصلة بتنفيذ “صفقة القرن” انطلقت وجرى فرض وقائع على الأرض.

إقرأ ايضًا: بلد يترنح على «رجل وربع»!

قبل الغوص في الأبعاد والتداعيات، يعرض المعشر لمجموعة خطوات مما سماه “الملامح الكارثية” لها، وعرض لأبرزها:
١- نقل السفارة الأميركية الى القدس
٢- وقف الإدارة الأميركية تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (اونروا)
٣- إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
٤- إعلان الولايات المتحدة الاميركية قبولها لضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية الى اسرائيل، قبل أن تقدم إسرائيل نفسها على هذا الاجراء.
٥- ضم مناطق لا يستهان بها من الضفة الغربية إلى إسرائيل من خارج المستوطنات.
هذه الخطوات التي سبقت الإعلان عن الصفقة، كشفت أن عملية التنفيذ قد بدأت، على رغم أن مضمونها قد جرى تسريبه بشكل غير رسمي، والذي يقوم على مقايضة الحقوق الفلسطينية والعربية بالمال. الصفقة تحاول أن تطرح بديلا اقتصاديا، في مقابل إنهاء فكرة الدولتين، والحل النهائي وقضايا اللاجئين.

قروض ومنح ومخاطر خانقة
يلفت المعشر في سياق شرح الموقف لدى الفلسطينيين وفي الأردن، حيث ركّز على هذا الجانب المحوري فيها، معتبرا أن الطرفين الأردني والفلسطيني لا يمكن أن يوافقا عليها، حتى لو أرادا القبول، وهذا غير وارد، كما يؤكد، فإن البديل المالي المطروح كبديل عن الحقوق، غير مقنع. هناك حديث عن خمسين بليون دولار موزعة على عشر سنوات. وسبعين في المئة من هذه الأموال هي قروض وليست منحاً، وبالتالي فإن الحديث هو عن خمسة عشر مليار دولار موزعة على خمس دول (اسرائيل، مصر، فلسطين، الأردن، لبنان) وعلى السنوات العشر.
يشير المعشر الى أن حصة الفلسطينيين السنوية من هذه المنح، 800 مليون دولاراً سنوياً. والأردن في أحسن الأحوال 300 مليون دولاراً سنوياً. ويلفت المعشّر أن الأردن اليوم يصله نحو مليار ونصف مليار دولار كمساعدات من واشنطن.

وفي سياق شرحه لمخاطر هذه الصفقة ولاسيما على الاردن، يشير المعشر الى أن هناك محاولة اميركية-اسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن، لافتا إلى أن “الحل الأردني” ليس جديدا وكان مطروحا في عقود سابقة، لكن معاهدة وادي عربة، أجلت هذا الموضوع، وأعتقد الأردن أن المعاهدة أنهت هذا الطرح، لكنه عاد يطل برأسه اليوم، فإسرائيل لا تريد دولة فلسطينية، وباتت تقول ذلك بوضوح اليوم، واذا كانت إسرائيل لا تريد حل الدولتين، ولا تريد أغلبية فلسطينية على الأرض، فإن ثمة مخاوف جدية لدى الأردن من قيام إسرائيل بعملية ترنسفير للفلسطينيين.

الترنسفير الفلسطيني بعد السوري

عدد السكان الاسرائيليين في كل فلسطين التاريخية هو 6,5 مليون بينما يبلغ عدد الفلسطينيين في هذه المساحة الجغرافية التي تضم إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة هو 6,6 مليون.
عملية الترنسفير الجماعي للفلسطينيين بحسب المعشّر، كانت باعتقاد الجميع أنها لم تعد واردة في عالم اليوم، لكن بعد الأزمة السورية لا نستطيع أن نقول ذلك. لقد امكن اقتلاع أكثر من ستة ملايين سوري من اراضيهم، وهذا مثال أمام الجميع ويمكن أن يتكرر مع الفلسطينيين.
الموقف الأردني رفض الصفقة، ويعلل المعشّر أسباب الرفض، اولاً، لأنها تشكل تهديداً وجودياً للاردن، وبالتالي الموقف الشعبي والرسمي متطابقان لجهة الرفض.
وفي رده على سؤال أن كان يمكن للأردن أن يصمد في وجه الضغوط الأميركية على هذا الصعيد؟ يجيب المعشّر، نعم يمكن له، وهناك سابقة أن الأردن وقف في وجه الإدارة الأميركية في حرب الخليج الأولى لأنه شعر أن هذه الحرب تهدد وجوده.
ويذهب المعشّر الى أن رفض صفقة القرن، هو رفض فعلي من الطبقة الحاكمة في الأردن، فهي تهديد للهوية الشرق اردنية، التي لا يريد أبناؤها أن يتحولوا الى أقلية. كما أن الأردنيين ذوو الأصول الفلسطينية لا يريدون التخلي عن القدس.
ولفت إلى أن ليس هناك أي مغريات تدفع أيّ اردني وعلى رأسهم الملك بالقبول، لا مغريات اقتصادية ولا سياسية ولا حتى أمنية.

يجدد المعشر الإشارة إلى الإجراءات التي جرى تنفيذها ولايزال، معتبرا أن الخوف ليس في الإعلان عن الصفقة، بل من الإجراءات التي تفرض إسرائيليا واميركيا على الأرض.

إقرأ ايضًا: لبنان بين فكي الموازنة المتهالكة والسيادة المتداعية

فضاءات سياسية لمواجهة الصفقة

يختم المعشر في تناوله للأردن، بالتأكيد على أن الحل في المملكة سياسي اذا اراد الصمود في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها، فلا بد أن تكون الجبهة الداخلية متماسكة، وهذا يتطلب من السلطات المزيد من فتح الفضاء السياسي والفضاء الداخلي.
وشدّد المعشر على أن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية لدى دول الخليج، مع بروز الخطر الايراني، لكنه استبعد ان تقوم السعودية بالموافقة على صفقة القرن، معتبرا أن المملكة لا يمكن ولأسباب داخلية وخارجية أن تقف موقفا مغايراً لمطلب الفلسطينيين في الحق بدولة فلسطينية عاصمتها القدس.

نهاية حل الدولتين
في العودة إلى البعد الفلسطيني، يلفت المعشّر الى مرحلة خطرة، فحلّ الدولتين مشروع انتهى منذ زمن، هناك 650 الف مستوطناً في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ونحو 200 الف اسرائيلياً جانب الخط الأخضر في الضفة الغربية، هؤلاء من سيخرجهم؟
يعتقد المعشر أن الجيل الفلسطيني الجديد في الضفة الغربية، فقد ثقته بالقيادة الفلسطينية، السلطة وحتى حركة حماس، والغالبية لا تريد الحديث عن الحل، بل تركز على حقوق الفلسطينيين، لافتا إلى أن الفلسطينيين هم من بين العرب الوحيدون، الذين يرفضون خيار الهجرة، فعلى رغم تضاعف نسبة العرب الراغبين بهجرة بلادهم نحو دول اخرى بعد العام ٢٠١١، فإن الفلسطينيين في الضفة الغربية حافظوا على النسبة نفسها. ويختم معشّر في هذا السياق، بالإشارة إلى أن حماية الديمغرافيا الفلسطينية هي الأولوية اليوم، والتي يمكن المساهمة في دعم بقاء الفلسطينيين على أرضهم.

ثلاث هزات غيّرت مفهوم السلطة في الدولة العربية
يلفت المعشّر الى أنّ الأنظمة العربية تعرضت لثلاث هزات في العقد الاخير، تمنع على هذه الأنظمة إدارة الحكم بنفس الطريقة السابقة، هذه الهزات هي:
١- هزة ال ٢٠٠٨ أو ما يسمى الأزمة المالية العالمية
٢- ٢٠١١ عام فقدت فيه الأنظمة العربية أداة الأمن، حيث بدأ أن المواطنين خرجوا من خوفهم لا سيما حيال أداة الأمن.
٣- في عام ٢٠١٤، تلاشي الإداة المالية الريعية، مع تدني سعر البترول الى ما دون المئة دولار .
خلاصة هذه الهزات أن الدولة لم يعد بالامكان إدارتها بالأدوات القديمة، وسقطت معادلة إمّا نحن أو الفوضى، إمّا نحن أو داعش.

السابق
«فرنسا» تطالب «إيران» بالامتثال لكافة بنود «الاتفاق النووي»
التالي
«أردوغان» يحلم بالسلاح النووي على غرار «إسرائيل»