حزب الله يستبدل نائبه كثير الغضب بمرشح أكثر عصبية

الشيخ حسن عز الدين
قديماً قالوا: آلة الرياسة سعة الصدر، وقالوا: الرياسة لا تصلح إلا لأهلها، وقالوا: كن ذَنَبَاً ولا تكن رأساً... وقالوا وقالوا في نصيحة الحكام والمتصدين للرياسة الدنيوية وحتى الدينية.

وواحدة من أكبر المشكلات التي تُسقط السياسي سياسياً واجتماعياً بل واقتصادياً ودينياً ودنيوياً وأخروياً، أحدها بل أهمها هي مشكلة كثرة الغضب، فإنه لا ينال العلا من طبعه الغضب، والطبع يغلب التطبع، فمهما حاول من طبعه الغضب أن يتحرك خلاف طبعه لا بد أن ينكشف عند أول امتحان أعصاب، سواء في شؤونه الخاصة أو الشأن العام..

وهذا ما حصل بالفعل مع النائب السابق العزيز نواف الموسوي الذي تم – بحسب الظاهر – عزله من النيابة بقرار ضمني من حزبه أُخرج هذا القرار على هيئة استقالة، لأنه لا يمكن خلعه من النيابة بغير هذه الطريقة. والذي يؤكد طاعته لقيادته هو محافظة القيادة على موقعه داخل الحزب رغم الاستقالة، فلو كانت استقالته بقرار شخصي لأثر ذلك على موقعه داخل حزبه كونه سيكون متمرداً على قرار حزبه الأول بجعله ممثلاً لحزبه في الندوة البرلمانية، فهو في الواقع ممثل لحزبه وليس للشعب، لأنه لو كان ممثلاً للشعب لكان للشعب رأي في ترشحه واستقالته، ولكن هو قرار الحزب وهكذا هو حال سائر نواب الأحزاب اللبنانية، فهم لا يمثلون الشعب في كل ما يمارسون من سلطة تشريعية إن صح التعبير، أو تقنينية بتعبير أدق، فالممثل للشعب في لبنان هي الأحزاب اللبنانية، والشعب بهذا لا يكون مصدراً للسلطة التشريعية ولا غيرها كما يُفلسف الديمقراطيون، وهذه إشكالية كانت قائمة في بنية النظام اللبناني قبل الحرب الأهلية وما زالت حتى زماننا الحاضر، كما هي قائمة في أنظمة كل دول العالم التي تدعي الديمقراطية.

اقرأ أيضاً: الانتخابات الفرعية: لعدم منح هدايا لحزب الله

وقد انكشف طبع الغضب عند النائب المستقيل مراراً في الشأن العام قبل الاستقالة من خلال خطاباته المتشنجة في البرلمان وخارج البرلمان والتي أدَّى آخرها إلى تجميده حزبياً عن التمثيل البرلماني برهة من الزمن، مما يؤكد ما قلناه من أنه لا يمثل الشعب بل يمثل حزبه الذي قام بتجميد مشاركته في جلسات المجلس النيابي على أثر آخر مواقفه المتشنجة في الشأن العام في جلسة نيابية عامة!

 ومرة أخرى انكشف طبع النائب المستقيل في الشأن الخاص من خلال التسريبات الصوتية على أثر المشكلة العائلية بينه وبين صهره من عشيرة بيت المقداد والتي استغل فيها صلاحيات نيابية وحزبية للتهديد والوعيد، ومن يجرؤ على تهديد عشيرة بيت المقداد لولا الغطاء الرسمي والحزبي؟

وهذا دفع قيادة حزب لله بجدية هذه المرة لإنهاء حالة تحمُّل تداعيات سرعة غضبه في الشأنين العام والخاص بقرار دفعه للاستقالة من موقعه الرسمي، لأنه كاد أن يتسبب بمواجهة بين حزب الله وعشيرة بيت المقداد التي لها امتدادها وتأثيرها على الساحة الشيعية اللبنانية، وظني أن الحزب أخذ بالحسبان ما يشاع في البقاع من احتمالات تصادم بين الحزب والعائلات، وأنه حاول استرضاء العشيرة المذكورة بقراره عملاً بوصية أمير المؤمنين عليه السلام لمالك بن الأشتر النخعي لما ولَّاه على مصر، حيث أوصاه بإرضاء العامة فإن سَخَطهم لا يُغتفر في رضى الخاصة، ولا أظن أن النائب المستقيل المذكور سيُعطي موقعاً حزبياً مهماً بعد الذي جرى وصار.

ويأتي قرار الحزب بترشيح أحد مسؤوليه الكبارالشيخ حسن عزالدين خلفا للنائب المستقيل في دائرة صور الانتخابية الفرعية، ليطرح علامات استفهام، ولو ان المرشح العتيد من أهل منطقة صور ومن أسرة عريقة بعلماء دين شيعة كبار خرجوا منها كالفقيه الشيخ موسى عز الدين مؤسس حوزة المدرسة الدينية وجمعية علماء الدين والعلامة، الشيخ محمد عز الدين مؤسس العديد من المساجد والحسينيات والمكتبات العامة وآخرين، وإن كان – أيضاً المرشح المذكور – قد درس بعض مراحل الدراسة الحوزوية، وترقى في مسؤولياته في الحزب فكان في عضوية المكتب السياسي وهو في مسؤولية العلاقة الخارجية، وله العديد من الحيثيات في الدائرة الحزبية، وكان مدرساً قديماً في حوزة المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، فهو له ما هو له.

اقرأ أيضاً: علي عيد: نترشح في الانتخابات الفرعية في «صور» لكسر تابو الإحتكار

 ولكن الخبراء والقريبين يرون أن الحزب فرَّ من نائب كثير الغضب ليقع في فخ مرشح أكثر عصبية، فمن كانت لهم تجربة قريبة مع المرشح المذكور، خصوصاً في فترة تدريسه في الحوزة، يفيدون أنه كثير العصبية والغضب بحيث يُخشى عليه من المواجهات العلنية السياسية أن يظهر كامل غضبه وتتكشف كامل عصبيته في ملفات الشأن العام الرسمية عظيمة المسؤولية. فالنيابة هي تكليف وليست تشريفاً ووجاهة فقط بحسابات الواقع، والحزب سوف يكون أكثر إحراجاً بتلزيمه هذا المرشح المذكور لملفات الشأن العام الرسمي قريباً من الإعلام بعد أن ظهرت عصبيته في الشأن العام الحزبي بعيداً عن الإعلام وفي الشأن الخاص الحوزوي بعيداً عن هذا الإعلام أيضاً.

فهل سوف يقضيها الحزب بين التجميد والعزل لممثليه البرلمانيين فتضيع بتقطيع الوقت كل الملفات الحيوية التي تنتظر حلولاً ولا تتحمل ترضية خواطر من هنا وهناك؟ وهل سيلتفت الحزب لهذه الخصوصية لمرشحه أو سوف يلدغ المؤمن من جحره مرتين؟ أو ستكون القضية محلولة عنده عندما سيقوم بتسيير نوابه بالريموت كنترول كما هو حال سائر الكتل النيابية الحزبية في لبنان؟

السابق
سقوط ممر طهران بيروت
التالي
السلطة اللبنانية والعمالة الفلسطينية (1): انتفاضة ضدّ قانون العمل