تغييب الصدر وغياب الوعي لدى شيعة لبنان

تتزامن الذكرى 41 لتغييب الإمام موسى الصدر هذا العام، مع تطورات خطيرة على مستوى لبنان والمنطقة قد تقودها إلى حرب ساخنة بعد تمدد الضربات العسكرية لتشمل عدا سوريا، كل من العراق ولبنان في تطور يحمل في طياته تغييرا خطيرا في قواعد الإشتباك خاصة مع حزب الله في لبنان هو الأول منذ حرب 2006.

الملفت للنظر أن ساحة هذه الضربات هي أماكن تواجد الشيعة العرب، في كل من لبنان من حيث هو وطن نهائي يفترض أن شيعة لبنان قد إرتضوه لهم، والعراق من حيث هو البلد العربي الذي يضم العدد الأكبر من الشيعة العرب ويمثل قبلة لهم من حيث التاريخ وبما يمثله من مرجعية دينية.
عدا لبنان والعراق مؤخرا، كانت الضربات تستهدف سوريا حصرا بعد أن باتت ساحة مفتوحة تتقاتل فيها الأطراف الإقليمية والدولية، ودخل فيها العنصر الشيعي طرفا عبر تدخل إيران وحزب الله وبقية الميليشيات الشيعية من عراقية وباكستانية وأفغانية التي جمعتها إيران ودربتها وزودتها بكل ما يلزم لتكون جزءاً من منظومتها العسكرية في المنطقة.

يترافق كل ذلك في وقت نستذكر ونعيش أجواء الذكرى 41 لتغييب الإمام موسى الصدر في ليبيا في العام 1978، هذا التغييب الذي نعتبره أساس فيما وصلت إليه الحال اليوم بالطائفة الشيعية في لبنان، وإلى حدّ ما في العالم العربي من حيث إنضوائها تحت العباءة الإيرانية، وإبتعادها عن خطها العربي والتقدمي الذي لطالما كانت تحمل لواءه عبر إنخراطها في الأحزاب والمنظمات العربية القومية بجناحيها البعثي والناصري وكذلك الأحزاب اليسارية، من إشتراكية وشيوعية ومن ثم النضال في الثورة الفلسطينية حيث إنخرط الكثير من الشباب الشيعي في العمل الفدائي الفلسطيني دفاعا عن الثورة الفلسطينية وإيمانا بعدالة قضيتها قبل أن تندلع الحرب الأهلية اللبنانية وأثناءها.

في هذا الوقت كانت الإعتداءات الإسرائيلية تتصاعد على الجنوب اللبناني بذريعة الوجود الفلسطيني المسلح. في هذه الأجواء برز الإمام موسى الصدر كقائد ديني وسياسي يطالب بالعدالة السياسية والإجتماعية للبنانيين والشيعة منهم بشكل خاص، ولكنه رفض الإنخراط في الحرب الأهلية لا بل ناضل رفضا لها عبر إعتصامه الشهير في العاملية عام 1975، رغم إطلاقه يومها أفواج المقاومة اللبنانية ( أمل) وشعاره الشهير السلاح زينة الرجال.
كان جلّ إهتمام الإمام الصدر وبوصلته هو الجنوب، والمخاطر التي تواجهه خاصة بعد دخول الجيش السوري إلى لبنان مع الصدام ضد الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية، وما خلفه هذا الدخول من صراع سوري _ فلسطيني و “حرب أهلية عربية ” تركت بصماتها على أرض الجنوب، التي باتت رهينة هذا الصراع بين نظام حافظ الأسد وإتفاقه مع المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي الذي عرف بإتفاق مورفي _ الأسد والذي دخلت بموجبه القوات السورية إلى لبنان من جهة ، وبين الثورة الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات وحلفائها اللبنانيين.
‏ ترافق هذا الصراع مع تجاوزات بحق المواطنين في الجنوب ما تسبب ببعض المصادمات بين القوات المشتركة من فلسطينية ويسارية، وبين حركة أمل وكانت لم تزل في بداياتها، إلى أن كان الإجتياح الإسرائيلي الأول للجنوب عام 1978 فيما سمي يومها عملية الليطاني وكان من نتائجه دخول قوات اليونيفيل إلى الجنوب وصدور القرار 425 الذي يدعو لإنسحاب القوات الإسرائيلية ونشر قوات الجيش اللبناني، وهو ما كان متعذرا يومها لا سيما وأن هذه التطورات ترافقت مع زيارة الرئيس المصري انور السادات للقدس التي قلبت المقاييس وغيرت التحالفات ودخلت المنطقة في طور جديد وبات الجنوب في مهب ريح المصالح والأجندات، وورقة يحاول كل طرف الإمساك بها وسط تقصير عربي وتجاهل لمأساة الجنوبيين.
‏هذا ما دفع الإمام الصدر للقيام بجولات عربية لمحاولة شرح الأمور وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهو ما قاده إلى ليبيا وكان التغييب. نفتح قوسين هنا لنقول بأن الإمام الصدر قد يكون للبعض الكثير من المآخذ عليه في السياسة يومها ، ولسنا هنا للدفاع عنه وتصويره بصورة الرجل السياسي المثالي، ولكن نقول بملء الثقة أن الأيام والتطورات أثبتت بأنه كان يسعى لإخراج الجنوب من كونه ورقة تتلاعب بها الأهواء الإقليمية وهو ما كان بعد تغييبه ولا يزال وقد يكون هذا الموقف هو سبب تغييبه الذي كان ضربة قوية للشيعة في لبنان.
‏ذلك ما يسمح بالقول أنه إذا كانت مظلومية الشيعة التي أحسوا بها جراء تهميشهم من النظام السياسي اللبناني، قد دفع بهم إلى أحضان الأحزاب اليسارية والقومية، فأن المظلومية التي أحسوا بها بتغييب موسى الصدر قد أخرجتهم من هذه الأحزاب ورمت بهم في قوقعة مذهبية مقيتة، أحسن إستغلالها بداية النظام السوري، وقاتل بهم وباتوا ورقة سياسية إستعملها في الداخل اللبناني ضد الأطراف اللبنانية والفلسطينية المناوئة له، قبل أن تتلقاها إيران بعد إندلاع ثورتها والإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وحتى اليوم.

اقرأ أيضاً: قضم النفوذ الإيراني «بالتقسيط» حتى تحقيق نتائجه

تغييب موسى الصدر كان فرصة ذهبية للنظام الجديد في إيران، حيث أزيلت عثرة من طريقه. فالصدر كان شخصية كاريزماتية معتدلة ومنفتحة سياسيا ودينيا، وكان من المستحيل أن تستطيع إيران السيطرة على الطائفة الشيعية في لبنان بوجوده، عدا عن دوره العربي الذي كان موضع إحترام وتقدير الكثير من القادة العرب. ومن المفارقات الغريبة أن علاقة النظام الإيراني مع النظام الليبي لم تتأثر بغياب الصدر، بل كانت علاقة قوية ووصلت درجة التحالف إبان الحرب العراقية _ الإيرانية الى أن زود معمر القذافي ايران بصواريخ لتقصف بها بغداد، ولم تقم إيران بأي مجهود فوق العادة لمحاولة معرفة مصير الصدر وكذلك حليفها حافظ الأسد، الذي كانت تربطه أيضا أفضل العلاقات مع نظام القذافي.

إن ما نشهده اليوم من تطورات في المنطقة ما هو إلا نتيجة في بعض جوانبه لتغييب الإمام الصدر، الذي بتغييبه غاب الوعي عن الغالبية العظمى من الشيعة اللبنانيين، الذين باتوا في غربة عن عروبتهم سياسيا وإجتماعيا وثقافيا، وباتوا جزءا لا يتجزأ من الثقافة السياسية والدينية الإيرانية وطقوسها حتى باتت نقاط المنطقة الساخنة تتركز في المناطق الشيعية يدفعون ثمن سياسات لا تمت لمصالحهم بأي صلة.
حتى الشيعة الزيدية في اليمن لم يسلموا من براثن إيران ومخالبها، فبات قادتها يتباهون بسيطرتهم على أربعة عواصم عربية، وبات سليماني يتباهى بعدد النواب اللبنانيين المحسوبين عليه، وبات عبد اللهيان يصرح نيابة عن الحكومة اللبنانية ويهدد إسرائيل برد مزلزل، وما هذا في النهاية إلاّ نتيجة الصراعات العربية الداخلية وغياب المشروع القومي العربي الواحد، وغياب حتى المشروع الوطني الواحد حيث عمت الفوضى أرجاء الأرض العربية.
ويبقى السؤال إلى متى غياب الوعي العربي، وإلى متى غياب الوعي الشيعي العربي؟ سؤال يبدو الجواب عليه صعبا في هذه الظروف.

السابق
إسرائيل تشتكي سوريا في مجلس الأمن
التالي
عناصر مسلحة في الطيبة توقف دورية للكتيبة الاندونيسية وتقوم بتفتيشها