إشارة ضائقة من الحرس الثوري

كل تهديد، بصفته تهديدا، من المهم تعلمه واخذه بجدية من المحافل السياسية والعسكرية، ولكن يحتمل أن تكون هذه التهديدات تبث ضائقة حقيقية من الحرس الثوري وقوة القدس والتي تشعر أكثر فأكثر بانها عارية، مكشوفة ومتوقعة.
المشاهد الاسبوعية التي نشهدها في الاشهر الاخيرة في توجيه ضربات أليمة للانتشار العسكري المعادي لاسرائيل في العراق وفي سوريا، ضرورية ولازمة لحماية اسرائيل. فالساحة الشرق اوسطية ما بعد الربيع العربي تحاول اعادة بناء نفسها وتلعق جراحها. وتحت رعاية الجلبة، يحاول الايرانيون كل الوقت فرض واقع جديد من التواجد العسكري والمدني في المناطق الشيعية في العراق، في سوريا وفي لبنان. هذا التواجد، وفقا لخط التفكير الايراني، حيوي لتعزيز “الشتات” الشيعي. ليس واضحا بعد لماذا يحتاج “الشتات” الشيعي في العراق لوجود صواريخ ارض ارض، او لماذا تحتاج الاقلية الشيعية الهامشية جدا في سوريا لحوامات تكتيكية مسلحة. اما في لبنان فان “الشتات” الشيعي لم يعد منذ زمن بعيد شتاتا، بل اغلبية شيعية متماسكة تفعل في الدولة اللبنانية كل ما يروق لها تقريبا.

اقرأ أيضاً: معضلة نصرالله

ان هجمات اسرائيل في العراق، في سوريا وفي لبنان (زعما) تنزع من نصرالله تهديدات وفق سيناريو معروف مسبقا وتبعا لاملاء ايراني. هجوم الحوامات في سوريا وفي بيروت، ظاهرا، مس بالسيادة اللبنانية ونصرالله، كحامي الارض المقدسة للبنان، يسعى لحمايتها حتى لو كان بحاجة الى اطلاق رسائل تهديد بالمعركة حيال اسرائيل. لا شك ان كل تهديد، بصفته تهديدا، من المهم تعلمه واخذه بجدية من المحافل السياسية والعسكرية، ولكن يحتمل أن تكون هذه التهديدات تبث ضائقة حقيقية من الحرس الثوري وقوة القدس والتي تشعر أكثر فأكثر بانها عارية، مكشوفة ومتوقعة في الساحة الشرق اوسطية. تثبت الاستخبارات الاسرائيلية وسلاح الجو كل الوقت بان هذه القوات، مهما كان دهاؤها، ستكشف وتضرب.
الان، لاجل صرف الانتباه الاسرائيلي عن الساحة السورية والعراقية، يحاولون خلق استفزاز لبناني، ولكن الوحيدين الذين سيتحملون المعاناة التي ستلحق بهم في اعقاب المواجهة مع الجيش الاسرائيلي سيكونون اللبنانيين أنفسهم. بيروت، التي توجت مؤخرا كمدينة الحياة الليلية قبل تل أبيب، والسياحة المتعاظمة في الدولة، تدفع بلبنان الى المكان الذي كان يرغب فيه على مدى عشرات السنين، وهو يفعل ذلك في ظل محاولات يائسة للسير بين القطرات والتدخل الايراني والعربي في شؤونه.
ولكن بالادوات المتداخلة الشرق اوسطية من الصعب تجاهل ما يحصل من فوق رأس الجميع. روسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة اخرى، وفي الوسط اردوغان والاسد اللذين يتحديان الواحد الاخر – يعيدون كل اللاعبين في الساحة الشرق اوسطية الى تلك العداءات القديمة التي لا تجد لها حلا. فالولايات المتحدة، تدعي خلق الانطباع بان الشرق الاوسط ليس في رأس اهتمامها، ولكنها لا تزال تجتهد لتعديل صيغة “خطة القرن” في كل اسبوع. روسيا بوتين، التي تعاني من تدهور نحو قمع ديمقراطي لقوى المعارضة، تحاول خلق شكل سوفياتي زائف كي تعيد لنفسها المجد الذي لم تكن جديرة به ابدا. تركيا، توجد قبيل انهيار اقتصادي في ضوء ادارة اوروبا الظهر لمشاكلها، هرب السياح الاوروبيين منها ودخول موجات المهاجرين غير المرغوب فيها، وتحاول انقاذ شرفها امام العدو القديم – سوريا. وهذه الاخيرة تتصرف باعتداد امام جارتها مثلما فعلت في الماضي، مثلما في حينه اليوم، باسناد شامل ايراني – روسي.
عندما يعاني الاخيران من العجز العسكري امام القدرات الامريكية – الاسرائيلية، فانهما يعطيان الحق لنصرالله كي يصرخ ويهدد بخرق الهدوء في الحدود الشمالية؛ الهدوء الذي لم يسد ابدا بشكل كامل، على الاقل ليس في الجانب اللبناني – السوري. اسرائيل تتصرف على نحو صحيح في قلقها على امنها في ظل التجاهل التام للنزاعات القديمة بين الاطراف.

السابق
مصادر في حزب الله تنفي إلقاء مناشير اسرائيلية
التالي
في «إسرائيل» يقدرون بأن نصر الله جدي، وسيرد على الهجمات في سوريا ولبنان