في «إسرائيل» يقدرون بأن نصر الله جدي، وسيرد على الهجمات في سوريا ولبنان

السيد حسن نصرالله في مهرجان التحريري ٢٠١٧

المستوى السياسي اطلع على التقدير الحديث للاوساط الامنية والذي يفيد بأن نصر الله قد قيد نفسه بالتهديدات العلنية التي وجهها. والتطورات اللاحقة مرتبطة بدرجة كبيرة بنتائج رد حزب الله.
حزب الله سيرد على الهجمات التي نفذتها اسرائيل في سوريا ولبنان. هذا هو التقدير الواضح لجهاز الامن كما تم ابلاغه للمستوى السياسي أمس. التأهب العالي في الجيش الاسرائيلي يستمر وخاصة على الحدود مع سوريا ولبنان، لكن يستمر ايضا الحفاظ على التأهب على حدود القطاع خوفا من تصعيد آخر هناك.
اسرائيل تحملت المسؤولية عن الهجوم في سوريا في منتهى يوم السبت الذي قتل فيه مقاتلين من حزب الله، اعضاء خلية قادا حرس الثورة الايراني الذي كان سينفذ هجوم بواسطة طائرات مسيرة مفخخة في هضبة الجولان. بعد بضع ساعات تم تشغيل طائرة مسيرة ايضا ضد مكتب لحزب الله في الضاحية، الحي الشيعي في جنوب بيروت. اسرائيل لم تتحمل المسؤولية عن ذلك، لكن حسن نصر الله اتهمها بتنفيذ الهجوم في خطابه الذي القاه مساء أول أمس. نصر الله ايضا هدد بشكل صريح بالرد بواسطة هجوم على طول الحدود ضد جنود الجيش الاسرائيلي.

اقرأ أيضاً: ديلي تلغراف: هل تندلع حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله؟

الادراك السائد في اسرائيل هو أن نصر الله سيفي بوعده. حزب الله حدد ايضا في خطابات لنصر الله في الاشهر الاخيرة خطوطه الحمراء في المعركة بين الحربين مع اسرائيل. حزب الله صرح إنه سيرد على المس بمقاتليه في سوريا وعلى محاولة مهاجمته في لبنان. نصر الله كرر هذه الامور بشكل مؤكد، وبصورة مؤكدة اكثر كررها في خطابه. ليس فقط لأن هذه هي مقاربته التي يلتزم بها بشكل علني بسبب التهديد الصريح الذي وجهه.
إن مسار التطورات متعلق بشكل كبير بنتائج رد حزب الله. في حملة تصعيد سابقة بين الطرفين في كانون الثاني 2015 اختارت اسرائيل “احتواء الوضع” بعد أن قتل حزب الله ضابط وجندي في جبل الشيخ، ردا على قتل سبعة نشطاء لبنانيين وايرانيين في عملية نسبت لاسرائيل في هضبة الجولان السورية. اذا تسبب رد حزب الله باصابات كثيرة فان اسرائيل سترد بعملية من قبلها. بكلمات اخرى، النتائج التكتيكية يمكن مرة اخرى أن تملي سير الامور على الصعيد الاستراتيجي.
اثناء خطاب نصر الله في بيروت وردت تقارير عن هجوم آخر نسب لاسرائيل على الحدود بين سوريا والعراق. تسعة مقاتلين من المليشيات الشيعية وكتاب حزب الله العراقية (نوع من الحركة الشقيقة لحزب الله في لبنان) قتلوا بواسطة قصف بطائرات مسيرة في الجانب العراقي في المعبر الحدودي. ولكن فجر أمس، بعد بضع ساعات من تهديد نصر الله لاسرائيل وتحديد خطوطه الحمراء، جاءت تقارير حول هجوم آخر استثنائي في لبنان. هذه المرة، حسب ما نشر هناك، كانت هذه طائرات مسيرة اسرائيلية قصفت قاعدة لمنظمة فلسطينية منسية (الجبهة الشعبية – القيادة العامة)، التي أسسها احمد جبريل في البقاع في لبنان، ليس بعيدا عن الحدود السورية. منظمة جبريل شكلت في السابق بالنسبة لايران وحزب الله فرع تنفيذي للعمليات التي لم يكونوا معنيين بتحمل المسؤولية المباشرة عنها. وربما في هذه المرة ايضا تكون خلفية الحادثة متشابهة.
رئيس لبنان ميشيل عون وصف أمس هجمات الطائرات المسيرة بـ “اعلان حرب اسرائيلية”. في المقابل، نشر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أمس اعلان اتهم فيه ايران بأنها “تعمل في جبهة واسعة من اجل تنفيذ هجمات ارهابية قاتلة ضد دولة اسرائيل”. نتنياهو، بما يمكن أن يفهم كطلب للمساعدة، توجه الى المجتمع الدولي من اجل “العمل على الفور لجعل ايران توقف هذه الهجمات”.
مهما كان الامر فانه حسب الهجمات الاخيرة التي نسبت لاسرائيل، يبدو أنها تشير لايران وحزب الله عن سياسة جديدة عدائية أكثر. الى هذه الامور تضاف الهجمات المباشرة من رئيس الاركان كوخافي ووزير خارجية اسرائيل كاتس ضد الجنرال قاسم سليماني، قائد قوة “القدس” في حرس الثورة الايراني. كوخافي اتهم سليماني بشكل مباشر بالمسؤولية عن تخطيط عمليات الطائرات المسيرة في هضبة الجولان. وكاتس اعتبر سليماني هدفا رئيسيا لعمليات اسرائيلية.
بين السياسي والامني
المواجهة الحالية بين ايران واسرائيل تستمر خلال معظم سنوات العقد الحالي. في بداية الحرب الاهلية في سوريا تركزت الهجمات المنسوبة لاسرائيل على قوافل السلاح الايرانية التي مرت في الاراضي السورية في طريقها الى حزب الله في لبنان. منذ كانون الاول 2017 حدث تغيير، على الاقل عدد من الهجمات كان موجه لمحاولة تمركز ايران العسكري في سوريا – انظمة السلاح التي نشرتها ايران وقواعد المليشيات الشيعية التابعة لها.
في الشهر الماضي، حسب ما نشر في مصادر اجنبية، حدث تغيير آخر في السياسات: اسرائيل بدأت بمهاجمة اهداف ايرانية في الاراضي العراقية (رغم أنه بعد ذلك تبين أن عدد من النشاطات التي نسبت لها كانت بالخطأ وأدت الى انفجار قذائف في مخازن سلاح للمليشيات). من هنا يبدو أنه ولدت محاولة رد ايران التي احبطت في منتهى يوم السبت عن طريق قصف لسلاح الجو الاسرائيلي.
بكلمات اخرى، اسرائيل وسعت حدود المعركة ضد ايران وطهران حاولت الرد بهجوم، الذي احباطه يضع الطرفين على عتبة دائرة دموية متزايدة. وهذا الامر يطرح سؤال ما هو سبب تغيير السياسة الاسرائيلية، وهل كان هناك مبرر لذلك.
المعارضة في اسرائيل يوجد لها نوعين من الردود العكسية، عندما تقرر الحكومة تصعيد خطواتها العسكرية. حزب ازرق ابيض، الذي ثلاثة من القادة الاربعة فيه كانوا رؤساء اركان سابقين، ينتقل الى صمت متوتر، وطني، ويؤدي التحية للجيش في حين أنه يواصل امطار نتنياهو بالنار بسبب سياسة ضبط النفس له في غزة. رئيس الحكومة تعرض مرة اخرى لهجوم أول أمس على خلفية اطلاق صافرات الانذار في اعقاب اطلاق الصواريخ على سدروت اثناء مهرجان. اصوات اخرى، بالاساس في الشبكات الاجتماعية، اتهمت الليكود بمؤامرة سياسية التي في اطارها يتم اشعال الحدود بهدف تغيير جدول الاعمال في الحملة الانتخابية واملاء نقاش امني، يخدم نتنياهو كما يبدو.
هذه الادعاءات سمعت ايضا في السابق على خلفية نفس الحدث الذي ذكر في كانون الثاني 2015 والذي هو ايضا حدث عشية الانتخابات. في حينه تبين أنها مدحوضة – نتنياهو ضبط نفسه ولم يدهور الوضع الى مواجهة مع ايران وحزب الله. خلال السنوات، رئيس الحكومة تصرف بصورة عامة بشكل حذر وبمسؤولية في توجيه الخطوات في الشمال خشية من التدهور نحو حرب.
السؤال المطروح الآن هو هل تغير شيء ما في اعتبارات نتنياهو ازاء وضعه المضغوط في الاستطلاعات، والحاجة الى اجتياز نسبة الـ 61 مقعد بدون ليبرمان من اجل تشكيل الحكومة القادمة ووقف الاجراءات القانونية الآخذة في التبلور ضده.
في اسرائيل السياسي دائما مختلط بالامني، ويصعب جدا القيام بعملية فصل كاملة بين الاعتبارات المختلفة. ربما بالطبع أن الاعتبار الرئيسي لنتنياهو هو اعتبار أمني: اسرائيل تلاحظ وجود اجراءات ايرانية متزايدة لبناء قوة عسكرية على حدودها، وشن هجمات ضدها. حسب المنسوب لها، هي تعمل من اجل احباطها حتى في عمق اراضي العراق واراضي لبنان.
بهذا الشأن وباستثناء ضعف المعارضة وغياب اشراف خارجي للجنة الخارجية والامن في الفترة بين الحملتين الانتخابيتين، تجدر الاشارة ايضا الى ضعف الكابنت. نتنياهو ايضا هو وزير الدفاع، وفي الكابنت لا يوجد وزراء لهم تجربة مثل اهود باراك وبوغي يعلون وافيغدور ليبرمان، الذين يمكنهم تحديه مثلما حدث في السابق. وكما سبق واشار مراسل هآرتس حاييم لفنسون فان الكابنت الحقيقي الآن يتشكل من المستشارين المقربين من رئيس الحكومة (سفير اسرائيل في الولايات المتحدة رون ديرمر ورئيس الموساد يوسي كوهين ورئيس مجلس الامن القومي مئير بن شبات، وبدرجة اقل رئيس الاركان كوخافي). هناك يبدو أنه يسيطر خط صقوري يناسب مقاربة نتنياهو.
في الخلفية، يجب أن نذكر، تقف التطورات بين الولايات المتحدة وايران. في البداية وصل وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف بشكل مفاجيء الى بياريتس حيث يعقد هناك لقاء لزعماء الدول العظمى السبعة. أمس صرح رئيس فرنسا عمانويل مكرون بأنه يأمل بأن تكون نشأت ظروف لعقد قمة بين رئيسي الولايات المتحدة وايران في الاسابيع القريبة القادمة. هذا تطور هام جدا، لكن مشكوك فيه اذا كان نتنياهو، المعني بتعزيز الضغط الامريكي على ايران، يعتبر ذلك بشرى جيدة.
يجب شكر آيزنكوت
رئيس الاركان كوخافي تحول مؤخرا الى عزيز اليمين. الشبكات الاجتماعية تثني عليه وتمدحه. الحماسة التي بدأت بقرار ترقية عزيز هذا القطاع، العميد عوفر فنتر، ازدادت على خلفية الهجمات الاخيرة في الشمال. وقد رافق هذا المديح أكثر من مرة صدى الهجمات المتكررة على من سبق كوخافي، غادي آيزنكوت، الذي أنهى ولايته في كانون الثاني الماضي.
ولكن الآن بالضبط، حيث المواجهة مع حزب الله تتصاعد، ربما من الجدير الذكر بأن اسرائيل مدينة بشكر رئيس الاركان السابق بسبب تصميمه على أن ينفذ في كانون الاول الماضي عملية “درع الشمال”. في هذه العملية كشف الجيش الاسرائيلي ودمر ستة انفاق هجومية حفرها حزب الله تحت الحدود مع لبنان في داخل الاراضي الاسرائيلية. في الوقت الذي يسخن فيه الشمال مرة اخرى، فمن الجيد أن امكانية ادخال مئات مقاتلي الكوماندو بصورة مفاجئة الى منطقة الجليل، تم سحبها من حزب الله. وهذا لم يكن ليحدث لو لم يدفع بذلك آيزنكوت بدعم من نتنياهو.

السابق
إشارة ضائقة من الحرس الثوري
التالي
نتانياهو لنصرالله: عليك أن تهدأ