هل تستعد إسرائيل لتكرار تجربة حرب الـ67؟

هناك أكثر من عشرة أسباب للاعتقاد بأن “حزب الله” لا يريد حرباً مع إسرائيل في هذا الوقت. أهمها أن لا موجب أهلياً لهذه الحرب، فالحزب على الصعيد الأهلي والسياسي متصدر لبنانياً وسورياً وعراقياً، ويمنياً أيضاً. خصومه المذهبيون والأهليون تلاحقهم الهزائم من كل حدب وصوب. فما هو موجب الحرب إذاً، ذاك أن الأخيرة لربما رست على معادلة مختلفة، يضطر بموجبها الحزب إلى أن يشارك آخرين؟ لكن الأسباب لا تقتصر على ذلك، فالجبهة هذه المرة أوسع، وقوة الحزب ستتشتت بين لبنان وسوريا، كما أن الركيزة الأهلية والمذهبية لهذه الحرب أضيق من قبل، ناهيك بأن الذراع السياسية للحرب، والتي لطالما مثلتها الحكومة اللبنانية أضعف من أسلافها، وأقل قدرة على المفاوضة وعلى تثبيت معادلات ما بعد الحرب.

اقرأ أيضاً: «درونز» إسرائيل في سوريا والعراق ولبنان

هذه عينة من أسباب الاقتناع بأن “حزب الله” لا يريد حرباً في لبنان، يضاف إليها خطاب يوم الأحد للأمين العام للحزب حسن نصرالله، وكان واضحاً فيه حرصه على تحديد شكل الرد، بأن قال إن “الطائرات المسيرة سيتم إسقاطها”. هذا الخطاب الذي انقسم حوله اللبنانيون بين من اعتبر أن نصرالله أعلن الحرب متجاوزاً الدولة اللبنانية (خصوم الحزب)، وبين من هلل للغة الخطاب الانتصارية، ولمخاطبته بنيامين نتانياهو طالباً منه أن يقف على رجلٍ واحدة منتظراً الرد. لكن بين المنزعجين والمتطيرين من كلام نصرالله وبين المحتفلين به، تقيم حقائق مختلفة يعرفها زعيم الحزب، ولا يبدو أن خصومه اللبنانيين يعرفونها، وتتمثل في أن حسابات الحرب هذه المرة أوسع من حسابات الحروب السابقة، وتحتاج أفقاً يتعدى تلك الانفعالات الضيقة لما تبقى من متقاعدي “14 آذار”.

وكم يبدو غريباً ذهول لبنانيين من انكفاء الدولة والحكومة عن مشهد الاضطراب الكبير على الجبهة مع إسرائيل. هذا الذهول أوحى بأن “حزب الله” ولد بالأمس وانقض في يومٍ واحد على الدولة وعلى أهلها. بعض المذهولين كان جزءاً من أسباب الهزيمة التي ألحقها الحزب بكل القوى الأهلية، وبعضهم شريك صغير للحزب في الدولة والحكومة والبرلمان. الذهول هو نوع من نكران يمارسه اللبنانيون وقواهم السياسية والمذهبية ويستعينون به لكي يشيحوا بوجوههم عن حقيقة أنهم يعيشون في دولة “حزب الله”، وعن مسؤوليتهم حيال هذه الحقيقة.

حسابات الحرب خارج هذا المشهد تماماً، والأسباب التي تدفع إلى الاعتقاد بأن الحزب لا يريد حرباً لا تكفي للاطمئنان، ذاك أن المؤشرات تقول إن إسرائيل تريد حرباً. فبدل أن يستجيب نتانياهو لنصيحة نصرالله بأن يقف على قدمٍ واحدة منتظراً رد الحزب، مد قدماً ثالثة وأغار بعد خطاب الأمين العام على قواعد عسكرية لحلفائه في البقاع. وهنا يمكن أن يقول المرء إن الأسباب التي تدفع للاعتقاد بأن نصرالله لا يريد حرباً، هي نفسها ما يدفع إلى الاعتقاد بأن نتانياهو يريدها، إنما تُضاف إليها الأسباب الإسرائيلية. فتل أبيب تراقب كل الجبهات التي تنتشر فيها الأذرع الإيرانية في الإقليم، وهي باشرت عمليات استهداف واسعة في سوريا والعراق ولبنان وغزة. ونتانياهو مستعد للذهاب إلى الخليج وإلى اليمن لتوسيع هذه الجبهات، والجديد على هذا الصعيد أن الغارات صارت معلنة ومرفقة ببيانات وأحياناً بفيديوات، الهدف منها إعلام رأيٍ عام عالمي بأن طهران تؤسس قواعد لحرب محتملة مع تل أبيب، وأن الأخيرة تخوض حرباً استباقية. 

تعدد الجبهات اليوم يذكر بحرب عام 1967، عندما فتحت إسرائيل ثلاث جبهات دفعة واحدة في الأردن وسوريا ومصر، وحيال ذلك يبدو كلام السياسيين اللبنانيين المتحفظين على كلام نصرالله صادراً من واد صغير وضيق، لا تتعدى حدوده خط التوتر بين موارنة جبيل وآل المقداد في بلدة مقنة.  

كلام كثير يثار عن أن نتانياهو يعبئ الرأي العام الإسرائيلي على أبواب الانتخابات. إذا كان هذا التحليل صحيحاً، فالأرجح أننا سننجو من الحرب، وستكون حدود المواجهة محكومة بالحسابات الانتخابية. لكن ما تشهده المنطقة يؤشر إلى ما هو أخطر من ذلك، فهامش المناورة الانتخابي يبقى محدوداً في إسرائيل، وحسابات المؤسسة العسكرية والأمنية هي ما يُحسب له حساب. وإذا كانت هذه المؤسسة مقتنعة بضرورة شن حربٍ استباقية، فإن سقف المواجهة سيكون مرتفعاً. وفي الأجواء ما يوحي بأن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية غير مطمئنة لما يحصل في الجنوبين اللبناني والسوري، ولما يحصل أيضاً في العراق. والأهم أن لديها فرصة اليوم، فإيران منشغلة بالعقوبات وبحروب أهلية في اليمن وسوريا. وثمة تحالف دولي تسعى إليه واشنطن لضبط حركتها في الخليج. ومرة أخرى تلوح حرب عام 1967، كنموذج لما تفكر به إسرائيل.

قد لا تخدم خطوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى قمة الدول الصناعية نيات إسرائيل، لكن سرعة تلبية ظريف الدعوة تؤشر إلى أن طهران تجيد الانكفاء في اللحظة الأخيرة. “حزب الله” جزء من هذه التقية السياسية، وبيده اليوم حرمان إسرائيل من فرصة الحرب. لكن ذلك سيكون مؤلماً. فالغارات لن تتوقف، وكظم غيظ الخسائر لعبة أجادها الحزب منذ عبوره الحدود لـ”الجهاد” في سوريا.        

السابق
«درونز» إسرائيل في سوريا والعراق ولبنان
التالي
الجيش الإسرائيلي: مقاتلا حزب الله اللذان قُتلا في الغارة بسوريا تدربا على الهجوم في إيران