هكذا يمكن احتواء حلفاء «حزب الله» في لبنان

جبران باسيل حزب الله
في السابع من أغسطس، أصدرت السفارة الأميركية في بيروت بيانا دعت فيه لبنان إلى "الالتزام بمبادئ الإنصاف والشفافية في الإجراءات القضائية"، مشيرة إلى أنه "ينبغي رفض أي محاولة لاستغلال حادثة 30 يونيو الأليمة التي وقعت في قبرشمون لخدمة أهداف سياسية".

إن البيان بحد ذاته والحادثة التي يشير إليها ـ وهي عبارة عن اشتباك عنيف قُتل خلاله حارسان شخصيان لبنانيان ـ يسلطان الضوء على الأسلوب الذي يتبعه “حزب الله” وحلفائه السياسيين على نحو متزايد لتحويل التوترات الطائفية إلى نزاعات مسلحة ضد خصومهم. وحيث يزور رئيس الحكومة سعد الحريري واشنطن طوال هذا الأسبوع، ويقوم الدبلوماسيون الأميركيون بتوجيه التحذيرات إلى بيروت، لا بدّ من إلقاء نظرة فاحصة على هذا التوجّه وعلى الخيارات المتاحة أمام واشنطن لتحجيمه.

حسابات باسيل

على الرغم من أن البيان الأميركي لم يشر إلى أي قادة لبنانيين بأسمائهم، إلا أنه اعتُبر رسالة واضحة إلى لرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل. وباسيل هو صهر الرئيس عون ويأمل أن يخلفه في دورة الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث بدأ بالمناورة فعلا تحقيقا لهذا الطموح. ولكن باسيل أدرك منذ فترة طويلة أنه لن يتمكن من تحقيق هذا الحلم من دون مباركة “حزب الله” وإيران ـ وأن هذه الموافقة تستوجب منه أن يصبح الزعيم الماروني المفضّل لديهما، لأن الرئاسة في لبنان مخصصة تلقائيا لهذه الطائفة المسيحية.

ونجح باسيل حتى الآن في استيفاء هذا الشرط. وكوزير للخارجية، لم يَحِد قط بالسياسة الخارجية عن المسار الذي تريده إيران في لبنان، مثل دعم انخراط “حزب الله” في الحرب السورية وترديد موقف طهران بشأن الشؤون الدولية والسياسة الأميركية في المنطقة. وفيما يتعلق بالسياسة الداخلية، تحالف باسيل مع “حزب الله” خلال الانتخابات النيابية لعام 2018 ثم اتّبع بعد ذلك توجه الحزب في مجلس النواب.يمكن أن تساعد العقوبات أيضا في الحد من رضوخ الحريري لـ “حزب الله” وتدفعه إلى الابتعاد عن باسيل

ويحرص باسيل أيضا على تعزيز مكانته السياسية ضد منافسه قائد الجيش اللبناني جوزف عون الذي ازدادت مسألة ترشيحه جدية بعد زيارته الأخيرة لواشنطن. وحيث يدرك باسيل أن موقف إدارة ترامب ستبقى فاترة تجاهه في ضوء ارتباطه بـ “حزب الله”، قرر تركيز جهوده محليا من خلال مهاجمة الشخصيات اللبنانية القادرة على إعاقة أهدافه. وقد أحبط تحذير السفارة الأميركية مؤقتا حملة الضغط التي يمارسها، لكنه لم ينجح في إضعاف باسيل. وهناك الكثير مما يجب القيام به لفضح تحالفه مع “حزب الله”، والحد من نفوذه في لبنان، وحماية الخصوم السياسيين لـ “حزب الله” في الداخل اللبناني. ولا يزال لدى الولايات المتحدة نفوذ كاف مع شخصيات لبنانية بارزة لتحقيق هذه الغايات، خاصة أثناء تواجد رئيس الحكومة سعد الحريري في واشنطن.

الولايات المتحدة تدعم جنبلاط

كان الهدف الرئيسي الذي صب عليه باسيل جام غضبه هو الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي تعرّض لهجوم سياسي وقانوني شرس لأكثر من شهر قبل صدور البيان الأميركي. وفي الثلاثين من يونيو، اشتبك أنصار جنبلاط مع خصومهم الدروز في قبرشمون، ولقي حارسان شخصيان يعملان لصالح وزير مدعوم من “حزب الله” كان يزور المنطقة حتفهما في ظل ظروف لا تزال قيد التحقيق. فسارع باسيل إلى استغلال هذه الفرصة، وشنّ حملة هادفة إلى توريط جنبلاط في مقتل الشابَّين واتهامه بمحاولة اغتيال الوزير.

وقد دعم “حزب الله” مساعي باسيل لأن إضعاف جنبلاط من شأنه أن يخدم مصالحه الخاصة بشكل كبير فضلا عن مصالح الديكتاتور السوري بشار الأسد. ففي مقابلة تلفزيونية مؤخرا اتهم زعيم “حزب الله” حسن نصر الله جنبلاط وأطراف أخرى من منتقديه بالتآمر ضد ما يسمى بـ “محور المقاومة”.

وبالفعل كان جنبلاط من أشد المنتقدين للحزب وحليفه النظام السوري منذ عام 2005، وهو موقف التزم به عندما انضم “حزب الله” إلى الحرب في البلد المجاور. وفي شهر مايو الماضي، أثار جنبلاط غضب “حزب الله” بصورة أكثر حين أفاد أن منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها هي أراض سورية وليست لبنانية ـ في تناقض مباشر مع أحد أبرز الأسباب التي يبرر بها “حزب الله” احتفاظه بأسلحته. كما يُنظر إلى جنبلاط على نطاق واسع على أنه مناصر للاجئين السوريين، الذين يتطلع كل من نصر الله وباسيل إلى ترحيلهم.يحرص باسيل أيضا على تعزيز مكانته السياسية ضد منافسه قائد الجيش اللبناني

وتشبه الحملة ضد جنبلاط حملات التخوين الإيرانية والسورية للمعارضين لتبرير اضطهادهم. وكادت هذه الاستراتيجية أن تنجح مجددا. فعند وقوع حادثة 30 يونيو، لم يكن باستطاعة الحكومة الاجتماع لمعالجة الأمر على الفور، ولكن باسيل كان سيرضى بإحالة القضية إلى المجلس العدلي الخاضع لسيطرة “حزب الله” وحلفائه. وربما كان “حزب الله” قادرا على استخدام نفوذه لإلصاق التهمة بجنبلاط وإدانته والحكم عليه، وربما تدميره سياسيا وشخصيا.

لكن البيان الحازم الذي صدر عن السفارة الأميركية غيّر مجرى الأمور ـ فقد نقل “بعبارات واضحة للسلطات اللبنانية توقعاتنا بأنها ستتعامل مع هذا الأمر بطريقة تحقق العدالة دون تأجيج التوترات الطائفية أو المذهبية لدوافع سياسية”. وتراجع عون وباسيل على الفور ووافقا على المصالحة مع حزب جنبلاط، دون أي ذكر آخر لـ “المجلس العدلي”. وقد أفادت مصادر سياسية في بيروت أن واشنطن هددت أيضا بفرض عقوبات على شخصيات في “التيار الوطني الحر” الذي يرأسه باسيل.

احتواء “حزب الله”

وضع البيان الأميركي كلاً من باسيل وعون و”حزب الله” ومناصريه في موقف صعب بينما عزز مكانة جنبلاط كزعيم درزي وشخصية سياسية وطنية. ومن المفترض أن يسمع الحريري الرسالة الواضحة والحازمة نفسها في واشنطن هذا الأسبوع.

وفي النهاية، كان التوافق السياسي الذي حصل بين الحريري وباسيل هو ما أوصل عون إلى الرئاسة، وكلّف لبنان الدعم الدولي، وجرّه أكثر إلى محور النفوذ الإيراني. ومنذ ذلك الحين، توصل رئيس الحكومة مرارا وتكرارا إلى تسويات مع “حزب الله” ومناصريه، مبررا بشكل غير مقنع أعماله الاسترضائية على أنها تهدف إلى ضمان أمن لبنان وتعزيز اقتصاده المنهك.

وعلى الرغم من أن المجتمع السني عاقبه على هذا الموقف خلال الانتخابات النيابية في عام 2018، حيث خسر ثلث كتلته النيابية، إلا أن هذه الانتكاسة لم تدفعه حتى إلى إعادة النظر في تحالفاته ـ فهو لا يزال يؤمّن الغطاء المثالي لحكومة يسيطر “حزب الله” ووكلاؤه على أغلبيتها. ومع ذلك، إذا استمر جنبلاط في رفض التسوية مع الحزب، وإذا واصلت واشنطن دعمها لهذا الموقف، فقد يدرك الحريري أخيرا أن هناك خيارات أخرى، وأنه ليس مضطرا للتنازل عن لبنان لإيران.

لقد تم احتواء الحملة المناهضة لجنبلاط في الوقت الراهن، إلا أن التحقيق في حادثة 30 يونيو أصبح الآن في أيدي المحاكم العسكرية حيث يتمتع “حزب الله” بنفوذ كافٍ للمماطلة وكسب الوقت واستئناف تهديداته ضد جنبلاط. لذلك، يجب على الولايات المتحدة استخدام مساعداتها للجيش اللبناني ـ حوالي 2.29 مليار دولار منذ عام 2005 ـ كوسيلة للضغط، لأن المحاكم العسكرية تابعة للجيش.تشبه الحملة ضد جنبلاط حملات التخوين الإيرانية والسورية للمعارضين لتبرير اضطهادهم

وفي غضون ذلك، لا يجدر السماح بعد الآن لـ “التيار الوطني الحر” وحلفاء آخرين لـ “حزب الله” بتنفيذ الأجندة الإيرانية في لبنان دون أي عواقب. فعندما يجتمع باسيل مع مسؤولين أميركيين أو يزور واشنطن، غالبا ما يقلل من أهمية علاقته بـ “حزب الله” واصفا إياها بتحالف مؤقت يهدف إلى تعزيز حظوظه الرئاسية، فيتفادى بذلك العقوبات الأميركية. ولكن مسؤولي “التيار الوطني الحر” وإعلامه في لبنان ينددون باستمرار بالسياسة الأميركية ويدافعون عن شرعية أسلحة “حزب الله”.

ويقينا، أنه حتى لو كان التهديد بالعقوبات يردع عون وباسيل عن التمادي في نفوذهما داخل لبنان، فقد لا يكون ذلك كافيا لفسخ تحالفهما مع “حزب الله”. ومع ذلك، قد تكون الرسالة نفسها أكثر فعالية مع شخصيات مسيحية أخرى، بمن فيها تلك التابعة لتكتل عون السياسي ومجتمع الأعمال التابع له، الذين قد يعيدون النظر في دعم باسيل لمنصب الرئاسة. ويمكن أن تساعد العقوبات أيضا في الحد من رضوخ الحريري لـ “حزب الله” وتدفعه إلى الابتعاد عن باسيل. والأهم من ذلك، يمكنهم التأثير على رجال الأعمال التابعين لـ “حركة أمل” والأحزاب الشيعية الأخرى، الذين يفكرون بالفعل في الخيارات الكفيلة بإبعادهم عن مجتمع الأعمال التابع لـ “حزب الله”.

إذا طُبّقت العقوبات في إطار سياسة أميركية شاملة تهدف إلى البحث عن سبل كفيلة بإعادة التوازن السياسي في لبنان، فقد تتزعزع عندئذ تحالفات “حزب الله” وقاعدة مساعداته المالية بالفعل. إن نقطة الانطلاق المثلى هي ممارسة المزيد من الضغط على الشراكة بين باسيل و”حزب الله”، وعدم التردد في فرض العقوبات عندما تفشل المحاولات الدبلوماسية.

اقرأ أيضاً: دين الكراهية وأركانه الأربعة

السابق
اعتراض هدف قادم من شمال لبنان!
التالي
الإدارة الأميركية: إما يضبط لبنان حزب الله وإما نضبطه نحن