فتنة النفايات: عندما يبيعك زعيمك في سوق النخاسة!

أ – قال النائب “ميشال معوض” خلال حفل عشاء في إهدن، إنه “كإبن زغرتا، خجول من النفايات الموجودة على الطرقات وحول المنازل”. وسأل: “لماذا وصلنا الى هذه الحالة؟ وأجاب: لن اقول اليوم مَن هو المسؤول، وما هي الاسباب، ولو انّ لديّ الكثير لأقوله. ولكنني لن اسمح بصفقات في موضوع النفايات. والحقيقة ستظهر، وسترون ان كل هذه الهجمات والمزايدات والتطييف لا علاقة لها لا بالحلول المطروحة ولا بالمياه الجوفية, ولا بالمسيحيين ولا بالسُنة، بل بأشخاص يسعون للسيطرة على معمل الفرز وتأجير الارض للدولة وبصفقات مالية على حساب صحة اولادنا”. وقد هدد معوض بأنه سيفضح الصفقات المالية في موضوع النفايات، قائلاً إن “الحقيقة يمكنها ان تنتظر، ولكن رفع النفايات من الطرقات لا يمكنه ان ينتظر”. وقد وعد بأنه “عندما ترفع النفايات من الشوارع، سيعقد مؤتمراً صحافياً لتوضيح الكثير من الامور في موضوع صفقات النفايات”.

اعتقد انه لا يعنينا ان يكون النائب معوض مخجولاً من فشل رؤوساء بلديات زغرتا، في إيجاد الحلول لنفاياتهم الخاصة، وانه من الاولى له ان لا يكتفي بالتهديد، بل ان يُظهر للرأي العام الشمالي كله، حقيقة تلك الصفقات والسمسرات المالية القذرة، قبل الدعوة الى التظاهر في زغرتا.

بل ونتمنى عليه ان يفضح لنا حقارة ودناءة وسفالة كل المتاجرين بالزبالة وبصحة الناس، وذلك كي تُكشف كل الخفايا والاسرار عن المؤامرات الدنيئة التي تُحاك ضد الناس المساكين، وكي يكسب تعاطف وتأييد الناس في كل الأقضية. وطالما انك يا سعادة النائب، تملك الحقيقة وتكره صفقات النفايات، فكيف قبلت إذن،  بصفقة تحويل جبل تربل الى بؤرة موت على حساب صحة اولاد الناس الآخرين ؟!

ب – قال : “نحن لم نختر مكان المطمر في جبل تربل، بل دافعنا عن قرار “الدولة” التي وافقت بالاساس على هذا الموقع، ولكن “الدولة” لا تريد الدفاع عن قرارها، وتركتنا في منتصف الطريق عرضة لاتهامات ومزايدات طائفية.

وجلّ ما قمنا به ، هو اننا طلبنا من اتحادات البلديات في اربع أقضية وهي المنية – الضنية، زغرتا الزاوية، بشري والكورة، ان تتفق فيما بينها على موقع مناسب تقوم الحكومة والدولة ووزارة البيئة بدراسة الاثر البيئي له، وما اذا كان ملائماً ويستوفي الشروط المطلوبة أم لا”.

هل هذا الكلام يعني ان اتحادات البلديات في الاقضية الاربع، قد قاموا بمسح شامل لكل الاراضي التي يمكن ان تصلح لأن تكون مكباً للنفايات، وانهم لم يتركوا شبراً واحداً من الاراضي – بما فيه المرامل والمقالع والكسارات المتوقفة عن العمل –  إلا وقاموا بمعاينته ودراسته، وفي النهاية ظهر ان جبل تربل هو الوحيد الذي يستوفي كل الشروط البيئة المطلوبة، والوحيد الملائم لان يكون بؤرة لتجميع نفايات الاقضيه الاربعة، وذلك بناء على دراسة محكمة وصادرة عن جهات موثوق فيها، تؤكد انه لا أضرار بيئية ستنجم عن هذا المكب؟! أم ان الحقيقه هي ان رؤوساء بلديات الضنية والمنية الفاشلين، قد خضعوا وتبرعوا بالارض لتبييض وجوههم السوداء، في الوقت الذي رفض رؤوساء بلديات الكوره وبشري وزغرتا، تلويث بيئتهم وهواءهم ومياهم الجوفية، واصروا على تصدير نفاياتهم الى خارج مناطقهم، كي يتفرغوا لحملة تشجيرها، وتحويلها الى محميات طبيعية وسياحية؟!!

ج- اشار الى وجود مرحلتين: “المرحله الاولي هي رفع النفايات من بين المنازل في زغرتا واهدن وشوارع حيلان ومرياطة والمنية والضنية وبشري والكورة وكفريا، اما المرحلة الثانية فهي القيام بمناقصات بالشراكة مع القطاع الخاص، تمكننا من ان نقوم بالفرز، وانشاء مطمر بحسب الاصول”.

ولأننا نعيش في ظل اللادولة واللاثقة بأجهزتها وقرارتها، فهذا يعني انه بمجرد ان تصل النفايات الى جبل تربل، لن تكون هناك مرحله ثانية، وسيكون لدى الناس مطمر غير صحي لعشرات السنين القادمة، على شاكلة مطامر الكوستابرافا والجية والناعمة والجديدة، وسوف يلقى جبل تربل المصير المأساوي نفسه الذي لاقاه مطمر برج حمود، وسوف يتحول الى مكان موبوء ومسرطن ومصدر للموت والامراض والاوبئة. ونسأل سعادة النائب: طالما انك متأكد من انه سيكون “مطمراً صحياً” ، فلماذا تصر إذن، على تصدير نفايات منطقتك الى الخارج، وتهدد بالويل والثبور وعظائم الامور ، اذا لم يتم تخليصك من هذه الكارثة البيئية؟!!

د- طالب معوض بالتوحد حول العهد، وبالمناصفة والتوازن في الشراكة الوطنية، وبأن يستعيد المسيحي دوره وحقوقه. وفي نفس الوقت اكد : “بأننا متمسكون بتعدديتنا وبغِنانا وبأحزابنا، وبأن لكل طرف مصالحه وخصوصيته”. وتابع : “سمعت الكثير من الكلام غير المقبول، ومنه أن تعالج كل منطقة نفاياتها الخاصة، لكنني من الاساس كنت رافضاً لهذا الموضوع، ومن المتمسكين بايجاد حل للشمال بتعدديته السياسية والطائفية، حلّ للمنية وللضنية ولزغرتا الزاوية والكورة والبترون . وانا متمسك بان تبقى الاقضية الاربعة مرتبطة ببعضها “.

هلا رشيد امون

و – اختتم معوض كلمته بعرض ابرز مشاريعه وانجازاته كنائب زغرتاوي، في موضوع الصرف الصحي ومياه الشفة والتصنيف لقضاء زغرتا، وموضوع “زغرتا القديمة” التي لا يريدها ان تخسر هويتها، وموضوع “الزراعة” التي يفتخر انه وقع اتفاقا جديدا بين مؤسسة رينه معوض والسفارة الهولندية لتطوير اربعة انواع من الزراعة وهي الكرز والعنب، واستكمال مشروع البطاطا والافوكادو الذي بدأ به، وبالتالي تسويقهما وتصديرهما للاتحاد الأوروبي. وكما كان من الاوائل في تصدير البطاطا للاتحاد الأوروبي، سيكون الاول في تصدير الكرز والافوكادو والعنب اللبناني .. ” .

فحوى هذا الكلام، هو ان معوض يستعيد المنطق العوني الفاسد في المطالبه بالمناصفة في وظائف الدولة في كل الفئات، ولكن عندما يصل الامر الى النفايات، فهو يطالب بالشراكة والوحدة الوطنية الكاملة! وهكذا يصبح لاعترافه بالتعددية معنى واحد: وهو ان يُفرض على منطقة بعينها، ان تتحمل اوزار واوساخ المناطق الأخرى، وذلك دعماً للعهد القوي، ومساهمةً منها في تكريس التعددية والشراكة الوطنية!!! اعتقد يا سعادة النائب، ان عليك ان لا تتمسك بقناعتك التي تلزمك بمفردك، ولا تلزم أحداً غيرك. لأن الحل الوحيد المقبول، هو ان يقوم كل قضاء بمعالجة نفاياته بالطريقة التي تناسبه، احتراماً للخصوصية.

هذا الاستعراض لانجازات معوض في منطقته، يثبت ان مشكلتنا ليست مع معوض ولا مع فرنجية، بل مع ساستنا تجار الزبالة الفاشلين العاجزين المجردين من الاخلاق والضمير والمسؤولية، الساعين وراء الثروات والمال الذي سيُجمعونه من مجزرة بيئية تقتل الناس، هؤلاء الذين اشبعوا الناس قهراً وتهميشاً وحرماناً وفقراً واستخفافاً، ومن ثم عقدوا صفقة اختاروا بموجبها، اراضيهم وقراهم لتكون مكباً لنفايات اربعة اقضية، لإرضاء زعماء المناطق الأخرى، ولتحقيق مكاسب مالية من جريمة قتلهم وتهجيرهم.

قضية مكب جبل تربل لم تعد قضية نفايات فحسب، بل تحولت الى معركة اخلاق وكرامة، في وجه ساسةٍ يبيعون اهلهم في سوق النخاسة من اجل تكديس المزيد من المال الحرام.

السابق
ما قصة شيخ الاستخارة في حرب تموز 2006؟
التالي
أسطورة ‘حاروفية’ سريّة لم يكشف عنها أحد