«الطبلة» التي هزّت إيمان النبطية

تفاهة الوضع اللبناني صارت كمرض الجرَب يتفشى في الجلد ظاهريا إلا انه في الحقيقة ناتج عن التلوث الداخلي.

ينشغل اللبنانيون عموماً بالقشور، فمع كل ما يحيط بهم من أزمات اقتصادية واجتماعية، تراهم ينفعلون لأتفه الأمور، فها هو صاحب مطعم الدار في النبطية، يمنع استخدام الطبلة تحت عنوان “الحرام”. فبعد فضيحة “مهرجانات بيبلوس” في جبيل، مدينة الحرف والحرية والانفتاح، مجرد فرقة فنية شبابية هزت إيمان المدينة وأخرجت البعض في مدينة الحرف والحضارة عن طوره.
والحال نفسه حصل أمس في مدينة النبطية، مدينة الثقافة والعروبة والتنوع الديني. فوجود طبلة واستخدامها، أثار المدينة أكثر مما أثارها حرق النفايات وجبالها المنتشرة والمتمددة في محافظة الجنوب كالطاعون.
أثارت بعض الأهالي هذه الآلة الايقاعية الشعبية، والتي شاركت أهل الجنوب في أعراسهم في الساحات والمشاوير والسهرات منذ عقود إن لم نقل منذ قرون، أثارتهم الطبلة أكثر مما تثيرهم جريمة قتل، أو اغتصاب أو اعتداء أو حادث سير، يذهب ضحيته شباب على طريق الزهراني النبطية كل يوم. أثارتهم وتحسسوا من حرمتها كما لم يتحسسوا من نهب أملاكهم العامة والمشاعات و…
ما سرّ هؤلاء المثيرين للشفقة غالباً، فهم كما تقول جدتي رحمها الله “يركضون على دينين القفة”.

اقرأ أيضاً: أين هو بيت القصيد في «مشروع ليلى»؟

وفي بيان لإدارة مطعم “الدار” في النبطية الذي كان مصدر المنع ومكانه، نشر لتوضيح تفاصيل الحادثة، فأكد أن الإدارة هي من منعت الطبلة، وهذا ما أكده أحد فعاليات مدينة النبطية لـ”جنوبية”. ربما خوفاً على الأجساد الهزازة! علماً أن البلد كله مهزوز. ويقف على شفير هاوية.
وما الإثارة على مواقع التواصل الإجتماعي التي أخذت حيّزاً كبيراً جداً كرد فعل على الحصار الذي يعيشه الأهالي في بعض المناطق الجنوبية. نرى أن الحفلات في القرى والمطاعم والمسابح والساحات لا تعد ولا تحصى، ولا يتوقف الأمر على الطبلة أو الدربكة، بل يتعداها إلى ما هو أكثر بكثير. فالطبلة أو الدرّبكة حرّكت النعرات الدينية والسياسة بين مؤيد ورافض من ضمن المنطقة ذاتها وداخل البيئة نفسها.
والسياسة لعبت دوراً في المنع، وبالطبع المنع المغلف بغلاف ديني قهري للبيئة والناس الذين اشتروا البطاقات وهم لا يبلغون المائة بحسب التصريح الرسمي لصاحب المطعم، الذي ينتمي إلى البيئة الدينية الشيعية في الجنوب والتي تسيطر على الفضاء العام.

مع العلم أن مطعم “أهل الدار” الذي تأسس منذ ثمانية عقود يملكه شاب اسمه جلال زبيب ويديره شاب اسمه حسن جواد. ويبدو أن إدارة المطعم تساير الأوضاع المحيطة. وإن كان العديدون قد أكدوا أن المدير من أتباع حزب الله.
لكن السؤال لما سمحت “جمعية ديوان الأدب” بطباعة وبيع البطاقات والحجوزات طالما أن صاحب المطعم لا يقبل بوجود الطبلة؟ وهل أنه لم يكن واعياً وتم “هزّه” و”لكزه” حيال الطبلة المنكرة الفعل الملعونة النتيجة، فرقص على جسد المدعوين؟
رئيس “جمعية ديوان الأدب” الدكتور علي العزّي، أكد في حديث صحفي أن “الجمعية أحيت منذ حوالى شهرين أمسية شعرية، وانتهت بحفلة طربية أدت فيها الفرقة أغاني أم كلثوم. ليس هذا وحسب، بل أن إدارة المطعم كانت قد جهّزت صوتيات الأمسية وتعلم جيداً طبيعة نشاط الجمعية، وتفاوضت معها طوال أسبوع على الأسعار وعلى تفاصيل ترتيب الطاولات والأمور اللوجستية. بالتالي، يستغرب العزّي تبدل مزاج صاحب المطعم في أقل من شهر، خصوصاً أنه كان حاضراً في الأمسية الطربية التي أحيتها الجمعية آنذاك، وكان فرحاً وطرِباً. وكان يعلم أن الأمسية للطرب الأصيل، وبوجود العود والقانون والطبلة. لكن لا ندري ماذا أصابه عندما شاهد الطبلة”.

السابق
جنبلاط حيّا جعجع ويرأس اجتماعاً طارئاً “لأركان القيادة”
التالي
البؤس الفلسطيني في لبنان