تاريخ مجالس العزاء الحسينية في لبنان والعالم

مجالس العزاء
كانت مجالس العزاء الحسينية محدودة وقليلة عبر التاريخ ، فكانت نادرة قبل استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وقليلة بعد ذلك.

وذكر المؤرخون والمحدثون مرور نبي الله آدم أبي البشر الأول عليه السلام بكربلاء وبكاؤه على الحسين عليه السلام لما أخبره الوحي بما سيجري عليه، كما ناح أبو البشر الثاني نوح عليه السلام على الحسين عليه السلام لما أمره الله بكتابة أسماء أهل البيت عليهم السلام على السفينة لتنجو به وبمن آمن معه، وذلك لما قرأ إسم الحسين عليه السلام بين أسمائهم عليهم السلام وسالت دمعته وسأله ربه عن علة ذلك، فأوحى إليه يصف له ما سيجري على الحسين عليه السلام من القتل والشهادة.

اقرأ أيضاً: تجارة مجالس العزاء: مبالغات السيرة.. والبدل المالي

وأما شيخ النبيين إبراهيم الخليل عليه السلام فقد شهق لما أوحى إليه ربه بما تفعل أمة نبي آخر الزمان بسبط ذلك النبي عليه السلام من الذبح والتنكيل، وهكذا كان الأنبياء عليهم السلام يذكرون المصائب الحسينية ويبكون عليها في مجالسهم الخاصة النادرة قبل مقتل الحسين عليه السلام بآلآف السنين، وكذا فعل سيد المرسلين صلى الله عليه وآله عند مولد الحسين عليه السلام لما أخبره جبرئيل عليه السلام بما يجري عليه، وكذا فعلت السيدة الزهراء وبعلها أمير المؤمنين عليهما السلام، ومن بعدهم الحسن عليه السلام لحظة استشهاده بالسُّم، وكذا روي أن زين العابدين عليه السلام بكى أباه خمس سنين قبل مقتله وخمساً وثلاثين سنة بعد قتله عليه السلام، فكانت هذه مرحلة إقامة مجالس العزاء الحسينية قبل استشهاد الحسين عليه السلام.
واستمر أئمة أهل البيت عليهم السلام بعد قتل الحسين عليه السلام بتشجيع الشعراء والخطباء على ذكر مصائب سيد الشهداء عليه السلام عبر عقد مجالس العزاء الحسينية الخاصة في البيوت، وقد أعلن شيعتهم بمجالس مقتل الإمام الباقر عليه السلام في منى في موسم الحج لعشر سنين بوصية منه عليه السلام لما أوصى بقوله: “ولتندبني النوادب في منى عشر سنين”، فكانت هذه أول ظاهرة علنية لإقامة العزاء عند الشيعة بعد مقتل الحسين عليه السلام، واستمر أئمة أهل البيت عليهم السلام بعقد مجالس العزاء الحسينية في البيوت في العلن في المدينة المنورة ولكن بشكل محدود تخلله العمل بالتقية في غالب الأحيان، وقد بدا هذا واضحاً في ممارسات إمامنا الصادق عليه السلام لما سأله أحدهم عن حال الطفل الذي جيئ به إليه لما أراد في مجلسه العزائي الحسيني في داره تمثيل فاجعة مقتل رضيع جده الحسين عليه السلام وكثر يومها البكاء في ذلك المجلس التمثيلي، فأجاب عليه السلام ذلك السائل بالقول: “لنا رضيع قد مات ونحن نبكي عليه”، وذلك عملاً منه بالتقية تجنباً من أذى وعدوان العباسيين وأعوانهم.

وفي غيبة الإمام المهدي عليه السلام زاد التستر في عقد مجالس العزاء الحسينية ما خلا المدن المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء وأطرافها وبعض البلاد النائية حتى ظهر التشيع بقوة في بلاد فارس فصارت مجالس العزاء الحسينية تعقد في العلن بقوة في بلاد فارس، لتمتد إلى العراق ولبنان ودول الخليج، ولكنها واجهت الاضطهاد العثماني، فصارت تعقد في الخفاء خارج بلاد فارس، وفي لبنان كان يعقدها شيعة لبنان في المغارات والدور المغلقة وذلك في زمن الحكم العثماني، واستمر هذا الوضع بحدة أقل في ظل الانتداب الفرنسي بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية حيث ظهرت في لبنان بعض مراكز القراءة الحسينية العلنية التي بدأت في بيوت مجموعة من أعيان الشيعة، وتنفَّس شيعة لبنان الصعداء باستقلال لبنان عن الانتداب وقيام الجمهورية اللبنانية قبل سبعة عقود من الزمن ليتمتع الشيعة بالحريات الدينية وتتوسع مراكز إقامة مجالس العزاء الحسيني في لبنان.  
 وكان أول مجلس عزاء حسيني علني يعقده شيعة لبنان في العلن بعد زوال الظلم العثماني وفي ظل الانتداب الفرنسي مجلس عزاء عاشوراء في دار الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين في مدينة صور، ثم عقد ثاني المجالس العلنية في حسينية أبي رياض الخنسا في بيروت المستمر ليومنا في عاشوراء وليالي الجمعة، ثم ثالثها في دار آل مكتبي في منطقة الحمرا خلف مصرف لبنان المركزي في بيروت الذي ما زال مستمراً في عاشوراء وليالي الجمعة إلى الآن، ثم رابعها في حسينية الشيخ عبد الحسين صادق في النبطية التي ما زالت عامرة ليومنا بعد توسعتها لتصبح سادسة حسينية في المساحة في العالم، ثم خامسها في عاشوراء في دار والد السيد محمد عثمان في بعلبك ليستمر ولده السيد محمد بإقامته في عاشوراء ووفيات المعصومين عليه السلام بعد تأسيسه حسينية أبي الفضل العباس عليه السلام في حي الشيخ حبيب في بعلبك حتى هذا اليوم، ومن المعلوم أن السيد محمد عثمان هو من الذين أشرفوا على بناء وتوسعة مشهد السيدة خولة عليها السلام في بعلبك.
فهذه المراكز الخمسة هي أقدم مراكز إقامة مجالس العزاء الحسيني في لبنان في مرحلة ما بعد زوال الدولة العثمانية وفي ظل الانتداب الفرنسي وبعد قيام الكيان اللبناني والجمهورية اللبنانية عقب الاستقلال. 

اقرأ أيضاً: مبالغات قرّاء العزاء وآفة تصدير الجهل

وبعد مجيئ الإمام المغيب السيد موسى الصدر ظهر أمر الشيعة بقوة فكثرت الحسينيات وتوسعت في كل مناطق وقرى الشيعة وما زالت تتجه نحو الازدياد يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة حتى قُدِّر عدد الحسينيات والمراكز التي تقام فيها مجالس العزاء الحسيني في لبنان الآن بما يقارب ألف مركز متوزعة بين جنوب لبنان والبقاع في قرى ومدن بعلبك والهرمل وبين بيروت  وضواحيها وبلاد جبيل وكسروان وقرى الشيعة في شمال لبنان، ولكن هذه المجالس تعاني من نقص كبير في خطباء المنبر الحسيني الأكفاء الذين ما زالوا بتعداد أصابع اليد في لبنان والعالم الشيعي، وهذا يحتاج للعمل بوصية الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ محمد شمس الدين التي أكد فيها – في فاتحة الخطيب الشيخ محمد نجيب شمس الدين في بلدة البازورية – أكد في تلك الوصية على أن يتولى العلماء مهمة قراءة العزاء الحسيني في بلاد الشيعة في العالم، فالسواد الأعظم ممن يتصدون لهذه المهمة في العالم الشيعي اليوم لا ينطبق عليهم هذا الوصف، ومن العوامل الأساسية المساعدة على إقصاء العلماء الخطباء عن المنابر العامة في لبنان السيطرة الحزبية على هذه المنابر، بحيث تقدم الأحزاب الشيعية الحاكمة الجاهل المنظم الحزبي على العالم المستقل غير المنظم حزبياً، وهذا يستدعي انتفاضة في هذا الجانب، سددنا الله بالرأي الصائب…

السابق
«أكلناها»: إفلاس برامج الإيحاءات الجنسية
التالي
وفد فلسطيني يغيب عن اجتماع في السراي الحكومي…